الطريقة التي يتبعها نتنياهو لإحباط التوصل إلى صفقة تبادُل
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • إن التوصل إلى صفقة تبادُل أسرى الآن، هو أعظم إنجاز يمكن لإسرائيل أن تحققه في هذه الحرب المستمرة، التي على الرغم من أنها أدت إلى تفكُّك "حماس" عسكرياً، فإنها ستجعلنا نصلح الخطأ الكبير الذي ارتُكب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أي استعادة جميع المختطفين.
  • ما من أمر أكثر أخلاقيةً، وأكثر قيمةً، وأكثر وطنيةً، من إعادة جميع الذين فشلت دولة إسرائيل وجيشها في حمايتهم، وهم النساء والأطفال والمسنين الذين قُتلوا واختُطفوا من منازلهم، بسبب اعتمادهم على الحماية التي يوفرها الجيش الإسرائيلي. الآن، يعتمد هؤلاء على الدولة، التي يُعتبر إنقاذ مواطنيها إحدى أهم قيمها التاريخية. وإلى جانب هؤلاء، فإن عائلات الجنود والجنديات، التي أرسلت أبناءها وبناتها لخدمة الدولة، بانتظار أن تكون الدولة منصفة وتؤدي واجبها وتعيدهم إلى منازلهم.
  • إن نجاحنا في احتلال القطاع وإتمامنا مسألة تفكيك الأذرع العسكرية لحركة "حماس"، هما فرصة جيدة لنا لوقف الحرب واستعادة الأسرى، بعد نجاحنا في تحقيق الإنجاز الكبير المتمثل في تفكيك "حماس". وهذه اللحظة الراهنة تُعد اللحظة المناسبة لكي نتجنب استمرار تموضعنا في غزة والنزيف فيها من خلال العمليات العسكرية المتكررة التي نحاول بصورة غير ناجعة الحؤول دون تجدد "حماس"، بعد كل مرة ننجح في تفكيكها فيها، أقول ذلك، في ظل امتناع الحكومة من اتخاذ القرار السياسي المطلوب من أجل استبدال حُكم "حماس" في غزة.
  • التوصل إلى صفقة الآن، يمكن أن يشكل أيضاً فرصة لوقف إطلاق النار على حدودنا الشمالية، ويجنبنا الانزلاق نحو حرب إقليمية شاملة. اتفاقية تتيح لنا إعادة سكان البلدات الشمالية إلى منازلهم. بل إن إسرائيل، لو نجحت في الأمر، سيكون في إمكانها، أخيراً، أن تبدأ بالتعافي بعد هذه الحرب الطاحنة التي خاضتها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
  • إن التوصل إلى صفقة الآن، هو بمثابة خطوة حاسمة وأخيرة ومهمة فيما يتعلق بمصائر 120 مختطفاً، وعائلاتهم، وهي خطوة أخلاقية تجاه المقاتلين الذين قاتلوا وسقطوا ببطولة من أجل تحقيق هدف إعادة المختطفين إلى منازلهم.

منظومة الإحباط التي يتبعها نتنياهو

  • العقبة الأكبر كامنة في نتنياهو، تحديداً، الذي يبدو أنه يُساق إلى عقد صفقة، رغماً عنه، لا بدافع شعوره بالمسؤولية عن مصير مواطنيه. إن إعلان نتنياهو شروطه ليس سوى تمهيد لإفشال الصفقة، وإلّا، فلماذا يقوم بنشر شروطه عشية المفاوضات؟ وأساساً، لماذا أدخل شروطاً جديدة لا علاقة لها بالصفقة، وما هدفها، إن لم يكن إحباط الصفقة؟ يبدو أن ما يحرك نتنياهو ليست الأخلاقيات القيادية الصائبة، بل مصلحته السياسية والداخلية، فهو يحاول إفشال الصفقة من أجل ضمان بقائه على كرسي الحكم وترك المختطفين لمصائرهم.
  • إن خنوع نتنياهو أمام الوزيرَين المتطرفَين، الشريرَين، عديمَي الإحساس والواهمَين، واللذين يهددان بإسقاط حكومته بصورة انتهازية، إذا ما توصل إلى صفقة، يجعل رئيس وزراء إسرائيل، صاحب المنصب التاريخي، الزعيم الذي من المفترض أن يمثل دور الأب لشعب إسرائيل، الرجل المسؤول عن مصائر جميع مواطني إسرائيل، ينحدر إلى مستوى الإفلاس الأخلاقي، والانحدار الكامل. فهذا الرجل يعمل على إفشال الصفقة من دون أيّ خجل، على الرغم من أنه فشل في حمايتهم ومنع اختطافهم في المقام الأول. إن رئيس الحكومة الذي لا يشعر بالمسؤولية تجاه مواطنيه، لا يحق له قيادة شعبه، ولو لحظة واحدة.
  • ليعلم كل مواطن أن رئيس الحكومة الإسرائيلي غير معنيّ بإنهاء الحرب، لدوافعه الخاصة فقط. وليعلم كل مواطن بأن شعار "النصر المؤزر" ليس سوى خديعة. إنه شعار فارغ من مضمونه، وهدفه يتمثل في خدمة مصالح هذا الرجل، عبر إطالة أمد الحرب لضمان بقائه في الحكم. وعلى الرغم من أن أغلبية الشعب في إسرائيل لا تصدق هذا الشعار، بحق، فإن نتنياهو مصرّ على هدفه في التشبث ببقائه على عرشه، عبر إطالة أمد الحرب. بهذه الطريقة، يضمن الرجل استمرار دعم كلٍّ من بن غفير وسموتريتش، اللذين يريان في احتلال قطاع غزة تحقيقاً لحلمهما، من دون أن يشعرا بأدنى ذرة من الخجل، أو يتحليا بأقل حد من المسؤولية الوطنية، لدى سعيهما لتحويل هدف الحرب "الدفاعية العادلة"، التي تهدف إلى تفكيك "حماس"، وتبديل حكمها، واستعادة المختطفين، إلى حرب هدفها احتلال وضم قطاع غزة، وإعادة الاستيطان إلى المنطقة. هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يقوم فيها رئيس حكومة، خلال الحرب، بتغيير أهدافها المحددة مسبقاً. فمن أجل تحقيق هذه الأهداف، قُتل جنود، وتجنّد الشعب خلفها في إجماع وطني تام. هذه هي الأهداف التي تشكل وثيقة التوافق الوطني والتعبئة الشعبية من أجل القتال.
  • إن انتهازية سموتريتش وبن غفير، المتمثلة في سعيهما لاحتلال كامل أرض إسرائيل، وأيديولوجيتهما الفاشية القمعية، لا ترى مشكلة في ضم مليونين ونصف من الفلسطينيين المعادين. وها هما الآن يفرضان أهدافهما الجديدة على نتنياهو، الذي صار بقاؤه في الحكم متعلقاً بهما. إن ضعف نتنياهو باهظ جداً، ولا حد له، ودولة إسرائيل ستضطر إلى دفع أيّ ثمن يتطلبه بقاء هذا الرجل في الحكم.
  • بالنسبة إلى دولة إسرائيل، إن استمرارها في القتال ثمانية أشهر إضافية إلى أن يحلّ "عهد ترامب"، يشبه استمرارها في السير نحو الهاوية. يمكن أن تتهشم إسرائيل في هذه الأشهر الثمانية، المرة تلو الأُخرى، في ظل التصعيد الأمني الذي يشعل الأرض تحت أقدامنا. أمّا نتنياهو، فهو يعتزم تفويت إصدار أيّ قرار حاسم وضروري، في سعيه للوصول إلى عهد ترامب الموعود. هذا الهذيان سيكلفنا حياة الدولة.

الرجل المنفصل تماماً عن الواقع

  • يتهرب نتنياهو من اتخاذ أربعة قرارات استراتيجية: القرار المطلوب بشأن استعادة المختطفين والسعي لعقد صفقة الآن، والقرار السياسي المتعلق بـ "اليوم التالي للحرب"، والذي يحدد أهدافنا بعد انتهاء الحرب، وما الذي نفعله بالقطاع، ومَن يحكمه، هذا السؤال مرتبط بإنجاز صفقة التبادل. والقرار الثالث بشأن ما الذي يجب علينا فعله في مواجهة حزب الله في الجبهة الشمالية، في الوقت الذي أصبح الجليل بأكمله مهجوراً ومحترقاً، وباتت إسرائيل تخوض قتالاً هناك على مدار تسعة أشهر من دون أيّ حسم، أو قرار، أو توجّه. أمّا القرار الرابع، فيتعلق بقانون التجنيد، إذ يحتاج الجيش الإسرائيلي، الآن، إلى عشرة آلاف جندي، وبات من الواجب على الحريديم أن يتجندوا.
  • في ظل هذا كله، هناك الآلاف من القرارات الأُخرى التي لم تُتخذ فيما يتعلق بشمال الضفة الذي يحترق، ومكانة إسرائيل الدولية المتدهورة بشكل خطِر، والحالة الاقتصادية، والمهجرين، والإخفاق في إدارة شؤون البلد.
  • إن القاسم المشترك لعدم اتخاذ القرارات من جانب رئيس الحكومة، هو أن المصلحة الشخصية والسياسية الضيقة لنتنياهو منفصلة تماماً عن حاجات البلد في الواقع. وعلى الرغم من جميع محاولاته المحترفة في التلاعب والتهرب من اتخاذ القرارات، فإن وزير الدفاع، الرجل الوحيد الذي يتمتع بالمسؤولية، يضع اتخاذ القرارات المطلوبة نصب عينيه، في حين لا يتوانى نتنياهو عن مهاجمته من دون أدنى ذرة من الشعور بالخجل. إسرائيل محظوظة جداً لأن غالانت لا يخاف من نتنياهو، ولأنه ملتزم القيام بدوره، رغماً عن نتنياهو، وهو ما لا يمكن قوله عن الوزراء الآخرين في حكومة الدمى التي يقودها نتنياهو.
  • إن الوضع الذي ينأى فيه نتنياهو بنفسه عمّا يحدث، وإصراره على المماطلة لدى اتخاذ أيّ قرار، لا يخدم هدف إطالة الحرب، هو وضع يثير القلق الشديد. ونتنياهو الآن في طريقه إلى دفن بايدن، بواسطة خطابه الذي سيلقيه أمام الكونغرس. ربما تخفف دعوته إلى زيارة البيت الأبيض قليلاً من وطأة الخطر من فقدان إسرائيل صديقتها الوحيدة الكبيرة، لتواجه مصيرها وحدها، في ظل غياب قوة الردع، وفي ظل مشاكل توريد حقيقية، ومن دون ظهير يُعتمد عليه في الساحة الدولية.
  • نقطة أُخرى: لا يبدو أن الصباحات الفظيعة التي تبدأ بإعلان الناطق بلسان الجيش أسماء مزيد ومزيد من الجنود الذين يسقطون في قطاع غزة، تؤثر في أيٍّ من الوزراء، أو نتنياهو، أو أعضاء حكومته. هؤلاء يتجنبون النظر في عيون العائلات الثكلى، ولا يحضرون الجنازات، أو خيام العزاء، وهؤلاء لا يأبهون أيضاً لرجال الاحتياط الذين باتوا على حافة الانهيار، ولا يهتمون بواقع الحياة اليومية المتردي في إسرائيل.
  • ونظراً إلى أن صفقة التبادل ستقرّب نهاية الحرب، فإن نتنياهو سيقوم بكل ما في وسعه من أجل تأجيلها، ثم يتخذ خطوته الثانية التي تتمثل في إفشال مشاريع الصفقات. وفي أفضل الحالات، سيقوم بتفجير الصفقات بعد انتهاء المرحلة الإنسانية، لا توجد أيّ جهة في المنظومة الأمنية تصدق أن نتنياهو سيعقد الصفقة.
  • يجب أن يكون واضحاً للجميع أن هذه الفرصة هي بالتأكيد الأُخيرة لاستعادة المختطفين. إن إفشال الصفقة يعني حكماً بالإعدام على 120 مختطفاً، هذا يعني رون أراد مضروباً بالرقم 120. إن الإخفاق ووصمة العار الأخلاقية التي سنحملها على جباهنا أجيالاً عديدة، ستحطم كل إرثنا وفخرنا كدولة...
  • إن الأسطورة الأمنية التي اندفعنا إلى التطوع والقتال تحت رايتها على مدى أجيال، من أجل حماية الحدود وحماية كل مواطن، معرّضة الآن للاختبار، من خلال اختبار ضمان عودة المواطنين الذين أخفقنا في حمايتهم. يقبع هؤلاء على بُعد بضعة كيلومترات عن منازلهم، وعلى بُعد مئات الأمتار عن جنود الجيش الإسرائيلي، ولدينا الآن الإمكان والقدرة على ضمان عودتهم إلى منازلهم، فإذا كان رئيس الوزراء غير قادر على تحقيق ذلك، أو غير راغب فيه، فعليه أن يسلّم المفاتيح، ويرحل.