بعد العيد.. المطلوب من إسرائيل الاختيار ما بين المخطوفين أو الحرب
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
أحمد عز الدين أسعد, منير فخر الدين
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- قبيل اليوم الـ 200 للحرب ضد "حماس"، والتي تمددت إلى جبهات أُخرى، لا مفرّ من الحديث عن إخفاق خطِر في وضع الأمن القومي. لقد سجلت إيران نقطة مقلقة أُخرى من خلال قرارها بشأن إطلاق أكثر من 300 صاروخ ومسيّرة في اتجاه إسرائيل قبل أقل من أسبوع (الهجوم بحد ذاته أُحبط، في أغلبيته، بنجاح من خلال إسرائيل وشركائها). مؤخراً، صعّد حزب الله من لبنان هجماته بالمسيّرات والصواريخ المضادة للدبابات، بينما لا يزال نحو 50 ألفاً من سكان الحدود الشمالية نازحين عن منازلهم. كما أن عودة سكان "غلاف غزة" تجري بصورة بطيئة، والمستوطنات التي دُمرت بالقرب من الحدود عليها الانتظار وقتاً طويلاً من أجل ترميمها وإعادة بنائها من جديد.
- وهنا تنضم حقيقة أنه على الرغم من مرور الزمن، فإن الأهداف المعلنة للحرب ضد "حماس" لم تتحقق بعد. ولم يتم القضاء على سلطة الحركة في القطاع، جزء (صغير نسبياً) من قدراتها العسكرية لا يزال موجوداً، ولم تنضج بعد الشروط لإعادة المخطوفين. وتبدو محنة المخطوفين هي الأكثر إلحاحاً وإيلاماً من أي شيء آخر. ثمة شك في أن أغلبية الإسرائيليين اعتقدت أننا سنحتفل بعيد الفصح من دون عودة المخطوفين. وبعد التصدع الكبير الذي أحدثته "المجزرة" في الروحية الإسرائيلية جرّاء عدم وصول الجيش في الوقت الملائم من أجل إنقاذ العائلات التي صرخت طالبةً النجدة من الغرف المحصّنة في الكيبوتسات، بالإضافة إلى الذين قُتلوا في مهرجان نوفا على يد "المخربين"، نشأ تصدُّع كبير آخر.
- التضامن الأساسي الذي تباهى به المجتمع في البلد خلال أعوام كثيرة تضرر بصورة مطلقة. في سنة 2011، وخلال صفقة مثيرة للجدل، جرى إطلاق 1027 أسيراً فلسطينياً، بينهم المئات من "المخربين القتلة"، في مقابل جندي مخطوف واحد، هو جلعاد شاليط. هذه المرة، المخطوفون يقبعون في الأسر، وجزء كبير من المنظومة السياسية تقف موقفاً لامبالياً، حتى إنها تتخذ موقفاً عدائياً حيال معاناة عائلاتهم. ويوجد هنا خطر كبير من تكرار مأساة الطيار رون أراد، الذي لا نعرف عنه شيئاً، بعد مرور 4 عقود على سقوط طائرته في لبنان. وبمرور الوقت، يتحدث أعضاء في الائتلاف بصعوبة عن معاناة المخطوفين، بينما يهاجم أنصار الحكومة في وسائل التواصل الاجتماعي أهالي المخطوفين علناً. صوت دماء إخوتنا يستنجد بنا من غزة من تحت الأرض، لكن عمليات التسوق لعيد الفصح تجري كالمعتاد.
- المأزق الاستراتيجي الذي تواجهه إسرائيل الآن واضح جداً، ويتقاطع مع تطورات واسعة النطاق على الساحة الدولية، وفي طليعتها، وقوف المحور الروسي - الإيراني (بتأييد معين وخفيّ من الصين)، ضد الهيمنة الأميركية المستمرة منذ أعوام طويلة. ونظراً إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبعكس أي منطق عملي، يرفض البحث في الجوانب السياسية للحرب، وفي الحلول المطلوبة، ونظراً إلى أن إسرائيل خسرت جزءاً أساسياً من التأييد الغربي جرّاء عملياتها العسكرية في القطاع، فإنها الآن أصبحت عضواً موقتاً في المعسكر الليبرالي - الديمقراطي. لقد هبّت الولايات المتحدة والدول الغربية إلى نجدتها في التصدي للهجوم الإيراني، لكنهم في الوقت عينه، يطالبونها بضبط النفس في غزة، ويضغطون عليها لإنهاء الحرب.
- في المدى البعيد، يحوم خطر أكبر كثيراً، ألا وهو نشوء وضع شبيه بالوضع الأوكراني، أي استمرار القتال بحجم محدود، لكن بصورة تجعل من الصعب استمرار الحياة الاقتصادية، وعودة السياحة الخارجية، أو العودة الكاملة للسكان إلى المستوطنات بالقرب من الحدود مع لبنان، أو في "غلاف غزة". وستدعم إيران حزب الله و"حماس" بإطلاق صواريخ من حين إلى آخر، والعالم الغربي سيقول لإسرائيل إن عليها أن تكون واقعية، وأن تأخذ القيود في الاعتبار. وبعكس أوكرانيا، لم يجرِ احتلال أراضٍ لنا بصورة دائمة، لكننا حتى الآن، لم ننجح في إعادة السكان في داخل أراضينا السيادية. ويزداد الإحراج، وخصوصاً في الشمال، حيث لم تحصل آلاف العائلات على ضمانات من الحكومة ومن الجيش بأنها ستكون قادرة على تسجيل أبنائها في مدارسهم الأساسية في مناطقهم في 1 أيلول/سبتمبر.
- المأزق الاستراتيجي الذي تواجهه إسرائيل موجود في غزة، وفي لبنان، والضفة الغربية، وإزاء إيران، وقريباً في مواجهة تركيا، التي تنوي إرسال أسطول مساعدة استفزازي إلى القطاع. والأخبار السيئة من نوع تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل (هذه المرة من شركة S&P)، تتعارض مع الكلام الفارغ والوعود التي لا أساس لها، والتي يوزعها رئيس الحكومة.
- ...إطالة أمد الحرب والدخول المحتمل إلى رفح يخدمان تحالف المصالح بين نتنياهو والمسؤولين عن تقصير 7 تشرين الأول/أكتوبر. وما دامت الحرب مستمرة، وإذا اندلعت بقوة كبيرة، فإنها ستشكل ذريعة لعدم فتح تحقيق خارجي ورسمي في الأسباب التي أدت إلى وصول إسرائيل إلى هذه الهاوية. وبعكس نتنياهو تماماً، لقد أعلن كبار المسؤولين في الجيش وفي الشاباك تحمُّلهم مسؤولية الفشل، وأعلنوا، في معظمهم، أنهم سيستقيلون عندما يحين الوقت. لكن لديهم حاجة إنسانية لا مفرّ منها لمواصلة القتال على أمل تصحيح شيء ما، أو جزء من الضرر، ومن التقصير المريع.
- في أواسط آب/أغسطس 2006، وفي نهاية حرب لبنان الثانية، كان قائد المنطقة الشمالية، حينها، أودي أدام أول مَن استخلص الخلاصات الشخصية واستقال من الجيش. بعد 3 أشهر، استقال أيضاً قائد الفرقة 91 اللواء غال هيرش، وبعده كرّت سبحة الاستقالات، فاستقال رئيس الأركان دان حالوتس في كانون الثاني/يناير 2007، وكذلك وزير الدفاع عمير بيرتس في أيار/مايو. أمّا رئيس الحكومة، آنذاك، إيهود أولمرت، فظل متمسكاً بالسلطة عامين ونصف العام، إلى أن اضطر إلى الرحيل بسبب قضية فساد، دخل إلى السجن في نهايتها.
- رئيس الأركان الحالي هرتسي هليفي قاد بصورة مثيرة للإعجاب عملية تعافي الجيش بعد "المذبحة"، وقاد المناورة البرية في القطاع في ظروف صعبة. توجد تحت إمرته مجموعة من الضباط، وهم مثله ضالعون بصورة مباشرة في الإخفاقات التي أدت إلى الكارثة. كما لا يمكن التخفيف من مسؤولية الشاباك عن الكارثة برئاسة رونين بار....
- في الأسبوع الماضي، أجرى معهد دراسات الأمن القومي استطلاعاً بشأن تداعيات الحرب. والمفاجأة أن الجيش لا يزال يحظى بثقة كبيرة وسط الجمهورَين اليهودي والعربي على حد سواء: 81% (و89% وسط الجمهور اليهودي فقط). بينما حصلت الشرطة على ثقة 44%، أمّا الحكومة فلم تتجاوز نسبة 23%. في المقابل، حصل نتنياهو على ثقة 27%، ورئيس الأركان هرتسي هليفي على ثقة 60%. وحصل أداء سلاح الجو على تقدير مرتفع جداً لدى 86% من الجمهور، مقارنةً بـ 79% قبل شهر. وعبّر 64% من اليهود عن اعتقادهم أن الجيش سينتصر في الحرب. بينما كانت هذه النسبة في تشرين الثاني/نوفمبر، في بداية العملية البرية، 90% بين المواطنين اليهود.
- الاستطلاع الذي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية يقدم صورة مكتملة. أغلبية كبيرة من الذين شاركوا في الاستطلاع من اليهود والعرب على حد سواء، تعتقد أنه حان الوقت لاستقالة المسؤولين عن إخفاق 7 تشرين الأول/أكتوبر من مناصبهم. ويبرز الانقسام في هذا الشأن بين اليمين واليسار. ففي اليسار والوسط، تطالب أغلبية كبيرة منهما بالاستقالة الآن؛ بينما في اليمين، فإن أقل من النصف مع هذا الرأي. في المقابل، هناك 51% من الإسرائيليين يريدون إجراء الانتخابات في نهاية السنة الحالية، بينما يريد ربعهم إجراءها في موعدها، و15% يفضلون أن تجري الانتخابات في العام المقبل.
