معبر رفح يمكن أن يكون بوابة خروج لإسرائيل من القطاع
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • الأوامر التي وصلت إلى وسائل الإعلام في مصر كانت واضحة - "عدم تضخيم موت الجندي المصري" الذي قُتل في مواجهة مع الجيش بجانب رفح. وفعلاً، الأخبار في وسائل الإعلام الحكومية بشأن الحدث كانت مقتضبة بصورة استثنائية. أحد المواقع غير الحكومية قام بعدّ الكلمات في تلك المواقع بشأن الجندي - من 30 إلى 45 كلمة. حتى إن الجيش المصري لم يوافق على نشر اسم الجندي عبد الله رمضان. وعملياً، تم نشر اسمه للمرة الأولى في حساب على موقع X تابع لمجموعة غير حكومية.
  • خلال جنازته، أول أمس، في قرية العجمين في منطقة الفيوم، لم يحضر ضباط جيش كبار، بل فقط ضابط شرطة محلي وضابط جيش من رتبة متوسطة، كانا يراقبان. وبحسب الأخبار على ذات الموقع X، فإن آلاف الأشخاص شاركوا في الجنازة وهتفوا ضد إسرائيل. وكما هو متوقع، لم يتم نشر أيّ من هذا في وسائل الإعلام المحلية والتلفاز. إلّا إن الأوامر بـ"قتل" الحدث التي صدرت لوسائل الإعلام، لم تستطع تشويش الحدث الصعب. مصادر إسرائيلية كبيرة في الجيش و"الشاباك" وفي الإدارة الأميركية والمستويات السياسية الكبيرة في مصر، أجروا محادثات مكثفة، تخوفاً من أن تتحول مواجهة موضعية إلى حدث سياسي يغيّر الواقع، ويمكن أن يضرّ باتفاق السلام بين إسرائيل ومصر. لجنتا تحقيق، واحدة مصرية والأُخرى إسرائيلية، شُكّلتا فوراً، وتم اتخاذ قرار مشترك بشأن تبادُل نتائج التحقيق.
  • بحسب مصادر إسرائيلية، إسرائيل التزمت العمل على منع تكرار الحادثة، هذا بالإضافة إلى أن واشنطن سترسل وفداً من المسؤولين من مجلس الأمن القومي لبحث الترتيبات التي يمكن أن تسمح بإعادة فتح معبر رفح.
  • أول أمس، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يستطيع أن يسافر بهدوء إلى الصين للمشاركة في جلسة الملتقى العربي - الصيني الذي يُعقد منذ 20 عاماً، وأن يتم استقباله باحترام على يد الحرس العسكري الصيني، وأن يدير محادثات مع الرئيس الصيني، وأن يوقّع يوم الأربعاء سلسلة من الترتيبات والاتفاقيات للتعاون الاقتصادي مع الصين، التي استثمرت في سنة 2023 في مصر أكثر من 14 مليار دولار. وحتى اتفاقيات كامب ديفيد شهدت مساراً خطِراً أيضاً.
  • إلا إن معبر رفح، الذي أغلقه الإسرائيليون بعد سيطرة إسرائيل على الجزء الغزّي منه يوم 7 أيار/مايو، لن يذهب إلى أيّ مكان، وينتظر المواجهة القادمة. العواصف في البحر دفعت إلى تفكك الرصيف العائم الموقت الذي أقامه الجيش الأميركي بتكلفة أكثر من 320 مليون دولار، وهو ما أعاد أهمية المعبر البري. وعلى الرغم من أن الرصيف الموقت بدأ بالعمل يوم 17 أيار/مايو، فإنه لم ينجح في استقبال الكمية المخطط لها عبره - وهذه لم تكن المشكلة الوحيدة، إنما أيضاً تأمين المساعدات في الشاحنات، من الرصيف، وصولاً إلى مخازن الأمم المتحدة، ومن هناك إلى مراكز التوزيع للمدنيين. ففي الأسبوع الماضي مثلاً، كان على الأمم المتحدة أن توقف توزيع المساعدات ليومين، لأن المدنيين والعصابات ورجال "حماس" سيطروا على المساعدات، وهي في طريقها إلى المخازن. حتى تفكّك الرصيف البحري الذي كان يجب أن يستقبل 290 طناً من البضائع يومياً، وحتى 750 طناً في اليوم، عندما يصل إلى ذروة تفعيله - وهو ما يعادل نحو 40 أو 35 شاحنة في اليوم في المجمل - هذا حلّ جزئي، ومن المؤكد أنه لا يكفي لحل إشكالية غزة.
  • إسرائيل والولايات المتحدة ومصر يفهمون جيداً أنه يجب إعادة تفعيل معبر رفح قريباً، وبصورة خاصة بسبب تعمّق القتال في غزة ووجود أكثر من مليون نازح من رفح إلى مواقع ومناطق لا توجد فيها بنى تحتية لاستقبالهم، من دون عيادات فعالة، ومن دون ترتيبات لائقة وآمنة لتوزيع الغذاء والأدوية. الحل الممكن الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع هو إعادة تفعيل "بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة في إدارة معبر رفح" التي تمت إقامتها في سنة 2005، في إطار اتفاقيات المعابر التي وُلدت مع فك الارتباط عن غزة.
  • وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل أشار، يوم الاثنين، إلى أن وزراء خارجية الاتحاد منحوه الضوء الأخضر السياسي لتفعيل القوة الأوروبية مرة أُخرى. إلّا إن بوريل أوضح أن خطوة كهذه يمكن أن تُطبّق فقط مع وقف الحرب، وتكون في إطار تفاهمات مع السلطة الفلسطينية ومصر وإسرائيل - الشركاء في اتفاقيات المعابر الأصلية. وشدد على أنه "لا نية لدينا أن نكون هناك وحدنا، ولا نية لدينا أن نكون الجهة الخارجية التي تؤمن الحدود. نحن لسنا شركة حراسة".
  • وبحسب اتفاق المعابر، فإن مراقبين من الاتحاد الأوروبي يعملون بوظيفة مراقبين، وكان عليهم أن يراقبوا تنفيذ بنود الاتفاق وتدريب موظفي السلطة الفلسطينية على إدارة المعبر، بحسب المعايير الدولية. وعملياً، كانوا ستاراً أمامياً فصل ما بين موظفي السلطة الفلسطينية الذين فعّلوا المعبر من الجانب الغزي، بالتنسيق مع مصر، وبين المراقبة الإسرائيلية التي كانت في معبر "كرم أبو سالم" وتحصل على صورة الوضع في المعبر بشكل مباشر، وكان لديها صلاحية المنع، أو المصادقة على دخول الأشخاص والبضائع.
  • بعد سيطرة "حماس" على غزة في سنة 2007 وطرد موظفي السلطة الفلسطينية، خرج أيضاً المراقبون من الاتحاد الأوروبي، وتوقفت بعثة المساعدة عن العمل. وبعد 10 أعوام فقط - في سنة 2017، وفي إطار اتفاق المصالحة بين "فتح" و"حماس"، بوساطة مصرية، عاد موظفو السلطة إلى العمل في معبر رفح. إسرائيل لم تعارض تفعيل المعبر من جديد، على الرغم من أن هذا جرى بالتعاون مع "حماس" والسلطة الفلسطينية - وأيضاً لم تشترط عودة المراقبين من الاتحاد الأوروبي، استناداً إلى اتفاق المعابر. وفي نظرها، كان تجديد عمل المعبر ضرورياً من أجل التعاون مع مصر، راعية اتفاق المصالحة، والسماح بالنشاط الاقتصادي في القطاع، حتى لو كان الثمن أرباحاً اقتصادية وسياسية لـ"حماس". إلا إنه وخلال أقل من عامين، انهار الاتفاق بين "فتح" و"حماس"، وفي سنة 2019، أمر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس رجاله بالخروج من القطاع.
  • إعادة تفعيل اتفاق المعابر، الآن، هي قصة معقدة أكثر بكثير. منذ أشهر طويلة، تحاول مصر الدفع بإعادة السلطة إلى معبر رفح، والسلطة أيضاً مستعدة، مبدئياً، لإدارة الجانب الغزي من المعبر، بشرط أن يكون لديها الصلاحية لإدارة قطاع غزة كله، في إطار خطوة سياسية واسعة يمكن تأويلها بالمرونة، وتضع الأساس لحل الدولتين.
  • إدارة معبر رفح، بمشاركة فلسطينية ومصرية ودولية، يمكن أن تكون حالة دراسية أولى في المسار الطويل الذي يحرر إسرائيل من السيطرة المدنية في غزة وانجرارها إلى احتلال القطاع بشكل كامل، وهو ما يتضمن مسؤولية مباشرة على حياة السكان في القطاع. لكن حتى الآن، إسرائيل تضع عوائق أمام عودة السلطة الفلسطينية، وذلك من خلال رفضها القاطع للبديهية السياسية، في نظرها، بألّا يكون هناك موطىء قدم لـ"سلطة الإرهاب".
  • لكن حتى الآن، لا يوجد مَن يدير المعبر، ولا يبدو أنه سيكون هناك بديل عربي، أو دولي، أو فلسطيني، غير السلطة أو "حماس". ما دامت إسرائيل تتمسك بهذا الموقف، فلا جدوى من المفاوضات بشأن الترتيبات وإدارة وتأمين تفعيل المعبر. النتيجة هي أن إسرائيل تسيطر على المعبر، وهو معبر أشباح لا يعمل، لأن مصر غير مستعدة للتعاون معها على إدارته، هذا بالإضافة إلى أنها لا تملك أيّ حل، أو خطة لقضية المعبر، على الرغم من أنه من الواضح للجميع أن لا مفرّ من إعادة تفعيل المعبر في الوقت القريب. وهذا من أجل التغلب على الكارثة الإنسانية التي تحولت إلى قضية استراتيجية مركزية تحدد استمرار القتال، ومستقبلاً، لاستقبال سكان القطاع الذين سيتم السماح لهم بالعودة إلى بيوتهم وبدء إعادة الإعمار.
 

المزيد ضمن العدد