اختراق معسكر "سديه تيمان" هو مجرد مقدمة للخطر الداخلي الكبير الذي نواجهه
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • تشهد إسرائيل في هذه الأيام حرباً متعددة الجبهات. نحن في مواجهة عنيفة مع حزب الله في الشمال منذ 10 أشهر. 80 ألفاً من سكان الشمال تركوا منازلهم وانتشروا في مناطق مختلفة من البلد. في الجنوب- لا حاجة إلى الدخول في التفاصيل. الميليشيات الإيرانية في سورية، والحوثيون في اليمن، والميليشيات العراقية، وأهم من هذا كله- إيران- جميعهم يشاركون في الحرب ضد إسرائيل، ومستعدون لتوسيعها وزيادة قوتها.
  • في هذه الأيام، نحن منشغلون بتفسير شكل الردود المتوقعة من إيران وحزب الله على اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شُكر. في حالة شُكر، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن الاغتيال، رسمياً. أمّا في حالة هنية، فامتنعت من إصدار بيان رسمي، لكن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الفنان، سارع إلى الاستوديوهات لتبشير شعب إسرائيل والعالم بقوتنا وذكائنا وتصميمنا على ضرب جميع أعدائنا. إن كان هناك من شك في أن إسرائيل هي التي اغتالت هنية الذي يستحق نهايته، جاء نتنياهو، وبطريقة التفاخر التي يتميز بها، منح الإيرانيين أكثر من تلميح على أنها فعلاً هي المسؤولة عن العملية.
  • دولة إسرائيل تتجهز للانتقام المتوقع من إيران وحزب الله. المتحدثون باسمها لا يتوقفون عن إعلان التحضيرات والتجهيزات والرد الإسرائيلي، في حال تجرأت إيران، أو حزب الله، على ضربنا. حاملات الطائرات الأميركية والسفن الحربية، وأسراب طائرات الشبح F-22، وقوات عسكرية لجيوش أوروبية- جميعهم مستعدون للرد إذا فتحت إيران ما يمكن أن يكون حرباً متعددة الجبهات ضد إسرائيل.
  • نحن مصممون على الرد بحرب كبيرة ضد كل أعدائنا من الخارج، إلّا إن الخطر الأكبر الذي يهدد إسرائيل، ويهدد وجودها فعلاً، ويمكن أن يُزعزع استقرارها واقتصادها ووحدتها وهويتها- هو الخطر الداخلي الذي لا نتطرق إليه جميعنا. هذا الخطر يبرز من خلال التأثير الكبير والمتصاعد للمجتمع اليهودي- المسياني، الذي يتمدد كثيراً، ويسيطر على مناطق مختلفة داخل الدولة والمجتمع الإسرائيلي، وهو مصمم على زعزعة أساسات وجودنا كما كانت عليه منذ تأسيس الدولة.
  • أريد تعريف هذه الفئة من المجتمع لمساعدة مَن يواجه صعوبة في تشخيص الخطر، مَن هي بالضبط، وما هو التهديد الذي تشكله. أنا أتحدث عن حركة المستوطنين الذين يعتمرون القلنسوة المنسوجة، وتركيزهم العالي في الضفة الغربية. ولعدم التشكيك في أقوالي، فسأكرر ما قلته سابقاً في فرص عديدة، إن الشبان الذين يقاتلون في الجبهة ويعتمرون القلنسوة المنسوجة هم من أبطال ومقاتلي شعب إسرائيل. التزاماتهم وتضحياتهم وشجاعتهم مصدر إلهام لي ولكثيرين غيري. عدد القتلى في صفوفهم كبير ويفوق حجمهم في المجتمع الإسرائيلي اليهودي. لكن سائر الجمهور الذي ينتمي إلى هذه الفئة في الضفة وداخل دولة إسرائيل- حدود سنة 1967- يهدد وجود إسرائيل بصورة حقيقية.
  • الأحداث التي جرت في معسكر الجيش "سديه تيمان" ليست إلا البداية الصغيرة لتهديدهم الدولة. هذا الخطر يتم التعبير عنه، أولاً وأساساً،  من خلال شعورهم، ومن خلال قياداتهم وممثليهم في الكنيست والحكومة والسلطات البلدية والجماهيرية المختلفة، بأن كل شيء مسموح لهم، ولا يوجد ما يكبحهم داخل الدولة.
  • اندفاعهم وهجومهم على القواعد العسكرية، والضرر الذي ألحقوه بالجيش والجنود والضباط- نتيجة لا يمكن منعها، وهي نابعة من القوة التي راكموها وشعورهم بأنه مسموح لهم لأنهم يمثلون الروحية الحقيقية التي يجب أن تكون الأساس لوجود دولة إسرائيل.
  • ما هي هذه الروحية، في نظرهم؟ إسرائيل دولة يهودية. وفي الدولة اليهودية، لا مكان لغير اليهود. عندما يصل إلى البلد مهاجرون جدد من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، يجب إعادتهم فوراً إلى المكان الذي جاؤوا منه؛ وعندما يدور الحديث حول مواطنين من غير اليهود داخل دولة إسرائيل، فيجب مقاطعتهم وتمييزهم واستفزازهم وعدم التعاون معهم وعدم محاولة خلق حياة مشتركة من الاحترام المتبادل إلى جانبهم. أمّا إذا كان الأمر يتعلق بسكان الضفة- فيمكن مهاجمتهم وتدمير أملاكهم وحرق حقولهم ومصادر رزقهم وإلحاق الضرر بهم بمبررات مختلفة، أغلبيتها كاذبة- ومن الممكن قتلهم أيضاً. الهدف النهائي- تهجيرهم وإخلاء الأراضي المقدسة للمستوطنين.
  • إلّا إن هذا ليس الهدف النهائي لهذه الفئة. في نظرهم، لا مفر أيضاً من تطهير المجتمع الإسرائيلي من كل مَن لا يوافق معهم، ومن كل مَن هو مستعد للتفكير في تسوية جغرافية، كجزء من مسار يمكن أن يؤدي إلى المصالحة بيننا وبين الفلسطينيين. لقد أطلقوا على فئة كبيرة داخل المجتمع مسمى "يساريين"، ويتم نبذهم، ومن الممكن أيضاً التحريض ضدهم وإطلاق النار عليهم، إذا احتاج الأمر. لقد تم توزيع أسلحة ملائمة للميليشيات التي تنصاع لقائد المعسكر المسياني. واليوم الذي ستقوم فيه هذه الميليشيات باستعمال السلاح الذي حصلوا عليه لطردنا نحن- اليساريون، المتعاونون مع "حماس" ورجال "الشاباك" والأجهزة الأمنية. في نظر جزء من المحرضين، هؤلاء الخونة تحدثوا مع يحيى السنوار، ونسقوا معه الهجوم القاتل الذي نفّذته "حماس" يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. هذا التحريض الذي تنشره حسابات وهمية، والداعمون لنتنياهو يعيدون نشره ونفث السم الذي نعرف مصدره.
  • وإذا كان هذا ليس كافياً، فيوجد في الجيش اليوم وحدات كاملة تضع لنفسها قواعد مختلفة عن تلك المتعارف عليها، والتي كبرنا عليها، وكانت السمة المعروفة "الأخلاقية" لدولة إسرائيل. المثال الأفضل رأيناه في "سديه تيمان"، وقضية "أليؤور آزريا" التي سببت احتجاجات كبيرة في إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت، في سنة 2016، شعر جزء كبير منا بالاستغراب حيال الدعم الذي حصل عليه آزاريا من فئات واسعة من المنظومة السياسية، وأيضاً من أجهزة الأمن والوحدات المقاتلة.
  • قضية "سديه تيمان" خطِرة، أكثر كثيراً من قضية آزريا. هنا لا يدور الحديث حول جندي شاب لا يفكر بشكل جيد، وتصرّف بطريقة عفوية، وفقد السيطرة على نفسه، بل حول مجموعة كبيرة من الأشخاص الناضجين، جنود في جيش الاحتياط. ماذا حدث هناك؟ لا نعرف، وأتخوف من ألّا نعرف قط في المستقبل أيضاً. للأسف، مجموعة المشاغبين الذين يستمعون إلى توجيهات إيتمار بن غفير وزملائه من حزب "قوة يهودية"، أو حزب "الليكود"، أو أحزاب أُخرى في الائتلاف، ليسوا فقط أعضاء كنيست، أو "شبيبة تلال"، بل أيضاً هم أفراد شرطة ومحققون، ومن غير المؤكد أنهم يقومون بدورهم، بحسب القانون، و يكشفون ما يجب الكشف عنه.
  • ففي نهاية المطاف، بالنسبة إليهم، فإن أسرى "النخبة" هم" قتَلة" ؛ وعندما يتعلق الأمر بهم، فإن قواعد الأخلاق والمعايير المطبقة في التحقيق، أو منع الاعتداء الجنسي على المعتقلين، لا تنطبق عليهم. إذا كان من الممكن ضرب فلسطينيين أبرياء في الضفة وإلحاق الضرر بهم، وعندما يتجاهل الجيش والشرطة ذلك- إذاً، فما الذي يمنع الاعتداء على أسير كان له علاقة بيوم السبت الأسود في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حتى لو كان مرمياً داخل الزنزانة من دون أيّ قدرة؟ لمذا يُمنع الجنود من ارتكاب أفعال مشابهة لِما فعلوه بنا؟
  • اليوم الذي سيطلب فيه الجنود من الوزير عميحاي إلياهو، أو "المقاتل" تسفي سوكوت، الحضور عندما يتلقون أوامر لا تتماشى مع ما يؤمنون به ليس بعيداً. على سبيل المثال، أمر إخلاء مستوطنة غير قانونية، أو السماح لقافلة مساعدات إنسانية بالوصول إلى المجتمع الفلسطيني الذي يحتاج إليها بشكل عاجل في غزة.
  • أنا أعلم أن ما أكتبه يمكن أن يبدو مبالغاً فيه. لكن، هل نحن فعلاً قريبون من واقع حرب أهلية ومواجهة عنيفة بين الجماعة المسيانية وبين فئة أُخرى مهمة ومركزية في المجتمع الإسرائيلي؟ هل سيكون من الممكن أن يهاجم "شبيبة التلال" و"المشاغبون" من الضفة الذين يهاجمون الجنود، ويحاولون منعهم من القيام بواجبهم، ومنع العنف، بتوجيه بندقية في اتجاه مواطنين يمثلون قيماً مختلفة، وفي الأساس رؤية مختلفة للعالم؟ هل يمكن أن يُلحق "شبيبة التلال" الضرر بهؤلاء الذين يستعدون للانسحاب من الضفة، ومن ضمنهم أنا؟ وهل يوجد أيّ احتمال لأن يفهموا أنه لا مفرّ من التنازل عن أراضٍ في الضفة من أجل التوصل إلى تسوية تقودنا في نهاية المطاف إلى الحديث عن السلام والمصالحة والحياة، من دون حرب وسفك دماء وقمع شعب آخر؟
  • لا يمكن الفصل ما بين سلوك المخلّين بالنظام من المستوطنين، ومَن يلتحق بهم من أماكن أُخرى، عن لهجة ونمط حديث القيادة السياسية، وفي الأساس العنف وقسوة القلب التي يتعامل بها  رئيس الحكومة مع القيادتين الأمنية والعسكرية. مَن يصف رئيس هيئة الأركان ورئيس "الموساد" ورئيس "الشاباك" والمقاتلين في الاستخبارات والطيارين في سلاح الجو بأنهم ضعفاء، ولا يملكون القدرة، أو الاستعداد لقتال "حماس" والضغط على يحيى السنوار- فإنه يلهم المخلّين بالنظام من "شبيبة التلال"، ويمنحهم الدعم الأخلاقي، ويسمح لهم بالقيام بخطوة إضافية. إنه يشجعهم على التفكير في أن هؤلاء الأشخاص هم فعلاً ضعفاء وجبناء ومستعدون للضغط على نتنياهو، وليس على السنوار، ويتعاونون مع الأعداء، ومن المسموح التعامل بعنف معهم، ومع مَن يدعمهم.
  • دولة إسرائيل تقاتل بشجاعة مَن يريدون قتلها من الخارج. أنا لا أستهتر بتهديد أمنها وسلامتها. كثيرون من المقاتلين الشجعان يعتمرون القلنسوة المنسوجة، ومن المستوطنات، وكثيرون منهم أيضاً من "إخوة في السلاح". جميعهم يشاركون في المعارك، وفي جميع الألوية والجبهات. إلّا إن الخطر في الحرب الحالية لا يبدو من إيران، ولا من حزب الله، ولا من "حماس"، ولا من الحوثيين. إنه ينمو من الداخل. لا مفرّ من الاعتراف بذلك، والتجهز للصراع الأكبر من أجل  الدفاع عن حياتنا.
 

المزيد ضمن العدد