رد "حماس" يتيح تحسين الموقف التفاوضي لإسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
- فاجأ إعلان "حماس" موافقتها على شروط وقف إطلاق النار، أو كما يُطلَق عليها في إسرائيل "صفقة المختطفين"، إسرائيل وهي غير جاهزة؛ فقد انشغلت النخب السياسية والأمنية، في الليلة الماضية، بمحاولة إدراك سبب التحول الجذري الذي طرأ على استراتيجيا "حماس"، ففي ظاهر الأمر، توجد 3 إمكانات: الأول، والأكثر إثارة للقلق، يتمثل في أن "حماس" قد تلقت ضمانات فحواها أن القتال لن يتجدد لدى الانتهاء من الصفقة، أي إن وقف إطلاق النار الموقت سيصير دائماً. وقد سارعت إسرائيل أمس إلى توضيح أن هذه الضمانات، لو تم تقديمها، فإنها لم تكن في بال إسرائيل أصلاً، ولن تتحقق في أي حال.
- ومع ذلك، فإنه ينبغي أن نكون قلقين من إمكان قيام الولايات المتحدة (أو أي جهة أُخرى) بالعمل من دون تنسيق مع إسرائيل، أو مصادقة منها؛ إذ من شأن هذا، إن حدث، أن يشير إلى زيادة الشقاق بين الدولتين على خلفية عقْد العزم على الدفع في اتجاه اجتياح رفح، إلى جانب افتراض واشنطن أن من يعرقل الصفقة ليس "حماس" وحدها، بل أيضاً إسرائيل، وهو أمر تم التلميح إليه على مدار الأيام الماضية في عدة أخبار منشورة في وسائل الإعلام الأميركية، عقب الإحاطات التي قدمها نتنياهو يوم السبت الماضي، إذ تم نسْب هذه الأخبار إلى "جهة مسؤولة رفضت التصريح عن اسمها."
- ويتمثل الإمكان الثاني في أن موقف "حماس" يُعد رداً على نداء إسرائيل للمدنيين الموجودين في أحياء شرقي رفح للإخلاء في اتجاه مواقع تجميع اللاجئين قرب البحر، تحضيراً لإمكان شن هجوم عسكري في المنطقة، بحيث يمثل هذا الهجوم بداية خطوة عسكرية أوسع في كل من رفح ومحور فيلاديلفي، ويثير نشاط كهذا قلقاً كبيراً، ليس فقط في الغرب، بل أيضاً في مصر بصورة أساسية، فهي تخشى انتقال مئات الآلاف من اللاجئين إلى أراضيها، وقد قامت بتحذير "حماس" (وإسرائيل أيضاً) من أمر كهذا، ومن المعقول افتراض أنها تمارس ضغوطاً شديدة على التنظيم في محاولة منها لتلافي حدوث نزوح كهذا.
- أمّا الخيار الثالث؛ فهو، طبعاً، أن إعلان "حماس" ليس سوى محاولة للّعب على أعصاب إسرائيل، ولتسخين الجدل الداخلي فيها؛ فمنذ اللحظة التي أعلنت فيها الحركة موافقتها على شروط وقف إطلاق النار، تحول الضغط نحو الحكومة الإسرائيلية لإجبارها هي الأُخرى على الموافقة على الشروط، كما أن عائلات المختطفين قد أوضحت خلال الليلة الماضية أنها ستكثف نضالها في هذا الشأن، ومن المرجح أن تحظى العائلات بدعم شعبي واسع، تأمل "حماس" أن يُترجَم إلى مزيد من التنازلات الإسرائيلية.
النوم في العسل
- تتكون الصفقة المقترحة التي وافقت عليها "حماس" من 3 مراحل؛ الأولى تشمل إطلاق سراح 33 مختطفاً (معظمهم من النساء، والمجندات، والمسنين، والحالات الإنسانية) في مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الأمنيين الفلسطينيين، وعودة سكان شمال القطاع إلى منازلهم، ووقف الحرب لمدة 42 يوماً. كما تشمل المراحل التالية إطلاق سراح باقي المختطفين، بمن فيهم الجثامين، في مقابل إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين الإضافيين، وكما تطلب "حماس"؛ وقفاً تاماً للقتال.
- ترفض إسرائيل، كما سبق أن قلنا، هذا الطلب، لكن موافقة "حماس" على الشروط أمس من شأنه أن يمثل فرصة بالنسبة إلى إسرائيل؛ فالتنظيم ادعى حتى الآن أنه لا يملك معلومات عن جميع المختطفين، والآن يمكن أن يصير في إمكانه أن يبلور صورة أوضح عمّن بقي منهم على قيد الحياة، وحالة كل منهم. وينبغي أن يمثل الوضع الميداني شرطاً أساسياً إسرائيلياً لاستمرار الحوار، ومؤشراً إلى جدية "حماس"، بحيث تكون أكثر تفصيلاً من الإعلان المقتضب الذي نشرته الحركة أمس.
- وعلاوة على ما تقدّم: يجب ألاّ يُنظر إلى إسرائيل بصفتها هي من تُفشل الصفقة، فهذا ليس فقط واجباً تجاه المختطفين الذين تُركوا لمصائرهم، والذين تم إهمالهم على مدار الأيام الـ214 الماضية، بل أيضاً هو أمر يمكن أن يؤدي إلى التورُط مع الوسطاء والدول أُخرى، وهو تورُط من شأنه أن يعرض إنجازات الحرب بالكامل للخطر، ويفرض عزلة على إسرائيل تكون نتائجها دراماتيكية.
- ومع كل ما يُناط من أهمية بالعملية المزمعة في رفح، فإن العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة هي الأهم، ولا بديل لإسرائيل من هذه العلاقات، ومن يَفْتَرِضُ أن في إمكان إسرائيل العمل وتحقيق النصر وحدها في غزة، أو في لبنان، فهو ينام في العسل، فإسرائيل في حاجة إلى الغرب (والدول العربية) إلى جانبها، كي تتمكن من العيش بأمان في المنطقة، كما فعلت على مدار سنواتها الماضية، وكما تطمح إلى العيش في المستقبل أيضاً. صحيح أن المحرقة النازية قد علّمتنا ألاّ نتّكل سوى على أنفسنا، لكن، وكي يُتاح هذا الأمر، فإن المطلوب هو استراتيجيا أكثر تعقيداً من التصريحات الجوفاء التي يطلقها بعض الزعماء هنا.
- وقد جاءنا تذكير بهذه الحقيقة يوم أمس على الحدود الشمالية، عبر الهجوم الفتاك الذي نفذه مقاتلو حزب الله بواسطة المسيّرات الانقضاضية في المطلة، وقد كثف الحزب النار رداً على نيات التحرك في رفح، وهو لن يوقف القتال إلاّ إذا تم وقف إطلاق النار في الجنوب، كما فعل في الصفقة السابقة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وحينها، ستكون لدى إسرائيل فرصة للنظر فيما إذا كان في إمكانها التوصل إلى تسويات تؤدي إلى تهدئة متفق عليها، وهو ما يتيح أيضاً عودة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم، أو فيما إذا كان تحقيق هذا الأمر سيستوجب قتالاً مكثفاً في مواجهة حزب الله.
- إن الحكومة الإسرائيلية، التي تكثر من الهذر الحماسي، لم تُجر حتى الآن ولو مناقشة استراتيجية واحدة تتعلق بأهدافها في الشمال، وهذا إخفاق صارخ، ليس فقط لأنه يمثل إهمالاً لقطاع شامل من إسرائيل، بل أيضاً لأنه يشير إلى أن الحكومة لا هدف لديها، تماماً كما لم يكن لديها هدف فيما يتعلق باليوم التالي في غزة. أمّا "النصر المؤزر"، فهو شعار ممتاز، لكنه لا يعدو عن كونه مجرد كلام.