إنها ليست طريقة تُدار بها حرب - سياسة إخفاء المعلومات المتعمدة التي تمارسها الحكومة
تاريخ المقال
المصدر
- ذكرى الجنود الإسرائيليين القتلى، التي حلّت اليوم، ليست ذكرى عادية، ولا عيد قيام دولة إسرائيل هو عيد عادي هذا العام. عادةً ما يتمثل الهدف من وراء إطلاق الصافرات في هذين اليومين في تذكيرنا بالحزن الشديد الذي نحاول إلقاءه جانباً في حياتنا اليومية. أمّا هذه السنة، فمَن منا قادر على وضع الألم جانباً، ولو لثانية؟ ومَن منا قادر على عدم التفكير في نحو ألفَي عائلة تعيش في دائرة الحداد؛ في جنودنا الذين يخاطرون بحياتهم في هذه اللحظات في المعارك في غزة والشمال؛ في المخطوفين الـ 132 الذين لا يزالون في قبضة "حماس"، وهم جرحى، ومعذبون، ومعلقون بين الحياة والموت. هذه الصافرات التي نسمعها اليوم، تنطلق بصورة مستمرة منذ تاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ولا يمكن إخفاؤها.
- ينبغي للحقيقة أن تقال: الحكومة الإسرائيلية شريكة في الشعور بانعدام اليقين والعجز اللذين نشعر بهما. هذه الحكومة التي لم تضع منذ البداية مسألة استعادة المخطوفين من ضمن أهداف الحرب، ولم تغيّر موقفها إلّا في أعقاب الضغط الشعبي، تتصرف بغموض مقصود، وهي تفضل ترجيح الاعتبارات السياسية الداخلية الضيقة على انتهاج الشجاعة أمام العالم، وعلى حساب التزامها تجاه المواطنين والجنود الذين تركتهم لمصائرهم.
- يميل بعض الأشخاص إلى النسيان، على غرار أوريت ستروك [عضو كنيست يمينية متدينة]: فالأمر لا يقتصر على عشرين، أو ثلاثين شخصاً مخطوفين [بحسب تصريحها الذي أثار ضجة في الإعلام]، بل يتعلق بآلاف الأصدقاء وأبناء الأسر الذين تحطمت حياتهم، كما يتعلق بخرق التعاقد القائم بين الدولة ومواطنيها، وبانتهاك القيمة القائلة إننا لن نترك إسرائيلياً واحداً خلفنا في المعركة وحيداً. فلا نصر، ولا نهضة، من دون استعادة المخطوفين، وترك هؤلاء لمصائرهم سيظل جرحاً غائراً يرافقنا على مدار السنين.
الجمهور الإسرائيلي لا يعرف ما الذي يحدث
- ما يثير تساؤلات كبرى هو إخفاء الحكومة المتعمد للواقع عن مواطني إسرائيل. حتى هذه اللحظة التي يوجد فيها جنودنا في رفح، فإن معلوماتنا عن المفاوضات تأتي من التسريبات والإشاعات. هل نعرف ما هي مطالب "حماس"؟ وهل نعرف ما هو موقف إسرائيل منها؟ هذا أمر من الصعب تحمُّله، لكن يمكننا أن نعلم، من خلال الإخفاء المتواصل للمعلومات، بأن الحرب النفسية التي تمارسها حكومة نتنياهو لا تستهدف "حماس"، بل تستهدف مواطني إسرائيل.
- سبعة أشهر، طُرحت خلالها على طاولة المفاوضات سلسلة من الصفقات، ثم تم إلغاؤها. ماذا تضمنت؟ علامَ كان الخلاف؟ نحن لم نتلقّ قط معلومات شفافة. كل ما تلقيناه كان تسريبات بشأن ما قاله "مصدر مسؤول"، ما هو إلا كناية عن رئيس الحكومة الذي يختبئ خلف المصادر، خوفاً من وقوفه أمام الجمهور. أو ما صرّح به أعضاء مسؤولون في طاقم المفاوضات، أصيبوا بالقنوط في مرحلة ما، نتيجة التأجيلات التي يفرضها عليهم نتنياهو، فاستقالوا، وأخبروا الشعب بما جرى في المفاوضات، بعد إخفاء تفاصيل وجوههم. نحن نعرف أنه لاحت في شهر تشرين الأول/أكتوبر فرصة لصفقة تضمن إطلاق سراح الأطفال والنساء، رفضتها الحكومة: وفي نهاية المطاف، عادت لتقبل الصفقة نفسها بعد شهر. لم تتم محاسبة أحد على اتخاذ القرارات التي أدت إلى تعريض حياة الأطفال للخطر خلال شهر إضافي كامل في الأسر. أمّا الشهادات الواردة من غرف المفاوضات، فنسمع منها أن إسرائيل لم تأبه لاقتراح مبادرات خلاقّة، أو تخصيص جداول زمنية لحركة "حماس"، بل بدلاً من ذلك، ظلت هذه الحكومة متشبثة بالسلبية.
- من الواضح أن المفاوضات مع "حماس" معقدة، وأن الحركة تستخدم المخطوفين كورقة مساومة، وهي "تكذب"، وتمارس حرباً نفسية، وتحاول استغلال أيّ فرصة لرفع أثمان الصفقة. من الواضح أيضاً أنه لا يجب نشر كل ما يجري في غرفة المفاوضات على الملأ. لكن: مرّت سبعة أشهر أخفقت فيها الحكومة في مهمة استعادة المخطوفين. إن سلوكها السرّي والماكر في التعامل مع العائلات ليس تكتيكاً في المفاوضات، بل هو تهرُّب من المسؤولية. فلو كان الشعب يعرف ما الذي جرى حتى الآن في المفاوضات، وما هي المقترحات التي كانت مطروحة، لكانت الصفقة ووقف إطلاق النار قريبَين، ومعهما الانتخابات، والحاجة إلى تحمُّل المسؤولية عن الإخفاق الذي جرى.
- لذلك، تستمر الحكومة في إخفاء الظروف التي أدت إلى تفجير صفقة التبادل في 1 كانون الأول/ديسمبر، والذي حالَ دون إطلاق سراح عدد من المخطوفات كان يمكن أن يكنّ في منازلهن، في مقابل عدد قليل من السجناء غير المتهمين "بقتل" اليهود. يمكن للمرء أن ينفجر من مجرد التفكير في أن بعض هؤلاء النسوة، ربما لم يعد في قيد الحياة.
لا يمكن مناقشة سياسة من دون التعمّق في فهمها
- تخفي الحكومة عنا ملابسات انهيار مفاوضات الصفقة اللاحقة التي كان من المفترض أن تُعقد في الشتاء. وبسبب إخفاء المعلومات هذا، أصبحنا نستقي المعلومات المتعلقة بها من التسريبات حصراً، والتي تفيد بأن الحكومة رفضت التوصل إلى صفقة في مقابل وقف إطلاق النار (لا إنهاء الحرب)، بمعنى: وفق الشروط نفسها التي أصبحنا نحلم بالتوصل إليها الآن. إذا صحّت هذه المعلومات، فإن التسيب والإهمال كانا مقصودَين. فمن يجب عليه أن يتحمل المسؤولية؟
- إن الافتقار إلى الشفافية يساعد حملة نتنياهو أيضاً بشأن تحقيق ظروف مريحة له أكثر بعد إتمام الصفقة. فهو يحاول إقناع الشعب بأن الصفقة تعني أنه لن نتمكن من القيام بأيّ شيء ضد "حماس". وهذا كذب يصل إلى حد القصور العقلي. هل يصدق أحد أن "حماس"، التي يستند وجودها إلى "الإرهاب"، لن تخرق الشروط لاحقاً بما يُلزم إسرائيل العمل بكامل قوتها؟ وهل إسرائيل، التي تمكنت من بناء أحد أقوى جيوش العالم، لن تتمكن من العثور على طريقة إبداعية لكي تواصل العمل في مهمتها من أجل اجتثاث "حماس"، بعد أن يصبح المخطوفون في منازلهم بأمان، وفي الوقت المريح لإسرائيل؟ إن الاجتثاث الكامل لحركة "حماس" يتعلق بتوصل إسرائيل إلى تسوية تتعلق بـ"اليوم التالي للحرب"، والتي تشمل إنشاء هيئة معتدلة قادرة على توفير الحلول المدنية الداخلية لسكان القطاع، محل "حماس". إن صفقة تقودها إسرائيل والولايات المتحدة، قد تكون محفزاً على ذلك. وفي المقابل، إن رفض التوصل إلى صفقة لن يؤدي إلّا إلى موت المخطوفين والجنود وتعاظُم "الإرهاب".
- إن إخفاء المعلومات بشأن صفقة التبادل، ليس سوى جزء من الإهمال المستمر لسكان "غلاف غزة"، والذي بدأ قبل "المجزرة"، واستمر خلالها، وليس سوى جزء من ثقافة غياب تحمُّل المسؤولية عمّا أدى إلى الكارثة. في يوم ذكرى القتلى هذا، نحن نطالب بالشفافية والحقيقة. هذا من حق مَن سقطوا، ومن حق مَن قُتلوا، ومن حق عائلات الأسرى، ومن حق جميع مواطني إسرائيل.