إذا أرادت إسرائيل أن تثبت أنها لم تقع في حب الاغتيالات، فعليها استغلال نتائجها
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • خلال فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز السبع ساعات، أظهر المجمّع الاستخباراتي والجيش الإسرائيليان قدراتهما العملياتية المذهلة. فمساء الثلاثاء، أصاب صاروخ دقيق، تم إطلاقه من مقاتلة تابعة لسلاح الجو، مبنى في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله في بيروت، حيث كان يتواجد فؤاد شُكر. ووفقاً لتقارير لبنانية، قُتلت في ذلك الهجوم أيضاً امرأة وطفلان [أعلنت السلطات اللبنانية عن استشهاد سبعة أشخاص وإصابة 74 آخرين].
  • كان شُكر قائداً بارزاً في الجهاز العسكري لحزب الله، إذ وصفته الاستخبارات الإسرائيلية بأنه "رئيس هيئة أركان" الحزب، كما كان اليد العسكرية اليمنى لزعيم الحزب حسن نصر الله.
  • بعد سبع ساعات، في الساعة الثانية من فجر الأربعاء، وفي عملية أكثر جرأةً وخطورةً، قُتل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في شقة في وسط طهران، حيث كان مع حارسه الشخصي، وذلك أيضاً بواسطة صاروخ دقيق. وصل هنية إلى العاصمة الإيرانية للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الجديد. يمكن الافتراض أنه لو كان قد استُضيف في فندق، لما تمت عملية الاغتيال، خشية إصابة ضيوف آخرين.
  • صرّح كلٌّ من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الموساد، في بداية الحملة على غزة، بأنهم لن يترددوا في اغتيال قادة "حماس" في أي مكان في العالم، بما فيها قطر.
  • من وجهة نظر العديد من الإسرائيليين، بمن فيهم سياسيون من اليسار واليمين، من الائتلاف والمعارضة، ومن وجهة نظر المؤسسة الأمنية كان شُكر وهنية يستحقان مصيرهما. إذ كانا يُعتبران، بما يوصف بلغة الإسرائيليين، بأنهم "منذورون للموت". وفعلاً، كانا مسؤولَين عن مقتل آلاف الإسرائيليين. (وعن مقتل مواطنين أميركيين، في حالة شُكر): إذ عرضت الولايات المتحدة، قبل سنوات، جائزة مالية قدرها خمسة ملايين دولار في مقابل الإدلاء بمعلومات عن شُكر، بسبب تورّطه في مقتل أكثر من 250 جندياً من مشاة البحرية في قاعدة المارينز في بيروت سنة 1983، عندما كان شُكر مع عماد مغنية في بداياتهما في حزب الله.
  • الفرق البارز بين العمليتين هو أن إسرائيل اعترفت باغتيال شُكر، بفخر ومسؤولية، بينما التزمت الصمت المدوّي بشأن هنية، الذي قُتل بعض أبنائه وأفراد عائلته في عمليات للجيش الإسرائيلي في غزة.
  • هذا الصمت مفهوم جيداً. فاغتيال هنية، بعد وصوله إلى حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد يُعتبر إهانة للشرف الوطني للدولة المضيفة، وانتهاكاً لسيادتها، وضربة قاسية لقائدها الأعلى، الذي رأى في السنوات الأخيرة هنية صديقاً وحليفاً رئيسياً في "محور المقاومة" ضد إسرائيل.

حرب من دون تاريخ انتهاء صلاحية

  • هناك إسرائيليون، وبصورة خاصة في حكومة اليمين المتطرف التي يقودها بنيامين نتنياهو وأنصاره، يرَون أن هاتين العمليتين تعيدان إلى إسرائيل قوة ردعها وتجدّد ثقتها بنفسها، التي تأثرت كثيراً بالأحداث الكارثية والمأساوية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
  • فعلاً، تضمن هاتان العمليتان توفير قليل من الراحة والفخر للجمهور الإسرائيلي، الذي تعيش أكثريته في حالة مزرية، ويعاني، يومياً تقريباً، جرّاء فظائع الحرب على الجبهتين. تثبت العمليات أيضاً أن الاستخبارات الإسرائيلية قادرة على الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة ومحدّثة بوتيرة تُقاس بالثواني، والعمل بناءً على تلك المعلومات بنجاح. لم تكن هذه هي الحالة الأولى. إذ أثبت الموساد وسلاح الجو وشعبة الاستخبارات، في العديد من المناسبات، معرفتهم بكيفية اختراق الدفاعات الإيرانية والاعتداء على علمائها، وقادة الحرس الثوري، وناشطي القاعدة (بالتعاون مع الولايات المتحدة) في قلب طهران وبيروت.
  • لقد نفّذ عملاء الموساد وطيارو سلاح الجو مهمات مماثلة في أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك السودان، واليمن، والعراق، وإيران، ولبنان، وغزة، والضفة الغربية. في الماضي، كانت العمليات تُنفّذ بأيدٍ إسرائيلية خالصة، وكان المشاركون فيها من مقاتلي الموساد. لكن قبل عقد ونصف، قرر الموساد تلافي تعريض عناصره للخطر، وتفضيل استخدام مرتزقة أجانب يتم تجنيدهم، وتدريبهم، ودفع مبالغ سخية لهم، وهم يعرفون المخاطر التي يتعرضون لها.
  • لكن الاغتيالَين المنفّذَين هذا الأسبوع ليسا عمليتين قادرتين على تغيير الواقع. فهما لا تغيّران قواعد اللعبة التي صارت مستقرة في الحرب السرية الدائرة بين إسرائيل وإيران، والتي تمتد عبر أرجاء الكرة الأرضية، وفي الحرب على غزة ولبنان، والتي تستمر منذ عشرة أشهر.
  • في الماضي، كانت الاغتيالات، سواء أكانت تلك التي تستهدف قادة "الإرهاب"، أو العلماء النوويين الإيرانيين، وسائل تُستخدم من أجل تحقيق غاية. كانت تلك الاغتيالات هي الملاذ الأخير، ومجرد أداة في صندوق أدوات إسرائيل، وكانت تخدم أهدافاً سياسية واستراتيجية واسعة. لكن منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يبدو أن مبدأ الاغتيالات، وبصورة خاصة الاستهدافية الدقيقة، قد تغيّر، وأن هذه الاغتيالات صارت غاية بحد ذاتها.
  • سبب ذلك أن إسرائيل تحت قيادة نتنياهو لا تملك أهدافاً استراتيجية تضمن إنهاء الحرب، بل إن نتنياهو يرغب في استمرارها من دون تاريخ انتهاء، سنوات عديدة (وغالانت يتحدث عن هذا الأمر أيضاً). علاوةً على ذلك، يبدو أن هدف الاغتيالات هو الانتقام وإشباع رغبات الجمهور الإسرائيلي. وبعبارة أُخرى، لقد وقعت إسرائيل في حب الاغتيالات، وربما أصبحت مدمنة عليها.
  • هذا السلوك يؤدي إلى تصعيد الصراع: فكلٌّ من إيران، وحزب الله، و"حماس" التي تتعرض لضربات قوية في غزة، يتعهدون بالرد، ومن المتوقع أن تستمر لعبة الفعل وردة الفعل هذه. ولن تسفر الضربات التي تلقتها إيران وحزب الله سوى عن رفع مستوى عزمهما على مواصلة الكفاح ضد إسرائيل. في سنة 2008، ووفقاً لتقارير أجنبية، اغتال كلٌّ من الموساد والـCIA، في عملية مشتركة في دمشق، عماد مغنية، الذي كان يُعرف بـ"وزير دفاع"، أو "رئيس أركان" حزب الله. بعد اغتياله، تم تشكيل قيادة عسكرية جماعية في حزب الله، وكان فؤاد شُكر واحداً من أربعة، أو خمسة قادة. في ذلك الوقت، اعتقدت إسرائيل أن التخلص من مغنية سيضرّ بالمنظمة بشدة، لكن لم يمضِ وقت طويل قبل أن تثبت الحقيقة عكس ذلك. لقد تطلب الأمر بعض الوقت لتعافي حزب الله، ثم أصبح تنظيماً أقوى وأكثر فعاليةً وفتكاً. فالمقولة السائدة إن المقابر مليئة بجثامين مَن كانوا يعتقدون أنه لا بديل منهم، تنطبق أيضاً على قادة "الإرهاب"، مهما كان هؤلاء القادة كباراً.

نحن لا ننتصر في الحرب، بل نخلّدها

  • يجري التصعيد الحالي بينما إسرائيل تعيش أعمق أزماتها. فهي دولة منقسمة، فالمتطرفون من اليمين المسياني والعنصري يحاولون نقل أساليب العنف المستخدمة ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة إلى داخل الخط الأخضر. ويسعون لتطبيقها ضد المعسكر الليبرالي-الديمقراطي، وضد وسائل الإعلام، وضد الجهاز القضائي، لفرض تغيير في طبيعة المجتمع والنظام. وباتت الدولة تقترب من حافة حرب أهلية.
  • لو كان هناك قيادة أُخرى في إسرائيل. قيادة شُجاعة، وجريئة، وقادرة على التفكير خارج الصندوق، لكانت استغلت عمليتَي الاغتيال للتوصل إلى إنهاء الحرب في غزة ولبنان، وعقد صفقة لتحرير الأسرى في مقابل "إرهابيين" فلسطينيين، وتحقيق وقف إطلاق النار، والتوصل إلى تسوية طويلة الأمد. لكن لنتنياهو خطط أُخرى. فهو ووزراؤه يتحدثون عن "نصر مؤزر"، على الرغم من أنهم يعرفون أن هذا الشعار وهم وسخف تام. إذ لا يمكن تحقيق الانتصار في الحروب ضد "الإرهاب"، بل يمكن تخليدها فحسب.
  • لقد ازدادت مخاطر اندلاع حرب إقليمية اليوم. أمّا استعادة الأسرى، ووقف الحرب، وعودة إسرائيل التوّاقة إلى الهدوء، إلى الحالة الطبيعية، فهي أمور صارت أبعد كثيراً من ذي قبل. والخشية هنا هي أن اتجاه التصعيد التدريجي، الذي نعيشه منذ شهور، سيخرج عن السيطرة تماماً، بما يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة. وهي حرب سيموت فيها الآلاف من الإسرائيليين، بل أكثر.
 

المزيد ضمن العدد