لا تزال "حماس" السلطة الحاكمة في غزة، حتى بعد مرور ستة أشهر، والسبب نتنياهو
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • لن يكون الدخول المرتقب إلى رفح مختلفاً، في النهاية، عمّا تم تحقيقه في خان يونس، أو في مدينة غزة، أو في أي موقع آخر قام الجيش باحتلاله في القطاع، ثم انسحب منه وتركه في نهاية المطاف لتحكمه "حماس".
  • النموذج المتكرر من العمليات هو أن الجيش يخطط لاقتحام مدينة أو مخيم، ويطرد أكبر عدد ممكن من السكان المدنيين من هناك، ويقوم بإنهاك الأهداف بنيران مكثفة، ويدخل في عمليات قتالية قوية، ثم يفكك القوة "الإرهابية "العسكرية التي تسيطر في المكان الخطِر، ويتقدم بصورة بطيئة، وحذرة، لكنها ثابتة، يقتل كثيرين من "المخربين"، ويقصف البنى التحتية وكل ما يحيط بالمكان، يتم العثور على معلومات استخباراتية وغيرها، وفي نهاية المطاف، وبعد أعمال قتالية صعبة، وبثمن باهظ يتمثل في خسارة خيرة أبنائنا، يتكرر السؤال: ماذا بعد؟ ها نحن نعود للاستعداد للدفاع المتواصل، ونتجاوز ما حدث، ولا يوجد أي تعريف لِما يحدث، هناك صمت على المستوى السياسي، لا توجيهات مطلقاً بشأن ما الذي يريدون فعله في المنطقة التي تم احتلالها للتو. تتواصل عمليات قتل "المخربين" هنا وهناك، ثم نبدأ بتلقّي الضربات لأن عدونا بدأ يتعافى، ونبدأ بارتكاب الأخطاء، فيسقط في صفوفنا ضحايا كلما كانت القوة العسكرية ثابتة وغير متحركة، ثم نصطدم بالكمائن على امتداد محاور الإمداد، ونتلقى الضربات بنيران القناصة وخلايا الصواريخ المضادة للدروع التي بقيت في قيد الحياة، لأننا في نهاية المطاف، لن نتمكن من قتل "المخرب" الأخير في كل مكان. وعلى فكرة، فإننا لو قمنا بدراسة بشأن الضحايا، لاكتشفنا أن معظم ضحايانا أصيبوا في الصفوف الخلفية، بعد الاجتياح، وأن معظم الضحايا لا يسقطون في جبهة القتال المتقدمة.
  • هكذا، تقرر المستويات القيادية في الجيش أن لا فائدة من التمركز من دون داعٍ في المنطقة، بسبب عدم وجود توجيهات متعلقة بمستقبل المنطقة، من جانب المستوى السياسي، فيتم اتخاذ قرار تكتيكي، وينسحب الجيش إلى منطقة محمية خارجية، حيث يكون مكوث الجنود هناك آمناً، وحين تصل معلومات استخباراتية محددة، يقوم الجيش بإغارة ما على هدف عرضي ما. أمّا خلاف ذلك، ولأن الوضع القائم يشبه نشاطات حفظ الأمن اليومي كما هي الحال في جنين، فلا حاجة إلى عدد كبير من القوات، ولذا، يتم تخفيف عديد الألوية إلى الحد الأدنى المطلوب.
  • عندما يتحدث رئيس الوزراء عن زيادة الضغط العسكري، وعن أننا "على مرمى حجر من النصر"، فإن حديثه لا علاقة له بالواقع، كما أن لا أحد يمكنه معرفة عمّا يتحدث الرجل. لقد انتهت الحرب الكبرى منذ وقت بعيد، لا توجد في الميدان حرب متواصلة أو عنيدة، ولا توجد، حقاً، أهداف، ولا يوجد أي ضغط أصلاً. إن كل ما يحدث هناك اشتباكات مع بقايا "حماس" التي تحاول التعافي. ما يحدث حقاً هو أن الفوضى تسود الفراغ الميداني، وفي ظل غياب سيطرة مدنية، تعود عناصر "حماس" إلى السيطرة على هذه المناطق. وهكذا، تتبدد إنجازات الحرب التي نحققها بكثير من الدم والعرق، شيئاً فشيئاً، ولا يوجد الآن أي علاقة بين الحرب الدائرة، وبين أهدافها المعلنة التي لم يتحقق أيّ منها.
  • لكي نتمكن من استبدال حُكم "حماس" في الميدان، هناك حاجة إلى وجود جهة يمكن تسليمها المفاتيح، لكن الجيش ليس هو الذي يحسم في هذا الأمر، أمّا التسلق الذي تمارسه الحكومة على أكتاف الجيش، فلن يوصلها إلى أيّ أهداف سياسية. فالبنادق لا يمكنها خلق بديل سيادي.
  • محاولات الوزير غالانت تقديم حلّ، منذ شباط/فبراير الماضي، قوبلت بصدّ تام من رئيس الوزراء الذي يتهرب أيضاً من النقاش، ويقف ساكناً بلا حراك عندما يتعين عليه إصدار القرار المطلوب. هذه الحالة خطِرة بحد ذاتها، إذ إن صاحب أعلى منصب في الدولة يتهرب في زمن الحرب من اتخاذ القرار الأهم المطالَب باتخاذه.
  • على امتداد هذه الحرب، لم يُصدر مجلس "الكابينيت" سوى عدد محدود جداً من القرارات الحقيقية. وأهم هذه القرارات بالذات هو تحمُّل المسؤولية عن هجوم "حماس"، والذي يهدف إلى تأمين إنجازات الجيش، فلم يتم اتخاذه. سألني ضابط رفيع في سلاح الاحتياط عمّا إذا كان رئيس الحكومة يدرك، في رأيي، ما الذي يجري في الميدان، فأجبته بأنني أشكك في مدى التزام رئيس الحكومة بالمسؤولية الوطنية المطلوبة منه.
  • ها نحن نقف على عتبات احتلال رفح، وحتى لا تصبح رفح نموذجاً حياً من فشل الحرب، فمن الواجب اتخاذ القرار المتعلق بـ"اليوم التالي للحرب"، في اليوم السابق لاحتلال رفح. يتوجب على قائد هيئة الأركان، وقائد الجبهة، ووزير الدفاع، والوزيرين بني غانتس وأيزنكوت، أن يشترطوا موافقتهم على العملية باتخاذ القرار المصيري الأهم: لمن يجب تسليم المفاتيح بعد إنجاز احتلال مدينة رفح؟ لأن طريقة القتال ضد "حماس"، ثم تركها تستولي على المناطق التي احتللناها فوراً بعد انتهاء القتال، هي حماقة، وتعريض لحياة جنودنا لخطر عبثي.
  • لا يخطئنّ أحد هنا: إن القتال في رفح سيكبدنا أثماناً باهظة. فرفح هي أكثر المواقع اكتظاظاً، والقتال داخلها شديد الصعوبة. والجيش، على ما يبدو، لن يتمكن من استخدام نيران كثيفة هناك، بل إن نيرانه ستكون موزونة، بسبب المدنيين الذين لن يتركوا المدينة، وبسبب الحضور الدولي ومنظمات الإغاثة المتموضعة هناك، وبسبب الحساسية القائمة تجاه مصر القريبة. هذه القيود ستكبدنا، على ما يبدو، أثماناً، وستتسبب بسقوط مدنيين غير ضالعين في القتال، فضلاً عن القول إن "حماس" لا بد من أن تقوم بتحضير الأرضية لدخول الجيش، وستبذل كل ما في وسعها من أجل رفع عدد المدنيين القتلى، في صيغة تشبه ما حدث في قرية قانا ومخيمَي صبرا وشاتيلا [في لبنان]، وهو ما قد يؤدي إلى فرض إنهاء الحرب. سيتمكن بعض "المخربين" من الهروب تحت غطاء الهجرة المدنية، بهدف العودة بعد انتهاء الاحتلال، فمن الواضح أن الجيش الإسرائيلي سيخرج من المنطقة بعد وقت قصير. وعلى الرغم من هذا كله، فإنه سيضطر إلى خوض قتال مرير.
  • لكن، بعد نحو شهر من القتال العنيف والمؤلم، سيواجه الجيش الإسرائيلي السؤال، كما واجهه في خان يونس: إلى مَن يجب أن ننقل المسؤولية؟ إن البقاء الطويل للجيش في رفح هو مسألة غير ممكنة من الناحية القضائية، بسبب معبر رفح، وهو وجود يعني احتلال القطاع. لذا، سيتعين على الجيش الخروج من رفح بأسرع وقت ممكن.

رفح آخر الجبهات. رفح آخر المحطات

  • القضية الأهم والأكثر إلحاحاً هي قضية المخطوفين. ورئيس الحكومة، الذي يصرّ على تحقيق الإنجاز السابق المتمثل في ممارسة الضغط العسكري في مقابل إطلاق المخطوفين، ويجادل نفسه بشأن الأثمان المحتملة، يضلل نفسه، ويضللنا معه. هذا الضغط العسكري لم يعد يفيد منذ أربعة أشهر. وعملياً، لم يتبق لدينا أيّ أوراق ضغط نستخدمها ضد السنوار، أمّا بعد احتلال رفح، فسنستخدم آخر أوراقنا الرابحة. يعرف السنوار جيداً أن نتنياهو هو الذي يمثل بوليصة تأمينه، لأنه غير مستعد لإدخال حركة "فتح"، بدلاً من "حماس". ستخرج إسرائيل من الميدان تحت وطأة الضغط الدولي، وهكذا، فسيظل السنوار وحده هناك ليحكم القطاع، من دون أن يضطر إلى تقديم أي مخطوف لنتنياهو. وحتى لو نجحنا في قتل السنوار بالصدفة، فلن يكون لدينا مَن نتفاوض معه، لأننا لم نأبه لفرض سلطة أُخرى. وعملياً، لن نتمكن من استعادة المخطوفين، إلا بعد إقامة سلطة أُخرى في غزة. إن عيد الفصح هذا، عيد تحرُّر اليهود من العبودية، ليس سوى جرح دامٍ في قلب أمتنا، ولا أعرف كيف يمكننا الاحتفال بالحرية في ظل إخفاقنا في إطلاق سراح جماعتنا الذين يُحتضرون هناك. كل ما نستطيع فعله هو أن نصلي لكي نراهم بيننا عمّا قريب.
  • سيدي رئيس الوزراء: إن جميع تصريحاتك وقراراتك المتعلقة بالحرب، والتي مفادها أننا سنقضي على سلطة "حماس"، لم تحقق حتى الآن أي خطوة على طريق تحقيق الهدف. ها هو الجيش يحقق انتصاراً في جميع المعارك، لكنك تخسر الحرب. لا معنى لعدد "المخربين" الذين سنواصل قتلهم في الميدان، ومتى سنحتل رفح. فالنتيجة النهائية لن تتغير من دون استبدال السلطة هناك: إن "حماس" ستخرج منتصرة.
  • هذا ما يقوله لك وزير الدفاع غالانت، وهذا ما يقوله غانتس، وهذا ما يقوله قادة الجيش، وهذا ما يقوله لك الأميركيون، وهذا ما تقوله لك الدول العربية المعتدلة التي ساعدت إسرائيل على صد الهجوم الإيراني، وهذا ما يقوله كلّ مَن يتحلى بقليل من العقلانية والمسؤولية. وأنت تعرف أكثر من الجميع أن الخيارات المطروحة تتمثل إمّا في "حماس"، وإمّا في "فتح"، ومن دون وجود بديل من "حماس"، فإن الحركة هي التي ستظل تحكم القطاع.
  • رفح ليست سوى امتحانك الشخصي. فالجيش الإسرائيلي قادر على القيام بعمله، وقد أثبت ذلك عندما قام بتفكيك عشرين كتيبة من كتائب "حماس". ولو أصدرت أمرك إلى الجيش باحتلال رفح من دون أن تتخذ قراراً مسبقاً بشأن الجهة التي ستُنقل مسؤولية القطاع إليها، فإن قرارك سيكون متهوراً وغير مسؤول، ومن الواضح للجميع أنه لا مشكلة لديك في أن ندفع الثمن من دم خيرة جنودنا، وفي أن يتحول القطاع إلى مستنقع لبناني آخر نغرق فيه على مدار أعوام طويلة. وهذا يعني استمرار حرب الاستنزاف في مواجهة حزب الله، وترك 80 ألفاً من سكان الشمال لمصائرهم، ليهيموا على وجوههم كلاجئين في وطنهم. إن عدم إنهاء الحرب في غزة يعني تخليد هزيمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
  • يبقى هنا أمر أخير لأقوله: القرار الأميركي، فرض عقوبات على كتيبة "نيتساح يهودا"، هو عار كبير لم نشهد مثله في تاريخ العلاقات مع الولايات المتحدة [الكتيبة المخصصة للمتدينين اليهود، التابعة للواء كفير من سلاح المشاة. والمتهمة بتنفيذ جرائم ضد سكان قرى الضفة الغربية. وقد نشر موقع واللاه الإسرائيلي بتاريخ 20/4/2024 أخباراً مفادها أن وزير الخارجية الأميركي سيقوم بفرض عقوبات على هذه الوحدة، إذ من المرتقب أن تحظر الولايات المتحدة تحويل المساعدات الأميركية إليها، وأن تمنع مشاركة جنود وضباط الوحدة في التدريبات مع الجيش الأميركي]. وهذا القرار يُعلمنا بأن شركاءنا الأميركيين، إلى جانب المساعدات، والتقدير، والالتزام، والإخلاص الذي يقدمونه ويكنونه لنا، يلاحظون مسلكيتنا وعجزنا، وأننا دولة غير قابلة للإصلاح. إن تراخي نتنياهو وغياب حزمه في التعامل مع بن غفير وسموتريتش، اللذين يعرّضان أمن إسرائيل للخطر، يحولان دون اتخاذ القرارات المتعلقة بالحل المطلوب في غزة، ودون استعادة المخطوفين، ويعمّقان غرقنا في الوحل اللبناني، ويؤديان إلى عجز الجيش بأسره، لا كتيبة "نيتساح يهودا" وحدها، عن حماية الاستيطان في الضفة الغربية.
  • في ظل عجز رئيس الحكومة عن اتخاذ قرارات مصيرية، لا فائدة من استمرار بقاء غانتس في الحكومة. إن أهم ما يمكننا فعله من أجل ضمان مستقبلنا هو إجراء الانتخابات الآن. لن نتمكن من الاستمرار في البقاء تحت إمرة رئيس حكومة يتهرب من اتخاذ القرارات المصيرية، وتحت حُكم حكومة تجرنا في اتجاه كارثة وطنية.