لا نصر ولا مؤزر، ليس الأمر سوى جولة قتالية جديدة في غزة، وهي لن تكون الأخيرة
المصدر
والا

أُطلق في سنة 1995، وهو بالأساس شركة إنترنت إسرائيلية تملكها شركة بيزك للاتصالات الإسرائيلية، ويُعتبر من أشهر المواقع في إسرائيل، ويُصنَّف بين أول 9 مواقع. يوفر الموقع الأخبار على مدار الساعة، والتي يأخذها من صحيفة هآرتس، ومن وكالات الأنباء. وبدءاً من سنة 2006 أصبح لدى الموقع فريق إخباري وتحريري متخصص ينتج مواد وأخباراً، ولديه شبكة للتسوق عبر الإنترنت.

المؤلف
  • لا تزال "حماس" مصرة على إدراج عبارة "إنهاء الحرب" في الاتفاقية التي ستؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين في حوزتها. كما تطالب الحركة، طبعاً، بضمانات دولية بعدم قيام إسرائيل بخرق هذه الاتفاقية. لكن هل سيكون يحيى السنوار ساذجاً إلى الحد الذي يضع ثقته كلها بضمانات كهذه، وكأنها تستطيع منْع إسرائيل من استغلال الفرصة الأولى التي تتاح لها لتصفيته؟
  • إن السنوار، الذي يرى نفسه قائداً للنضال ضد إسرائيل باسم الشعب الفلسطيني بأسره، لا يخدع نفسه عبر الاقتناع بأن مهمة التحرير ستُستكمل خلال حياته، فالهدف الأكبر، وهو القضاء على الدولة اليهودية، سيستغرق تحقيقه سنوات طويلة، ومن هنا جاء الإصرار على دفع إسرائيل إلى التصريح، رغماً عنها، بأن الحرب انتهت، وهذا الطلب نابع من اعتبار استراتيجي وتاريخي إضافي، إذ إن السنوار يسعى لتأسيس فكرة أن المعركة الأخيرة، التي قادها هو، قد انتهت بانتصار "حماس" وهزيمة إسرائيل، في وعي شعبه، وفي وعي العالم بأسره.
  • ونتنياهو يفهم هذا المنطق، ولذا، فهو يعارض بشدة إعلان انتهاء الحرب، لأنه بهذه الصورة سيُخلد في التاريخ إخفاقه المدوي، وسيتذكره الناس بصفته القائد الذي تمت هزيمته هزيمة مذلة، وهو يرفض الاعتراف بالواقع الذي يفهمه السنوار جيداً؛ فلا تزال أمامنا جولات أُخرى من القتال. وهذا مصير الفلسطينيين والإسرائيليين طالما زعماؤهم يسعون لتحقيق "نصر مؤزر" ويرفضون تسوية تستوجب تقسيم أرض إسرائيل. إن نتنياهو، الذي يرفض تسوية كهذه، لن يمكنه، نظراً إلى مزاجه الشخصي، التصالح مع الاستنتاج الوحيد الذي يؤكده عدم وجود هذه التسوية: المزيد والمزيد من جولات القتال. كما أنه غير قادر على الاعتراف بأن جولة القتال هذه، التي يقودها الآن، قد انتهت بإخفاق كارثي.
  • وبناء على ما تقدَّم، ظل نتنياهو متشبثاً بوهم "النصر المؤزر" لأنه يطيل أمد الحرب، ويؤجل فضْحه كزعيم فاشل تمكنت "حماس" من هزيمته، لكن هذا الوهم مصيره التشظي، لسبب بسيط؛ وهو أنه لا يمكن إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بواسطة الحسم العسكري، إنما بواسطة التسوية السياسية. وإن حل الدولتين ليس سوى الضربة القاضية التي ستحط على رأس السنوار ومن هم على شاكلته، ومن دون وجود أفق سياسي موثوق، فإن اندلاع جولة القتال المقبلة ليس سوى مسألة وقت.
  • إن وهم "النصر المطلق" الذي يحصن به نتنياهو الآن كرسيه، ويُبعد إمكانات عودة المختطفين إلى منازلهم، تم التعبير عنه منذ صبيحة 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ فقرار اجتياح غزة هو تعبير عن القرار بأن القضاء على "حماس" أهم من التوصل إلى صفقة لاستعادة المختطفين. وقد تناول رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، هذا التناقض القائم بين الهدفين بصراحة لا يمتاز بها زعماء إسرائيل في هذه الأيام، إذ قال في 14/10/2023: "لا توجد لدينا الآن طريقة كي نجري مفاوضات مع عدو نريد مسح وجوده عن وجه الأرض"، والأصوات التي كانت ترتفع في ذلك الوقت، وتطالب بمنح أولوية لإعادة المختطفين، قد صمتت بصورة تامة. وكانت القيادة الإسرائيلية، العسكرية والسياسية، تتوق إلى مسح وصمة العار الفظيعة التي طُبعت على جبينها، وبهذه الطريقة انغمست في وهم "النصر المؤزر"، وتحت هذا العنوان الرئيسي، توهم كثيرون أن "حماس"، تحت الضغط العسكري، ستقوم بالإفراج عن المختطفين.
  • لقد ساعدت صدمة 7 تشرين الأول/أكتوبر في دفعنا إلى تجاهُل الواقع المرير، لكنها لم تتمكن من تغييره؛ فالحرب الدائرة الآن مع "حماس" لن تنهي المواجهة التاريخية الدموية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وقد عشنا منذ بداية الحرب جولات فتاكة ودموية لم نعش مثلها قبل ذلك، لكن علينا أن نتذكر أن هذه ليست سوى جولة أُخرى ستتبعها جولات غيرها. ولو اعترف زعماء إسرائيل بهذه الحقيقة، لربما كانوا سيضعون مسألة استعادة المختطفين في المقام الأول، ولكانوا أجّلوا جولة القتال إلى موعد آخر. إن افتراض أن الساسة الذين يقودوننا كان من الممكن أن يكونوا منطقيين في مرحلة الصدمة التي تلت 7 تشرين الأول/أكتوبر بصورة خاصة، ليس سوى افتراض ساذج، أمّا الآن، وبعد أن صدمتنا الحقيقة جميعاً، ألم يحن الوقت لنتخلص من وهم "النصر المؤزر" ونعطي خلاص أسرانا الأولوية؟