إسرائيل في ورطة: توازن الرعب الذي لا يستطيع الجيش الإسرائيلي مواجهته
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- قبل 24 عاماً، وقبل أسابيع من انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من المنطقة الأمنية في جنوب لبنان، شهدت الحدود الشمالية حدثاً خاصاً؛ ففي تلك الفترة، كان الجيش الإسرائيلي غارقاً في المستنقع اللبناني، وفي إسرائيل، تصاعد النقاش والانقسام بشأن قضية خروج الجيش الإسرائيلي من لبنان. وقادت منظمة "الأمهات الأربع" معسكراً دعا إلى الخروج الأحادي الجانب من لبنان، وكانت الحجة أنه ليست هناك فائدة أمنية من وجود الجنود الإسرائيليين في المنطقة الأمنية، وأن عمليات هؤلاء الجنود ليست للدفاع عن سكان المستوطنات في الجليل من نيران الصواريخ، إنما هي للدفاع عن أنفسهم ومواقعهم ومحاور تنقُّلهم. وفي المقابل، عارض الخط الصقري الانسحاب، بينما قدّم المستوى العسكري الرفيع المستوى صورة قاتمة بشأن القدرة على تأمين مستوى عالٍ من الأمن للمستوطنات الشمالية إذا تراجع الجيش عن خط الحدود مع لبنان.
- وطوال سنوات، نجح نصر الله في إنشاء معادلة وقواعد قتال في المنطقة الأمنية في لبنان، فعلى سبيل المثال، قرر أن كل هجوم للجيش الإسرائيلي على هدف مدني غير ضالع في القتال في لبنان سيؤدي إلى إطلاق النار على كريات شمونة ومستوطنات الجليل، وفي البداية، جرى إطلاق النار بحسب القواعد التي وضعها نصر الله في اتجاه أراضٍ مفتوحة، وفقط في المرة الثانية والثالثة أُطلقت الصواريخ في اتجاه مناطق مبنية.
- وقد قرر نصر الله، الذي رأى الخلافات الداخلية الإسرائيلية وسمع التصريحات بشأن الخروج القريب من جنوب لبنان، الاستفادة من قوته على الساحة الإقليمية، وفي أحد الأيام، وقبل أسابيع من الانسحاب، أصاب الجيش الإسرائيلي عن طريق الخطأ منزلاً في جنوب لبنان، وكانت الساعة 2:45 بعد الظهر، وكانت كريات شمونة تضج بالحياة، وبينما آلاف الشباب والأطفال كانوا في طريقهم إلى عطلة العيد، وكان السوق يعج بالتجار والمتسوقين، تعرضت المنطقة، من دون تحذير أو تقيد بقواعد "اللعبة" التي وضعها نصر الله بنفسه، لقصف صاروخي أثار الذعر والهلع بين الأمهات والآباء والأولاد. وخلال أيام وأسابيع بعد القصف المفاجئ على البلدة الذي أدى إلى إنهاء السنة الدراسية في المدارس، ظلت شوارع البلدة خالية، وبدت البلدة وكأنها مدينة أشباح.
- لقد نجح نصر الله قبل أسابيع من الانسحاب في تغيير ميزان الرعب بين إسرائيل وحزب الله، ومنذ ذلك الحين، فحص نصر الله أكثر من مرة حدود الردع بين تنظيمه وإسرائيل، عبر عملية خطف الجنود الإسرائيليين في مزارع شبعا، ومهاجمة مواقعهم وغيرها. أمّا حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، فقد غيّرت، بحسب نصر الله نفسه، المعادلة التي حاول المحافظة عليها، إذ اعترف بعد الحرب: "لو كنت أعرف أن هكذا سيكون الرد الإسرائيلي لما قمت بعملية الخطف."
- لقد اختارت إسرائيل منذ حرب لبنان الثانية التصرف بحكمة، واستناداً إلى تقارير أجنبية، فقد تحركت في الشرق الأوسط بعيداً عن الأضواء؛ إذ دمرت مفاعلاً نووياً [المفاعل النووي في سورية في 2007]، من دون أن تتحدث عن ذلك أمام العالم، وهاجمت شحنات السلاح لحزب الله من دون أن تتحمل المسؤولية، وعدد كبير من ضباط حزب الله رحل من الدنيا بصورة غير طبيعية، وكل ذلك لمنْع حزب الله من العودة إلى إنشاء توازُن رعب جديد.
- لكن منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، نجح نصر الله في إحياء حلْم وضْع معادلة قتالية جديدة؛ فقصْف النبطية والبقاع في لبنان سيؤدي إلى قصْف ميرون، وقصْف منزل في النبطية سيؤدي إلى إطلاق 20 إلى 30 صاروخاً على كريات شمونة، أو إطلاق مسيّرة على عرب العرامشة. وفي الأمس، أدى قصْف بعلبك إلى إطلاق مسيّرة متفجرة قاتلة على المطلة.
- إن إسرائيل في ورطة، فبالإضافة إلى الحرب التي لا تنتهي على الحدود الشمالية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، نشأ توازن رعب جديد لا تستطيع إسرائيل التعايش معه ولو لساعة واحدة، وأي حل في الشمال يتطلب من صنّاع القرار في إسرائيل العمل على تفكيك هذا التهديد.