نحن عالقون. وإذا استمر الجمود.. فسنُهزم
تاريخ المقال
المصدر
- عيد الفصح [اليهودي] هذا العام هو أحد الأعياد المصيرية في تاريخ دولة إسرائيل. فهي تجد نفسها في ذروة حرب وجودية ومتعددة الجبهات، وفي الوقت نفسه، عالقة ومتعثرة وتواجه طريقاً مسدوداً في كل جبهة من الجبهات الست المهمة بالنسبة إليها:
- الجهود المبذولة لتحرير الرهائن. إسرائيل عالقة لأنها فقدت، بمبادرة منها، كل أوراق الضغط الفعالة ضد قائد "حماس" في غزة يحيى السنوار. الجيش خرج، تقريباً، من كافة مناطق القطاع، وسلطة "حماس" لم تتفكك، والأميركيون لا يسمحون لنا بالدخول إلى رفح وإنهاء المهمة.
- العملية الضرورية في رفح لا تتقدم للتنفيذ. السبب المركزي لذلك هو أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والجيش لم يتوصلا إلى تفاهمات مع الأميركيين بعد بشأن إجلاء نحو مليون لاجئ عن المدينة. نتنياهو يطالب الجيش بالمناورة في داخل رفح بأسرع وقت ممكن، حتى إنه يصرخ في وجه قائد هيئة الأركان هليفي وقيادات هيئة الأركان لأن التحضيرات لهذه العملية - في الأساس إقامة مناطق للاجئين الذين سيخرجون من رفح - لا تتقدم بالوتيرة المطلوبة. وفي الوقت نفسه، يدير المفاوضات مع واشنطن في هذا الشأن بتقاعُس.
- كان من المفترض أن يتوجه كلٌّ من وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي إلى واشنطن من أجل المفاوضات بشأن إجلاء اللاجئين، لأن تدخُّل إدارة بايدن ضرورية. الجهات الدولية التي تطالبها إسرائيل بإقامة مخيمات للنازحين في منطقة خان يونس والشاطئ غير مستعدة للبدء بالعمل من دون مباركة ودعم سياسي ومالي من واشنطن. إسرائيل غير موافقة على أن تكون الجهات التي تعمل من طرف الأمم المتحدة، كالأونروا، جزءاً من هذه الحملة لإجلاء النازحين عن رفح. هذه المنظمة تتعاون مع "حماس"، وإسرائيل لا تريد منحها الشرعية. لم يتبقّ إلا جهات مثل "برنامج الغذاء العالمي" - وهو منظمة أميركية ستشارك في المشروع، فقط في حال منحتها إدارة بايدن الضوء الأخضر.
- هكذا تعمل الآلة: من دون تفاهمات مع الأميركيين، لا يمكن إجلاء مليون لاجئ عن رفح، ومن دون الإجلاء، فإن الولايات المتحدة لن تصادق على العملية في رفح، ومن دون مصادقة الولايات المتحدة، فإن إسرائيل لن تعمل. وهذا على الرغم من الجاهزية العسكرية - وأيضاً إقامة المناطق الخاصة باللاجئين، وأيضاً دخول الجيش لتفكيك الكتائب الأربع التابعة لـ"حماس" في المدينة. إلا إن حكومة إسرائيل تماطل، والحوار مع واشنطن عالق. مؤخراً، تم عقد اجتماعين طويلين بهذا الشأن مع الأميركيين، عبر الزوم، كان الأخير في الأسبوع الماضي، وفيه تم طرح قضية التحضيرات الإنسانية لإجلاء السكان. موقف الإدارة الذي يرفض تنفيذ أي عملية في رفح لا يزال كما هو عليه، لكن يسود اعتقاد في إسرائيل أنه سيصبح أقل حدةً مع التقدم في الخطة.
- إسرائيل لم تجد أي بديل من سلطة "حماس" في غزة. عسكرياً، تم تفكيك نحو 75% من قوة "حماس" العسكرية، أو أنها لم تعد تعمل، لكن الحركة لا تزال تسيطر مدنياً في القطاع، وما دامت السيطرة المدنية لا تزال قائمة - فإن أهداف الحرب لم تتحقق، ولا يمكن إعلان الانتصار وإعادة النازحين إلى "غلاف غزة".
- الآن، هناك بديلان فقط من حُكم "حماس" المدني: حُكم عسكري إسرائيلي، أو قوات فلسطينية تابعة لأجهزة أمن أبو مازن، بمساعدة قوة عربية، وبتمويل دول لديها علاقات مع إسرائيل. إلا إن نتنياهو وحكومته غير معنيَّين بالمصادقة على أي من الخيارَين، والنتيجة هي أن "حماس" تعود إلى الميدان على جميع الصعد المدنية في كل مناطق القطاع.
- الحرب في الشمال. إسرائيل غير قادرة على إعادة سكان الجليل إلى البلدات الحدودية، لأن حسن نصرالله غير مستعد لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات بشأن ترتيبات دبلوماسية - بوساطة أميركية وفرنسية وسعودية ودول أُخرى أيضاً - حتى وقف الحرب في غزة. إنه ينتظر أيضاً رؤية النتائج التي سيحققها الجيش ضد "حماس"، لكي يقرر ما إذا كان من الجيد له، عموماً، التوصل إلى اتفاق، أو من الأفضل هزيمة الجيش إذا دخل إلى الجنوب اللبناني.
- لا تريد الجهات السياسية والأمنية في إسرائيل، جميعها، حرباً شاملة مع حزب الله، حتى إنها لا تريد أيضاً حرباً محدودة في الجنوب اللبناني. وكحال نصر الله، تفضل إسرائيل أيضاً التوصل إلى ترتيبات عبر المفاوضات. لكن ما دام لا يوجد وقف لإطلاق النار في غزة، ولا تجري أي مفاوضات دبلوماسية، والتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة سيتم فقط عبر صفقة تبادُل، فإن هذا السيناريو غير واضح في الأفق.
- التطبيع مع السعودية. الاحتمال قائم، إلا إن المفاوضات بهذا الشأن تجري بتقاعُس بسبب عدم استعداد نتنياهو وحكومته للبحث في إقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين.
- التهديد من طهران. لا توجد لدى إسرائيل خطة استراتيجية لتأسيس الحلف الدفاعي ضد إيران، والذي عمل جيداً على إحباط الهجوم الصاروخي والمسيّرات قبل نحو أسبوع، وهو الحل للتعامل الفعال مع التهديد النووي الإيراني عندما يحين الوقت.
كل شيء يبدأ وينتهي بالفلسطينيين
- هذه الطريق المسدودة في جميع الجبهات لها ميزتان مركزيتان. الأولى - أن كل شيء مرتبط ببعضه. حل أي قضية مرتبط بما سيحدث في القضايا الأُخرى. لذلك، المطلوب استراتيجيا شاملة تحرّك الحزمة برمتها في الاتجاه المطلوب. لا يوجد لدى حكومة إسرائيل ومن يترأسها أي استراتيجيا كهذه الآن. إنهم يديرون المفاوضات والحرب في كل واحدة من الجبهات بشكل منفصل، من دون رؤية الصورة الشاملة غير المشجعة التي تنعكس منها.
- الميزة الأُخرى هي أن كل المحاور - أي المفتاح لحل كل ما يحدث وتحريكه في كل الجبهات، هو التعاون الوطيد مع الولايات المتحدة. إدارة بايدن أثبتت بشكل مقنع جداً أنها تقف إلى جانب إسرائيل، وفي كل مرحلة كان هناك تعاون كامل معها - كانت النتيجة ناجحة (مثلاً النتائج العسكرية والسياسية لعملية إحباط الهجوم الإيراني الأسبوع الماضي).
- ممنوع إلحاق الضرر بالتعاون مع الإدارة الأميركية في القضايا الاستراتيجية الضرورية والوجودية بالنسبة إلى إسرائيل، إلا إن استمرار هذا التنسيق في جميع الجبهات مشروط بالتنازل الإسرائيلي في المجال الفلسطيني، بما معناه موافقة إسرائيلية مبدئية من طرف نتنياهو على رؤية حل الدولتين لشعبين، واستعداد لدمج السلطة الفلسطينية التابعة لأبو مازن بالحكم المدني وفرض القانون في غزة. هذا المطلب غير حصري فقط بالإدارة الأميركية، بل أيضاً بجميع دول المنطقة المشارِكة، أو التي يمكن أن تشارك في حلف إقليمي.
- لذلك، على إسرائيل التنازل عن موقفها الحازم والرافض في الشأن الفلسطيني، والاستجابة للطلب الأميركي بالعمل كقبضة واحدة عسكرية وسياسية مع حلفائنا. هذا صعب جداً على حكومة "اليمين الكامل" ومَن يترأسها، لكن من دون تعاوُن فوري واستراتيجي مع إدارة بايدن، فإننا لن نبقى فقط عالقين في طريق من دون مخرج وقتاً طويلاً، بل أيضاً سنُهزم في الحرب.