دونالد ترامب أم جو بايدن؟ على إسرائيل أن تحذر من كليهما
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • هذه المواجهة المجنونة بين بايدن وترامب أدخلت الديمقراطيين إلى ثقب أسود لا انفكاك منه، فإذا لم يكن هذا كافياً، فهناك ما يدعو إلى القلق في صفوف الإسرائيليين أيضاً في هذا الشأن في المديَين القصير (أي حتى تشكيل الإدارة المقبلة)، والطويل. ومن هذا المنطلق، فإن رد ترامب الغامض الذي تمثل في كلمة "سنرى"، على سؤال عمّا إذا كان سيعترف بالدولة الفلسطينية، لم يبعث فينا كثيراً من الثقة.
  • لكن المسألة الأكثر إلحاحاً من ناحيتنا، هي تسلُّح إيران النووي المتسارع، والإجراءات الأُخرى التي تقوم بها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وفي هذا الشأن، للوقت أهمية كبرى، فإسرائيل تعمل بطرق دبلوماسية وغير دبلوماسية لوضع الالتزامات الأميركية، بما فيها التزامات بايدن، إزاء عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً، على المحك العملي.
  • هذا سيمثل الرسالة الأساسية في خطاب نتنياهو أمام الكونغرس في نهاية الشهر، وكان غالانت قدّم آراء مشابهة خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، مع التركيز على ضرورة الإسراع في العمل، لأن المعلومات الاستخباراتية تفيد بأن إيران تحولت إلى دولة على عتبة إنتاج القنبلة النووية، في ظل الظروف التي تجد إسرائيل نفسها غارقة في حرب متعددة الجبهات ضد وكلاء إيران، وفي ظل ضبابية الموقف الأميركي، فإن هذا قد يوحي لنظام الملالي في طهران بأنها فرصة من أجل قطع المتر الأخير في السباق نحو التسلح بالقنبلة النووية.
  • لا بد من أن الإيرانيين أيضاً يتساءلون عن مدى جدية الالتزام الأميركي المذكور أعلاه، وسواء استمر بايدن في فترة ولاية ثانية، أم حلّ ترامب مكانه، ليس لدينا إجابات واضحة عن هذه المسألة. كما أن المناقشة الاستراتيجية الشاملة التي تم التخطيط لإجرائها بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بالشأن الإيراني تم إلغاؤها، أو على الأقل تأجيلها، من جانب واشنطن، بذرائع مختلفة، على ما يبدو، من أجل تلافي اتخاذ قرارات، أو إصدار تصريحات مُلزمة في فترة الانتخابات، إذ إن قسماً مهماً من الشعب الأميركي يعارض أيّ خطوات قد تزيد في تدخُّل بلده في النزاعات الدولية، وكذلك بسبب تأثير الأصوات المتصاعدة من اليسار الأميركي التي تنادي بصورة واضحة بتخفيف التوتر القائم مع إيران، وفتح مسار جديد في العلاقات معها. هذه الأصوات لا تعكس بالضرورة موقف بايدن، لكن حقيقة عدم قيامه بفرض عقوبات أكثر صرامةً على إيران، وعدم اتخاذه إجراءات إضافية ضدها، قد تخلق واقعاً لا يختلف كثيراً عمّا تفضله الدوائر المذكورة أعلاه.
  • ومهما يكن من أمر، فإن الموقف التوجيهي لدى إدارة بايدن يتمثل في تجنُّب المواجهة العسكرية مع إيران، بقدر الإمكان، وتلافي تحوُّل الحرب بين إسرائيل والتنظيمات الدائرة في فلك إيران إلى مواجهة إقليمية شاملة. إن موقف بايدن متأثر، عن قصد أو غير قصد، باستنتاج مفاده أن الولايات المتحدة لم تعد تلك القوة العظمى التي يمكنها القيام بما يحلو لها، وعليها ادّخار كل قدراتها العسكرية من أجل صراع محتمل في الشرق الأقصى، لا في الشرق الأوسط. صحيح أن الولايات المتحدة تحذر إيران وحزب الله من توسيع نطاق هجماتهما على إسرائيل، لكن نشر القوات الأميركية في الشرق الأوسط لا يهدف إلى حماية إسرائيل فحسب، بل أيضاً إلى إرسال إشارة إلى طهران، مفادها أن الولايات المتحدة تعتزم التحرك من أجل احتواء الأزمة الراهنة، وضمان عدم اتساع حلقتها النارية.
  • لقد صممت إدارة ترامب السابقة، بعد إلغائها المعاهدة النووية، وعملت على تضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني، وسد معظم قنوات تنفُّسه، التجارية والمالية، وهي سياسة تهدف إلى إحداث انهيار شامل في الاقتصاد الإيراني، لكن هذه الإدارة خسرت الانتخابات، وهذا ما وضع حداً للإجراءات المذكورة. فهل ستتجدد هذه الإجراءات، إذا ما عاد ترامب إلى البيت الأبيض؟ علينا الافتراض أن الإيرانيين قلقون من الأمر، وسيحاولون فرض وقائع على الأرض قبل حدوث ذلك، ليس فقط في الشأن النووي، بل أيضاً من خلال اتخاذ إجراءات ذات تأثير مباشر في الوضع القائم على حدودنا الشمالية. لن يؤدي الأمر إلى القضاء على احتمال التوصل إلى تسوية سياسية هناك فحسب، بل سيؤدي إلى تسخين الجبهات المختلفة أيضاً.
  • يُضاف إلى هذه التكهنات تقويض ترامب الثقة بإدارة بايدن نفسها، خلال المناظرة التلفزيونية، فجميعنا يعلم السمة التي يمتاز بها ترامب، والتي تتمثل في تفجير المفاجآت التي لا تكون سارة أحياناً، فيما يتعلق بسحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط. فهل سيأمر ترامب، إذا ما عاد إلى البيت الأبيض، بسحب آلاف الجنود الأميركيين المنتشرين في الشرق الأوسط (وهي خطوة سياسية بامتياز)؟ وهل سيتخذ موقفاً أكثر صداماً مع إيران، أم أن ميوله الانفصالية ستقوده إلى محاولة التصالح معها، كما فعل في الماضي مع كوريا الشمالية؟ وهل سيقف إلى جانب إسرائيل في الحرب الراهنة والحروب المستقبلية؟ وهل سيواصل الالتزام بمبادرة بايدن بشأن إقامة تحالُف إقليمي بين العالم السنّي وإسرائيل؟ وهل ادعاءاته بشأن قدرته على حل المشاكل من دون الخوض في التفاصيل، ستضعنا أمام مواقف إشكالية؟ وما سيكون موقفه الحقيقي فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية؟ هناك في إسرائيل مَن ينتظر فوز ترامب بفارغ الصبر، معتقداً أن جميع المشاكل الإسرائيلية الأميركية ستُحلّ فور حدوث ذلك.
  • نأمل أن يكون هذا ما سيحدث إذا تم انتخاب ترامب، لكننا لن نتمكن، استناداً إلى تصريحاته خلال المناظرة التلفزيونية وما قبلها، من التوصل إلى استنتاجات مؤكدة وواضحة في هذا الشأن. وعلينا أن نتذكر أنه لا يوجد شيء محسوم في هذا العالم.
  • في المقابل، إن تعاطُف بايدن الصادق مع إسرائيل ليس موضع شك، لكن هناك عناصر مناهضة لإسرائيل، بل معادية للسامية داخل حزبه، قد تحاول التأثير في سياسة الحزب تجاه إسرائيل، وإذا سحب بايدن ترشيحه بنفسه خلال الانتخابات، فلا يوجد ما يضمن أن مَن سيحلّ محله لن يأتي من تلك الدوائر.
  • فعلاً، إنها مرحلة "مثيرة"، بالمعنى الساخر للكلمة.