لا سلام ولا أمن لإسرائيل من دون تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • "المذبحة" التي حدثت في 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب التي تلتها يجب أن تشكلا نقطة تحوّل في علاقة إسرائيل بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. مرة أُخرى، نشهد حدود القوة، ونتعلم أن الاعتماد عليها لا يمكن له قط أن يؤمّن الاستقرار والأمن لسكان إسرائيل. من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، يجب التفكير في طبيعة الدولة ودورها في المنطقة: هل نريد الاندماج فيها، ومن خلال تحقيق الرؤية الديمقراطية، والاعتراف بالحقوق الشرعية لجيراننا الفلسطينيين، أم نريد أن نكون دولة عسكرية تعيش على حدّ السيف، وكنبتة غريبة في الشرق الأوسط.
  • نشأت دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد "المحرقة"، وبعد اعتراف دولي واسع النطاق، كانت بدايته مع وعد بلفور ووثيقة الانتداب اللذين نصّا على ضمان وطن قومي للشعب اليهودي في وطنه التاريخي، يشكل "ملاذاً آمناً"، بعد الاضطهاد الذي عاناه جزء من هذا الشعب خلال مئات الأعوام. لقد اعتمد هذا الإعلان على الصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بأرض إسرائيل، وعلى الاعتراف بالحق في تقرير المصير، مثل أيّ شعب آخر.
  • لكن دولة إسرائيل لم تنشأ في أرض خالية. "اليشوف العربي" كان يعيش على أرض فلسطين طوال مئات الأعوام، وله جذوره هناك. ولديه ارتباط تاريخي مستمر بهذا البلد لا يقلّ عن الصلة اليهودية التاريخية بأرض إسرائيل كموطن للأجداد.
  • لدى قيام الانتداب البريطاني في سنة 1922، كان 90% من سكان البلد عرباً، وكانوا يملكون معظم الأراضي الخاصة في فلسطين التاريخية. وعلى الرغم من هذا الواقع، فإن مبدأ "الحق في تقرير المصير لم يُطبّق على فلسطين خلال الانتداب... بسبب السعي لإقامة الوطن القومي اليهودي" (من تقرير لجنة التقسيم في سنة 1947). لو طُبّق هذا المبدأ، لكان منح العرب دولة.
  • فقط في سنة 1947، وبعد نضال استمر ربع قرن، أدرك المجتمع الدولي أن من حق الشعبين الحصول على وطن، كما وصفه جيداً حاييم وايزمان بكلمات "العدالة تتحقق بالعدالة". وصدر قرار الجمعية العامة في 29/11/1947، الذي قضى بتقسيم فلسطين الانتدابية وإقامة دولتين - يهودية وعربية - لديهما اقتصاد موحد (مع بقاء القدس كياناً منفصلاً تحت سيطرة الأمم المتحدة). وكانت مساحة الدولة اليهودية أكبر (55%)، على الرغم من أن عدد السكان العرب كان يبلغ ضُعف السكان اليهود.
  • اليشوف العبري في البلد قبِل خطة التقسيم، بينما رفضتها الزعامة الفلسطينية، وهو ما أدى إلى نشوب حرب "الاستقلال" في سنة 1947. كانت الحرب طويلة، وفي جزئها الثاني، وبعد إعلان دولة إسرائيل، انضمت دول عربية إلى القتال إلى جانب الفلسطينيين. وكانت نتائج هذه الحرب كارثية على اليشوف الفلسطيني (النكبة). جزء منه طُرد، أو هرب خارج حدود فلسطين، والجزء الأكبر بقيَ في نهاية الحرب في أراضٍ واقعة خارج حدود دولة إسرائيل، وتُعرف اليوم بالضفة الغربية (التي جرى ضمّها إلى الأردن)، وفي قطاع غزة (الذي بقي تحت السيطرة المصرية)....
  • بعد حرب "الاستقلال"، اعترفت دول العالم، في معظمها، بإسرائيل، وبخطوط الهدنة في سنة 1949، على أنها حدود الدولة حتى نشوب حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967]. أدت هذه الحرب إلى تغيير جغرافي كبير في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، لقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة. ومنذ ذلك الحين، هي تسيطر على الشعب الفلسطيني في هاتين المنطقتين بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة.
  • ... وعلى الرغم من اعتراف إسرائيل بقرار مجلس الأمن 242 ومبدأ "أراضٍ في مقابل السلام"، فإنها رفضت ذلك، عملياً، وقامت بالاستيطان في شتى أنحاء أرض فلسطين الانتدابية، وما وراءها في شبه جزيرة سيناء، وفي هضبة الجولان. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تظهر تطلعات مسيانية غير أخلاقية وغير واقعية، ترى أنه يجب "إنقاذ" أراضي إسرائيل كلها، على الرغم من أن شعباً آخر يعيش في أقسام كبيرة منها منذ مئات الأعوام، وعلى الرغم من تعارُض هذا الأمر مع القانون الدولي...
  • الانتفاضة الأولى التي نشبت في سنة 1987، أوضحت بصورة جيدة أن السيطرة على شعب آخر محفوفة بالمصاعب، وغير أخلاقية، ولها ثمن لا يُحتمل...
  • هكذا وصلنا إلى اتفاقات أوسلو (1993) ومحادثات أنا بوليس (2008) والأمل بإنهاء النزاع وتحقيق العدالة بين الشعبين من خلال الأخذ بالواقع الناشىء بعد حرب 1948، مع تعديلات طفيفة على حدود 1967، وفي ذلك الوقت، كانت أغلبية الجمهور الإسرائيلي مع هذا الموقف وتؤيده.
  • لكن القوى المتطرفة وسط الشعبين أدت إلى فشل اتفاقات أوسلو. وبعد اغتيال يتسحاق رابين، الذي كان يؤيد هذه الاتفاقات، ومع إنهاء النزاع بين الشعبين لقاء إعادة مناطق، ومع حق تقرير المصير للفلسطينيين في المناطق، وبعد فشل المفاوضات في كامب ديفيد في سنة 2000، نشبت الانتفاضة الثانية، وبدأ الجمهور اليهودي الإسرائيلي بالابتعاد عن فكرة تقسيم البلد إلى دولتين. وتعمّق هذا الابتعاد مع وصول نتنياهو إلى الحكم، الأمر الذي أدى إلى اليأس وسط الجمهور الفلسطيني وتصاعُد "الإرهاب" ضد الإسرائيليين الذي وصل إلى ذروته في "مذبحة" 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
  • اليوم، وبعد 8 أشهر على "مذبحة" 7 تشرين الأول/أكتوبر... اختفت فكرة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير تماماً من الحديث العام وسط الجمهور اليهودي، ولا وجود لها في أيّ مكان وسط القيادة الإسرائيلية الحالية. وهذه النظرة تنطوي على انعدام للمنطق ونظرة لا أخلاقية إلى العلاقات بين الشعبين، وتستخف بمقاومة الشعب الفلسطيني والعالم، وتتجاهل المخاطر الأمنية الحقيقية التي تهدد دولة إسرائيل كدولة ديمقراطية مع أغلبية يهودية.
  • يتطلب هذا الوضع، أكثر من أيّ يوم في الماضي، بلورة حركة شعبية وسط الجمهور اليهودي في داخل إسرائيل والعالم، تعترف بعمق ارتباط الشعب الفلسطيني بهذه المنطقة من البحر إلى النهر، وبحقه الطبيعي والشرعي في تقرير مصيره، وفي الاستقلال، وحقه في دولة ذات سيادة قابلة للحياة في المناطق إلى جانب دولة إسرائيل. بهذه الطريقة فقط، يمكن معالجة الظلم الذي لحِق بالشعب الفلسطيني... بهذا فقط يمكن إصلاح الظلم نتيجة حرمان فلسطين من مبدأ تقرير المصير في سنة 1922، والأثمان التي تكبدها الشعب الفلسطيني جرّاء النكبة في سنة 1948، والاحتلال بعد حرب الأيام الستة. هذا الإصلاح هو فقط يمكن أن ينهي النزاع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، ويؤمّن الأمن الحقيقي لإسرائيل ومواطنيها.
  • ... إن الحركة الشعبية التي ندعو إلى قيامها، يجب أن تقول الأمور بصوت عالٍ وقوي، ويجب أن تحظى بالتأييد من معظم دول العالم الراغبة في حلّ النزاع وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وضمان أمن ووجود إسرائيل.
  • ندعو مواطني إسرائيل، اليهود والعرب، إلى الانضمام إلى هذه الحركة الشعبية، وإلى العمل خارج النشاط البرلماني في إسرائيل، وتبنّي هذه الرؤية وتحقيقها. وندعو الفلسطينيين إلى العمل معاً من أجل تحقيق هذه الرؤية.
  • إن تقسيم أراضي فلسطين الانتدابية، بحيث تحصل إسرائيل على 78% من الأراضي، وفلسطين على 22%، ما زال ممكناً. كما أظهرت المفاوضات في أنابوليس في سنة 2008 وجود حلول عملية ومعقولة لكل القضايا الأساسية للنزاع: الحدود والأمن والقدس واللاجئون وغيرها. المطلوب قيادة شجاعة من الطرفين تتبنى هذه الحلول، وتقود الجمهور إلى الثقة بها وتأييدها، حرصاً على المصالح المشتركة للطرفين...
 

المزيد ضمن العدد