جرس إنذار: على إسرائيل إنهاء قتالها في غزة بسبب تهديد دراماتيكي آخر
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- هناك أمر ما قد تغيّر. وعلى الرغم من أن الاتجاه الذي نحن ذاهبون إليه لم تتضح تفاصيله بعد، فإن المسار واضح، وتكرر كثيراً إلى درجة أنه لم يعد في إمكاننا تجاهُله. لطالما قلنا، وعلى مدار أعوام طويلة، إن إيران في طريقها إلى امتلاك القنبلة النووية. ولكي تتمكن من المضي قدماً نحو هذا الهدف، عليها ضمان تحقُّق "سلام مصطنع" في محيطها في موازاة تحضير "بوليصة تأمين" رادعة تضمن إحباط أيّ محاولة لتحقيق هذه القدرة، من خلال استخدام التنظيمات الدائرة في فلكها في الإقليم، مع التركيز على حزب الله. كان هذا تقييمنا لسبب إصرار إيران على العمل "خلف الكواليس" على مرّ السنين، إذ نأت بنفسها عن أيّ صلة مباشرة بالنشاطات ضد إسرائيل، واستخدمت وكلاءها لهذا الغرض.
- كان الاعتقاد السائد في 7 أكتوبر وما بعده أن إيران لن تنضم إلى المعركة، وأنها قامت بترسيم خط أحمر سرّي لحزب الله لتلافي حدوث تصعيد أوسع، وذلك أساساً بسبب رغبتها في تجنُّب أيّ تطورات قد تعطل برنامجها النووي. كان هذا التقييم صحيحاً آنذاك. ومع ذلك، فإن سلسلة التطورات اللاحقة باتت تجبر إسرائيل على إعادة النظر في الأمر واعادة فحصه من جديد.
- وضعت إيران حاجزاً ما بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبين قدراتها على المراقبة، وذلك في مواجهة عملية بدأت في بداية الحرب تقريباً، وبالتزامن مع ذلك، شرعت في سباقها نحو تخصيب اليورانيوم - تثير هذه العملية، من ضمن ما تثيره، السؤال عمّا إذا كانت إيران على عِلم بمخطط الهجوم في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أو ما إذا كانت فعلاً شريكة في اتخاذ قرار إطلاقه، لكي تضمن، تحت غطاء الحرب وتشتُّت الانتباه العالمي، حث خطاها نحو تحوُّلها إلى دولة على عتبة النووي.
- في 14 نيسان/أبريل، شنت إيران هجوماً مباشراً على إسرائيل، للمرة الأولى. وساعد تحالُف القوات الإقليمية والتقنيات المتقدمة الدفاعية إسرائيل على صد الهجوم، تقريباً من دون وقوع أيّ ضرر. ومع ذلك، حتى في ذلك الوقت، كان هناك ادعاءات، مفادها أن إيران ربما لم تكن مهتمة بإحداث أضرار كبيرة، وبالتالي فإن الجرأة الإيرانية على شنّ الهجوم تُعتبر النقطة المهمة هنا. بالتالي، يجب علينا اتخاذ سلسلة من الخطوات لكي نثبت لإيران أن إقدامها على الهجوم له ثمن (عسكري/سياسي/ اقتصادي/قانوني، إلخ).
- لقد فوتت إسرائيل (والولايات المتحدة أيضاً) تقريباً جميع الفرص التي وفرها الهجوم الإيراني، وفي الأشهر التي تلته، صار من الواضح لإيران أن مثل هذا الهجوم الكبير وغير المبرر، المنفّذ مباشرة من أراضيها نحو إسرائيل، لم يتم الرد عليه بصورة حازمة، وأن إيران لم تدفع أيّ ثمن في مقابل الهجوم: لا عسكرياً، ولا اقتصادياً، ولا قانونياً، ولا دبلوماسياً.
- هذه الفرصة التي تم تفويتها (سواء بصورة متعمدة، أو نتيجة إخفاق، هي أمر يجب التحقيق فيه)، الآن، بدأت تكلفنا أثماناً باهظة. الحقيقة هي أن المعادلة انقلبت لدى الجانب الآخر، نتيجة عدم استغلالنا الهجوم الإيراني، ونتيجة نجاح إيران في التوصل إلى هدفها النووي (أو على الأقل، تحوُّلها إلى مكان شديد القرب من تحقيقه)؛ لم تعد إيران تخشى التدخل المباشر، والتصريح بذلك علناً. أمّا حزب الله، الذي كان من المفترض أن يهبّ لمساعدة إيران، أو "يتلقى الرصاص"، نيابةً عنها في أيّ سيناريو لمواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، أصبح هو موضع الحماية، وإيران نفسها تتدخل مباشرةً في العمل، وتهبّ للدفاع عن وكيلها الرئيسي في الإقليم.
- لقد انعكس الأمر في البيان الصادر عن الوفد الإيراني الرسمي لدى الأمم المتحدة، الذي حذّر من أنه على الرغم من اعتقاده أن تهديدات إسرائيل بمهاجمة لبنان تقع في سياق الحرب النفسية، فإن حرباً إقليمية واسعة النطاق، تشمل مشاركة جميع جبهات المقاومة، قد باتت مطروحة على الطاولة، في حال شنّت إسرائيل هجوماً عسكرياً واسع النطاق على لبنان. وفي الوقت نفسه، قام مسؤول كبير في الميليشيات الموالية لإيران بإطلاق تهديداته في شبكة بي بي سي، قائلاً أنه سيتم إطلاق صواريخ باليستية ومسيّرات انقضاضية أكثر تطوراً على إسرائيل، بالتنسيق مع مجموعات المقاومة الأُخرى، في حال شنّت إسرائيل هجوماً على لبنان.
- في موازاة ذلك، وربما أهم من ذلك، هناك المسار النووي. إذ بدأت إيران منذ وقت طويل بتبنّي استراتيجيا مختلفة عمّا انتهجته سابقاً. فبدلاً من سياسة "نعم، ولكن" التي مارستها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعواماً طويلة، يبدو أن إيران قررت إبعاد مفتشي الوكالة عن منشآتها النووية، ويبدو الأمر، ولو ظاهرياً، أن إيران تقفز قفزات واسعة نحو التحول إلى دولة على عتبة النووي.
- اعترفت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، رسمياً، هذا الأسبوع (26/6/2024)، بأن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعد لديها إمكان الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية"، في حين أعلنت إيران، رسمياً، قبل أسبوعين (13/6/2024)، أنها قامت بتركيب أجهزة طرد مركزي وتخصيب جديدة في كل من نتانز وفوردو. يبدو أن الأمر يمثل تغييراً كبيراً جداً في الاستراتيجيا الإيرانية: هو الانتقال من خلف الكواليس إلى الواجهة وعدم الخوف من التداعيات الدولية لأفعالها.
- الشرطي العالمي ضعيف في هذه الأيام، ومكانته تواصل الانحدار، يوماً بعد يوم، والعالم أصبح في حالة اضطراب. إذ ينصبّ تركيز الولايات المتحدة على الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر، وبرزت هذا الأسبوع تساؤلات عن مدى ملاءمة بايدن للاستمرار في تولّي منصبه في المكتب البيضاوي فترة إضافية. أمّا في أوروبا، فالوضع ليس أفضل كثيراً في هذا الصدد، والتغيّرات التي تشهدها الخريطة السياسية في أوروبا والتي تنحو نحو اليمين المتطرف، تحدث من خلال انتخابات مليئة بالعنف تركز معظم انتباه أوروبا على القضايا الداخلية. إن صورة هذا الوضع، إلى جانب التغيير في الاستراتيجيا الإيرانية، لا تمثل بشرى خير لإسرائيل.
- بناءً عليه، يبدو أن على إسرائيل التخفيف من انشغالها بقائمة طويلة من القضايا، وإعادة تركيز اهتمامها الأساسي على إيران. وإذا ما تطلّب الأمر، يجب على إسرائيل، بدافع الضرورة، أن تملأ هذا الفراغ- بصفتها "شرطي العالم" المناوب. ولكي تتمكن من القيام بذلك، عليها الإسراع في إنهاء العمل العسكري في قطاع غزة (والبدء بمعالجة المسائل المتعلقة بقدرات حماس السلطوية)، لعل هذا يضمن الهدوء اللازم على الجبهة الشمالية أيضاً، من أجل البدء بمعالجة استراتيجية للمسألة الإيرانية.
- إذا أصرّ الرئيس بايدن على ترشيح نفسه للرئاسة، نعتقد أنه يجب على إسرائيل تسخير الولايات المتحدة لمعالجة التهديد الإيراني الخارجي في إطار الحملة الانتخابية للإدارة الحالية، وربما اغتنام فرصة توقيت استراتيجي فريد في نوعه لحلّ مسألة التهديد الإيراني في الدقيقة الأخيرة، قبل أن تمتلك إيران قدرات نووية معلنة، في الوقت الذي تزداد احتمالات استغلال إيران للفترة السابقة للانتخابات الأميركية (بل حتى تلك التي تسبق تولّي الرئيس منصبه في كانون الثاني/يناير) من أجل تحقيق اختراق أهم في سباقها النووي.
- وفي أيّ حال، يشير التغيير في الاستراتيجيا الإيرانية بصورة كبيرة إلى أن استمرار الحرب الحالية التي تشنّها إسرائيل، بهذه الصورة، لا تعمل سوى على تقوية إيران، وتمهيد الطريق لها لتحقيق مصالحها. ومع اقتراب نهاية القتال في رفح، فإننا نوصي بإعادة النظر في المسار.