سموتريتش أنهى ضمّ الضفة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- قبل عدة أيام، اكتمل الانقلاب الدستوري. قلائل يعلمون بذلك، لكن حكومة بن غفير - سموتريتش - نتنياهو تآمرت للقيام بانقلابين دستوريَّين، واحد في إسرائيل، والثاني في الضفة الغربية.
- الهدف من الأول كان القضاء على الفصل بين السلطات، وعلى استقلالية المنظومة القضائية، وإنشاء نظام استبدادي في إسرائيل؛ والثاني السعي لضمّ الضفة الغربية وفرض التفوق اليهودي فيها. من أجل منع الانقلاب الأول، خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع. لكن لم يتظاهر أحد من أجل منع الثاني، فبمَ يضرّ القليل من التفوق اليهودي؟
- يجري الانقلاب الدستوري في الضفة بناءً على الالتزامات التي قدمها بنيامين نتنياهو لبتسلئيل سموتريتش في الاتفاق الائتلافي، وأساساً، فيما يتعلق بنقل الصلاحيات الرسمية في الضفة، باستثناء تلك المتعلقة بالأمن، من الجيش إلى الجهاز الذي يترأسه سموتريتش. وهذا ما جرى في نهاية أيار/مايو. بهدوء، ومن دون احتفالات وبيانات، وقّع قائد المنطقة الوسطى يهودا فوكس أمراً، استحدث فيه وظيفة جديدة في الإدارة المدنية، هي "نائب رئيس الإدارة المدنية للشؤون المدنية"، ووقّع رئيس الإدارة المدنية تفويض نقل صلاحياته إلى نائبه.
- لكن هذا "النائب" هو مواطن يعيّنه سموتريتش، وهو ليس نائباً البتة لرئيس الإدارة المدنية، لأنه ليس تابعاً له، ولا يأخذ منه الموافقة على عمله، ولا يستشيره، ولا يقدم له التقارير. هو تابع لسموتريتش. الأمر وكتاب التفويض نقلا معظم صلاحيات رئيس الإدارة إلى نائبه. وهذا يشمل إدارة الأراضي في الضفة، والتخطيط والبناء، والمراقبة ومنع البناء غير القانوني، ومراقبة وإدارة السلطات المحلية، وإصدار التراخيص المهنية، والتجارة والاقتصاد، وإدارة المحميات الطبيعية والمواقع الأثرية. لقد أفرغ سموتريتش رئيس الإدارة المدنية من صلاحياته، ونقل السلطة في الضفة، نظرياً وعملياً، من الجيش إليه شخصياً، عبر النائب الذي عيّنه.
- ... إن نقل الصلاحيات من ضابط تابع لقيادة قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة إلى مواطن مدني تابع لبؤرة أقامها سموتريتش في وزارة الدفاع، له أهمية تتخطى كثيراً دورة العمل وأنظمته. فالمقصود انقلاب دراماتيكي في نظام حُكم الأراضي المحتلة وتحوُّلها من أراضٍ يديرها حُكم عسكري، وفق القانون الدولي، الذي يحرص على مصلحة السكان الخاضعين للاحتلال، إلى أراضٍ يديرها بصورة مباشرة موظفون حكوميون وممثلون للجمهور الإسرائيلي، هذا الحُكم ولاؤه الوحيد هو للمواطنين الإسرائيليين عموماً، والمواطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في المناطق المحتلة. ومن أجل فهم حجم التغيير، يجب أن نفهم ما الذي يطالب به القانون الدولي عندما فرض أن يتولى إدارة المناطق المحتلة حاكم عسكري.
- ينظّم القانون الدولي وضع الاحتلال، بصفته إدارة موقتة للأراضي من طرف قوة الاحتلال، ويمنع منعاً باتاً الضم من طرف واحد. وهذا ليس مجرد حظر، بل قاعدة مركزية، الهدف منها منع استخدام القوة، إلّا من أجل الدفاع عن النفس. وإذا كان من الواضح أنه لا يمكن تحقيق السيادة بواسطة القوة، فستقلّ الحوافز على الحروب. المقصود هنا مبدأ، هو جزء أساسي من نظام عالمي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وجوهره منع الحروب. والهدف من القانون الذي يدعو إلى إدارة أراضٍ محتلة من جانب حكم عسكري، وليس مباشرة من حكومة الاحتلال، هو وضع حاجز معيّن بين مواطني دولة الاحتلال، وبين السلطة في الأراضي المحتلة.
- يستند هذا الترتيب إلى الفهم أن الجيش أقل التزاماً بالاعتبارات السياسية من وزارات حكومة منتخبة وملزمة بها. إن نقل صلاحيات الحاكم العسكري إلى موظفين من حكومة الاحتلال ونوابها يخلق سيطرة مباشرة لمواطني دولة الاحتلال على الأراضي المحتلة، وعملياً، يوسع الخطوط السيادية إلى داخل المناطق المحتلة، أي الضم. وهذا ما نجح سموتريتش فيه. لقد أبعد الجيش تماماً عن عملية اتخاذ القرارات بشأن كل ما ليس له علاقة مباشرة بالأمن في الضفة الغربية، وعملياً، بدأ بتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة.
- وسيكون لذلك تداعيات كارثية على حقوق الفلسطينيين. فالقيود القليلة التي فرضها الجيش لمنع نهب أراضي الفلسطينيين وإيذائهم ستزول الآن. عناصر "رغافيم" [كيبوتس في شمال إسرائيل، بالقرب من أم الفحم] من منتدى كهالا وجمعية " هانانو" [تقدم المشورة القانونية للمستوطنين] الذين عيّنهم سموتريتش في مناصب مستشارين قانونيين، سيزيلون الكوابح القليلة، وسيهاجمون الفلسطينيين، ويمعنون فيهم تمزيقاً، وهذا ما حدث سابقاً. وسيجري بناء مستوطنات جديدة وأحياء جديدة بوتيرة لم نشهدها من ذي قبل، وسيحصل إسرائيليون عنيفون على مزيد من الميزانيات، وعلى عشرات آلاف الدونمات، من أجل إقامة مزارع، وسيُهدم البناء غير القانوني للفلسطينيين بوتيرة مخيفة، بينما سيجري تشريع البناء غير القانوني للمستوطنين. إنه الأبارتهايد الوقح، والأبارتهايد كخطة عمل.
- والمثير للخجل أن أحداً لم يقف ويعارض. لا في إسرائيل، ولا في العالم. العالم الذي فرض عقوبات هائلة على روسيا عندما ضمّت شبه جزيرة القرم والأراضي التي احتلتها بعد غزوها أوكرانيا، يصمت ولا يقول شيئاً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. وفعلاً، يطبّق العالم على إسرائيل معايير مختلفة، وبعكس تفاهات الدعاية الإسرائيلية، فإن العالم يميز لمصلحتها، ويعفيها من المساءلة. الأمر الوحيد الذي يقوله مجرمو الضم لأنفسهم الآن هو: لماذا انتظرنا 57 عاماً؟ هذا سهل جداً.