محور فيلادلفيا في "أيدينا"، نقطة تحوُّل استراتيجي في حرب غزة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- أخبار جيدة حملها إعلان الجيش الإسرائيلي سيطرته العملانية على محور فيلادلفيا. وخلال عملية السيطرة، جرى العثور على 20 نفقاً يمرّ من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، وبالقرب من المحور، جرى الكشف عن 82 فتحة تحت الأرض، سيجري التحقيق بشأنها في الأيام المقبلة. كما اتضح أن "حماس" نصبت عشرات الصواريخ، جزء منها بعيد المدى، وآخر يتراوح مداه ما بين 10 و40 متراً فقط من المحور، بهدف منع إسرائيل من شنّ هجوم بالقرب من الحدود المصرية.
- يمكن أن يكون هناك مَن يختلف معي، لكن في رأيي، هذا يشكل إنجازاً استراتيجياً مهماً، هو الأول لإسرائيل في هذه الحرب، ومن المؤسف أن المخططين لهذه الحرب لم يحرصوا على تحقيق هذا الهدف منذ بداية المناورة البرية. تشكل السيطرة على المحور تحولاً استراتيجياً في معركة غزة. ويمكن القول، من دون مبالغة، إن محور فيلادلفيا هو "العمق الاستراتيجي"، و"المدينة الملجأ" و"مخزن الغلال" لـ"حماس"، وفي الفترة الأخيرة، هو المرتكز الأساسي لكل ما ندعوه حُكم "حماس" في القطاع.
- احتلال المحور كله، باستثناء جزء بسيط في المنطقة القريبة من الشاطىء، هو عملية مادية ملموسة، لكن سيكون لها على صعيد الوعي تداعيات بعيدة المدى على صمود "حماس" وإدارة الحرب ودور مصر.
- بالنسبة إلى "حماس"، ما دام المحور كان ناشطاً، فإنه شكّل مع المنطقة المحاذية له "عمقاً استراتيجياً" للحركة ومدينة ملجأ. من الواضح لـ"حماس" أن الحرب ستنتهي بإصابتها بكثير من الكدمات، وتقليص وجودها الجغرافي، لكنها ستبقى في قيد الحياة في المنطقة التي لن يدخل إليها الجيش، وإذا نجحت جهودها في وقف الحرب، واستمر تزوّدها بالسلاح من أجل مواصلة الحرب وترميم قواها العسكرية في "اليوم التالي"، فإن هذا سيكون ممكناً. وفي المقابل، إن الجزء الأكبر من السلع المدنية التي تدخل من خلال هذا المحور تصل عن طريق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وهو ما يعطيها الوقت والمجال بشأن الإنفاق لاستكمال مخزون السلاح الذي تملكه "حماس"، وسبق أن رأينا أن المال لا يشكل عائقاً.
- حالياً، الحنفية أغلقت، وهذا يتطلب وقتاً، لكن يمكن رؤية ارتفاع الضغط على "حماس". في البداية بصورة تدريجية، ثم بصورة كبيرة جداً. وسيجري استخدام "اقتصاد سلاح" عنيف في وقت قريب، وقد يكون هذا الأمر قادراً، أكثر من أيّ وسيلة عسكرية أُخرى، على تفكيك "حماس" كنظام حكومي وسلطة، وربما سيعبّد الطريق أمام صفقة مخطوفين جديدة بشروط أفضل.
العلاقة مع مصر
- منذ سنوات طويلة، وبصورة خاصة خلال الحرب، تستخدم مصر 3 قبعات: القبعة الأولى رسمية، دولة حدودية لديها أدوات ضغط رسمية على "حماس" (معبر رفح)، ودولة حليفة لإسرائيل والولايات المتحدة، وتشارك إسرائيل في نظرتها الاستراتيجية الإقليمية، وفي السياسة إزاء غزة.
- قبعة ثانية رسمية، دولة وسيطة "موضوعية"، تساهم في جهود المفاوضات مع "حماس"، وشريكة "طبيعية" في محاولة صوغ "اليوم التالي للحرب".
- قبعة ثالثة غير رسمية، دولة تسمح، تحت أنظار إسرائيل، بالتجارة الكاملة في أنفاق التهريب من أراضيها إلى القطاع، والتي تشكل عملياً "أنبوب الأوكسيجين" لـ"حماس"، ومصدراً أساسياً للسلاح والذخيرة والمواد الممنوعة التي تسمح بإقامة "غزة تحت الأرض". وكانت الذروة في إقامة معبر فوق الأرض، بين مصر وغزة - معبر صلاح الدين الذي يُستخدم لنقل البضائع المصرية إلى القطاع، من دون رقابة إسرائيلية، أو دولية. وكان يعمل إلى جانب معبر رفح المشهور.
- وعلى ما يبدو، إن اقتصاد الأنفاق/البضائع/ والصناعة التي تطورت على الأراضي المصرية، ساهم إلى حد ليس قليلاً، في الهدوء المصطنع الذي سعت له مصر في شبه جزيرة سيناء، من هنا، تتطلب المصلحة المصرية عدم القضاء عليه.
- حالياً، خرق الجيش الإسرائيلي سلوكه الصامت في محور فيلادلفيا، وعاد إلى السيطرة على الجانب الغزّي، وبدأ يكشف علناً كيف كان يعمل المحور طوال سنوات، ومسؤولية مصر عن الجانب الثاني من الحدود، ومساهمتها العملية في تعزيز قوة ومكانة "حماس". وقد يكون هذا هو سبب المعارضة المصرية الصاخبة في الأسابيع الأخيرة للعملية الإسرائيلية في رفح.
وماذا الآن؟
- فيما يتعلق بـ"اليوم التالي للحرب"، فإن السيطرة الإسرائيلية على المحور هي الركيزة الأولى في السعي لنزع سلاح القطاع، وفي القدرة على ترسيخ سيطرة أمنية إسرائيلية في القطاع. وهذه رافعة استراتيجية من الطراز الأول، تضع إسرائيل في مكان مختلف، وتحسّن موقعها في النقاشات التي ستجري بشأن "اليوم التالي"، وكذلك بشأن دور الأطراف المدنية والدولية، وكذلك مصر، الحليفة المهمة لإسرائيل، والطلب منها كدولة مجاورة، ضمن إطار اتفاقات مكتوبة ومدعومة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، امتنعت حتى الآن، لسبب ما، من ذكر اسم مصر في سياق غزة، إغلاق "أنبوب الأوكسيجين" لـ"حماس" الذي يمرّ عبر أراضيها.
- مع ذلك، فإن الجهد العسكري وسيطرة الجيش الإسرائيلي على محور فيلادلفيا لا يكفيان وحدهما، والمطلوب الآن العمل من خلال أدوات موازية ومتكاملة. في البداية، يجب أن نُظهر للولايات المتحدة خصوصاً، ما هو محور فيلادلفيا. وإظهار الأنفاق التي تعبر من مصر إلى القطاع، ومعبر صلاح الدين "الصامت"، وأهمية استمرار السيطرة الإسرائيلية على المحور من الجانب الغزّي في "اليوم التالي للحرب".
- لا شك في أن إغلاق المحور سيحكم على "حماس" بـ"اقتصاد السلاح"، وبمرور الوقت، سيحدّ من قدرتها على الرد بإطلاق النار. وفي هذه المرحلة تحديداً، من الضروري جداً البدء بالقضاء على حُكمها، وتفعيل الجهد المدني في شمال القطاع، وتحمُّل المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية، وعن خلق "فقاعات" إنسانية لا وجود لـ"حماس" فيها.
- إن نقطة التحول الاستراتيجية في هذه الحرب في قطاع غزة هي مهمة للغاية، وستسمح لإسرائيل، للمرة الأولى، بالبدء بتكريس الوقت والانتباه والموارد لمعالجة ساحات أُخرى.