معضلة الشمال ووقت حسم القرار الآخذ في الاقتراب، ما الذي يريده نصر الله، وكيف يجب على إسرائيل أن ترد؟
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- بات الجليل بأكمله مشتعلاً، والجيش الإسرائيلي يغتال قائدَين كبيرين في حزب الله، ويبدو أن معضلة الشمال لم تكن بهذا التعقيد من ذي قبل. في تقرير خاص تم بثه في الجولة الإخبارية الرئيسية يوم الثلاثاء 20/6/2024، حاولنا التوصل إلى فهم ما الذي يريده نصر الله من إسرائيل، ما هو مغزى تبادُل إطلاق النار بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، وهل يُعتبر هذا النوع من الاشتباك "مريحاً للطرفين"، في وقت يشارف على النفاد؟
فرصة لن تتكرر
- لكي نتمكن من فهم الأمور بشكل أفضل، سنعود ثمانية أشهر إلى الوراء، إلى 11/10/2023، بعد أربعة أيام فقط على "الهجوم المباغت" الذي شنّته حركة "حماس"، حين أتيحت لإسرائيل فرصة لن تتكرر: القيام بنشاط وقائي على الحدود الشمالية، كان من شأنه قلب المعادلة رأساً على عقب، وخصوصاً: قلب مركز ثقل العمليات القتالية. لقد أيّدت المنظومة الأمنية برمّتها القيام بمثل هذه العملية، لكن نتنياهو قرر عرقلتها.
- هذا الهجوم الإسرائيلي الذي لم يُنفّذ في نهاية المطاف، على الرغم من الدعم الواسع من المنظومة الأمنية، كان المشروع الأخير الذي طُرح على الطاولة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بما يتيح المجال لنشاط عسكري يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية بصورة شبه مؤكدة تقريباً. "يقول الجنرال احتياط تامير هايمن، مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: "في تقديري الشخصي، أنه لو قمنا بفتح جبهة ضد حزب الله والمحور في بداية الحرب، لاعتبر السنوار الأمر نصراً واضحاً له. فالسنوار كان يجلس في مربضه ويرى كيف أن دولة إسرائيل، على الرغم من وقوع "المجزرة"، تبدّد كافة مواردها في مواجهة المحور الشيعي".
تلميحات حزب الله إلى إسرائيل
- منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تقاتل إسرائيل في جبهة إضافية. وهي تواجه حرب استنزاف، في ظل غياب حسم قيادي، ويُطرح السؤال التالي: هل ستتحول هذه المعركة إلى حرب شاملة؟ ومتى؟ يقول البروفيسور إيال زيسر، وهو مستشرق وباحث في الشؤون اللبنانية والسورية، ونائب رئيس جامعة تل أبيب: "إن حزب الله يلمّح إلينا، ونحن نقوم بإرسال تلميحات إليه في المقابل. لا يستلطف أيّ من الطرفين هذه الفكرة، لكن في إمكانهما التعايش معها".
- تدّعي المقدم أورنا مزراحي، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي، أن وسائل الإعلام الإسرائيلية لا تُظهر بصورة كافية مدى أثر هذه الحرب في الطرف الآخر أيضاً. "على الطرف اللبناني، هناك مشاهد توضح مدى فداحة الخسائر. وبحسب معطيات نشرتها الأمم المتحدة، هناك نحو 93 ألف مهجر من الجنوب اللبناني".
سيناريو الاجتياح والإخلاء
- الوقت ينفد، والخوف يتغلغل وينخر في الجمهور أيضاً. موشيه دافيدوفيتش، رئيس مجلس "ماطيه أشر" الإقليمي، لخّص الأمر بقوله "لو لم يكتفِ حزب الله بإطلاق الصواريخ، ونفّذ عملية اقتحام، فمن المرجّح أنني لم أكن لأجلس أمامكم اليوم". إن سيناريو الاجتياح هذا أدى إلى صدور قرار تهجير سكان الشمال القاطنين بالقرب من الحدود اللبنانية.
- يقول دافيدوفيتش: "في هذا القطاع من خط المواجهة، الذي يمتد مسافة 9 كيلومترات على الحدود، يعيش نحو ربع مليون نسمة، هؤلاء لا يعرفون ليلهم من نهارهم. وأطفالهم يتبولون في فراشهم لدى سماعهم أصوات القصف". من جهتها، أكدت المقدم مزراحي أنه "لو أبقينا السكان في منازلهم هناك، لكانت الحال تدهورت بنا بصورة سريعة جداً إلى نشاطات عسكرية برية على الأراضي اللبنانية".
- لكن الضرر اللاحق بالمواطنين، وانتهاك السيادة الإسرائيلية كان موجوداً حتى قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر. فالردع، كما تعلمنا من دروس الماضي، تآكل بالتدريج على امتداد سنة 2023. ففي آذار/مارس، تمكن "مخرب" من التسلل من الحدود اللبنانية إلى عمق الجليل لكي يزرع عبوة ناسفة في مفترق مجدو، وفي نيسان/أبريل، قامت حركة "حماس" بإطلاق 36 صاروخاً خلال عيد الفصح اليهودي، وفي أيار/مايو، قام حزب الله بإجراء مناورة تحاكي عملية اقتحام وخطف أمام أنظار الجيش الإسرائيلي، وقائمة الانتهاكات أطول من ذلك كثيراً.
ما الذي يريده نصر الله؟
- يقول البروفيسور زيسر "لقد تورط نصر الله في واقع يفرض عليه استمرار القتال، لا يمكنه أن يظهر كمن يترك غزة لمصيرها".
- تضيف المقدم مزراحي "إنه يرغب بشدة في صفقة تبادُل أسرى تؤدي إلى وقف إطلاق النار في الجنوب، بما يمكّنه من التوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار في الشمال. وسيمكّنه دائماً من التبجّح بأنه نجح في ضرب إسرائيل وإثبات قدراته، وأن الجيش الإسرائيلي ليس بالقوة التي نتصورها".
- هذا هو بالذات السياق الذي يدفع الجيش والشاباك والموساد إلى وضعه في الاعتبار: صفقة تبادُل أسرى تؤدي إلى هدوء في قطاع غزة، ويمكنها أن تؤدي إلى إسكات هدير المدافع في الشمال، تماماً وفقاً للمعادلة التي أعلنها نصر الله في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. فإن لم يحدث ذلك، فإن التصعيد على الحدود قد يقود الطرفين إلى حرب، ستكون آثارها أكبر بعدة أضعاف ممّا يحدث لنا الآن في الجنوب.
هل نحن في طريقنا إلى حرب شاملة؟
- لقد تمكّنت إسرائيل من إلحاق أضرار جسيمة بحزب الله، وهي الآن تتحكم فيما نعرّفه باسم "مدرّج التصعيد"، كما ظهر مؤخراً في اغتيال أحد كبار ضباط حزب الله الأسبوع الماضي. لكن حزب الله أيضاً تمكن من تحقيق إنجازات، في نظره: الاستنزاف على الحدود الشمالية، ضرب القواعد العسكرية، إسقاط الطائرات الإسرائيلية المسيّرة، وطبعاً إحراق مناطق كاملة، وضرب المنازل، وتهجير السكان الإسرائيليين لأول مرة منذ قيام الدولة.
- يقول البروفيسور زيسر: "لا أعتقد أن حزب الله يحقق انتصارات كبرى نتيجة هذا الاشتباك، لا في داخل لبنان، ولا على المستوى الإقليمي، بل إنه يضطر إلى دفع أثمان كبيرة نسبياً، في نظره، لكنه تورط في واقع يفرض عليه مواصلة القتال. ولا يمكن للحزب أن يظهر كمن ترك غزة لمصيرها".
حرب أم اتفاقية؟
- خلال الأيام الأخيرة، ازدادت التلميحات إلى مبادرة إسرائيلية قريبة جداً، تهدف إلى تغيير الواقع الأمني في الشمال. توضح المقدم مزراحي قائلة: "من أجل إزالة تهديد حزب الله، هناك حاجة إلى معركة واسعة النطاق وطويلة الأمد. إن حزب الله يمثل تهديداً أكبر لنا، والحرب معه ستكون أكثر تعقيداً، وآثارها أكثر خطورة على جبهتنا الداخلية".
- في المقابل، يقول الجنرال احتياط تامير هايمن إن "الساعة الرملية للشرعية الإسرائيلية فرغت تماماً تقريباً. وإسرائيل اليوم في أقرب نقطة في تاريخها من عزلها دولياً، واحتمالات أن نتلقى دعماً سياسياً يساعدنا على شنّ حرب واسعة النطاق، هي احتمالات محدودة جداً".
- تكثر الآراء، أمّا الأسئلة، فهي أكثر كثيراً: هل يمكن استعادة الهدوء وإعادة السكان إلى مناطق الشمال من دون شنّ حرب؟ هل سينجح الحل السياسي في فرض الهدوء؟ وكم سيستمر أثره؟ هل وقعت إسرائيل مجدداً في فخ الافتراضات الخاطئة، الافتراضات القديمة – الجديدة؟ لقد قام الوسيط عاموس هوكشتاين بعرض خريطة طريق أميركية تتكون من مرحلتين، وتهدف إلى التوصل إلى اتفاقية في الشمال، لكن رؤساء المجالس المحلية في الشمال لا يؤمنون بأن التسوية السياسية وحدها ستحقق الأمان. لأنهم هم بالذات الذين سيضطرون إلى العودة إلى بلداتهم، والنظر من زاوية النافذة نحو الأفق القريب، ليقولوا لأنفسهم: ها قد زال الخطر!