يجب التخلي عن النظرية السائدة حيال المواجهة مع حزب الله
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- في سنة 1932، أُجري آخر إحصاء رسمي للسكان في لبنان. وهناك في بلد الأرز خوف من أن يُظهر إحصاء جديد حدوث تغيُّر كبير في الميزان الديموغرافي بين المسلمين والمسيحيين، ووجود أكثرية شيعية. تحت غطاء الأكثرية الديموغرافية، ستطالب كل طائفة بالحصول على القوة السياسية. لكن بنظرة سريعة إلى الساحة السياسية في لبنان خلال العقدين الأخيرين، يظهر رجحان كفة الشيعة، وخصوصاً حزب الله.
- لا يوجد إسرائيلي لم يسمع بمربع الضاحية، الضاحية الشيعية الشهيرة في جنوب بيروت. لكن الأغلبية الشيعية في لبنان تتمركز في الجنوب اللبناني المحاذي للحدود مع إسرائيل، وحتى صيدا شمالاً. والشيعة في هذه المناطق معروفون بتأييدهم الكبير لحزب الله. والتقديرات بشأن عدد الشيعة في لبنان متفاوتة، لكن يمكن التقدير بأنهم يشكلون ما بين 25% و30% من عدد السكان في لبنان، أي 1.5 مليون نسمة من مجموع 5.4 ملايين نسمة.
- كل نقاش بشأن انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني باتفاق هو نقاش عقيم وسخيف. إذا كان "موظفون في الأونروا"، "وفي المستشفيات، مثل مستشفى الشفاء" في غزة، شاركوا في "مذبحة" 7 أكتوبر، وإذا كان هناك "مدنيون" في غزة يحتجزون مخطوفين في منازلهم، فماذا نقول عن السكان الشيعة المتعصبين والمؤيدين لحزب الله في الجنوب اللبناني؟
- هذه الأرقام مهمة لأنه عندما نسمع أصواتاً في إسرائيل تطالب بالتوصل إلى حل مع لبنان، وإلى خطوة سياسية، يقوم حزب الله، في إطارها، بسحب قواته إلى ما وراء الليطاني، يُطرح السؤال: أين يذهب هؤلاء السكان الشيعة؟ وأيّ آلية رقابة تفرض هذه التسوية؟ وما هي الصلاحيات التي ستكون لديها؟
- هناك فعلاً قوة مراقبة، هي قوة اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة الموقتة في الجنوب اللبناني، والمكلفة المحافظة على السلم في المنطقة الواقعة ما بين نهر الليطاني وبين الحدود مع إسرائيل. أُنشئت هذه القوة بعد عملية الليطاني الإسرائيلية في سنة 1978، تطبيقاً لقرارَي مجلس الأمن 425 و426، وسرعان ما تبين أن هذه القوة هي مجرد زينة لأنه ليس لديها قدرة كبيرة على العمل. وطوال أعوام، كان في إمكان التنظيمات الفلسطينية، وبعدها حزب الله الشيعي - اللبناني، العمل في الجنوب اللبناني ضد إسرائيل، وزيادة قوتها العسكرية والتمدد في المنطقة، من دون أن تقدر اليونيفيل على وقفها.
- لم يتغير الوضع مع حزب الله، بعد حرب لبنان الثانية (2006) وقرار مجلس الأمن الرقم 1701. لقد كان من المفترض بقوة اليونيفيل المحسّنة مساعدة الحكومة اللبنانية على "السيطرة على أراضيها"، وضمان عدم استخدام المنطقة "في عمليات هجومية"، والدفاع عن السكان المدنيين. لكن هذا لم يمنع حزب الله من تخزين 160 ألف صاروخ وقذيفة، وإخفاء جزء منها في القرى والبلدات القريبة من الحدود، وإقامة مواقع على بُعد أمتار قليلة من المواقع الإسرائيلية، ونصب خيمة في الأراضي الإسرائيلية، وحفر 6 أنفاق هجومية (أحدها محفور تحت مدرسة في قرية كفركلا) اجتازت الحدود من لبنان إلى إسرائيل، وكان من المفترض أن تساعد الحزب في إطار خطته بشأن احتلال الجليل.
- كل هذه القوة أقيمت وسط السكان المدنيين، وبتأييد منهم. أكثر من ذلك، لا يعمل حزب الله على الصعيدين السياسي والعسكري فقط، بل ينشط أيضاً من خلال جمعيات ومنظمات، مثل "جمعية جهاد البناء" التي أُنشئت في سنة 1988، بمساعدة إيرانية، كما يشغل حزب الله منظومة واسعة من المؤسسات التعليمية والاجتماعية والصحية والاتصالات والبنوك والبناء والصناعة والتجارة. وهذا يعني أن الحزب متجذّر بصورة عميقة وسط السكان اللبنانيين عموماً، فكم بالأحرى في الجنوب اللبناني، حيث أقام "دولة في داخل الدولة". من هنا، إن كل نقاش عن انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني باتفاق، هو نقاش عقيم وسخيف.
- إن أيّ تسوية سياسية مع الحكومة اللبنانية (بصمت من جانب حزب الله) شبيهة بالقرار 1701، حتى لو كانت بضمانات دولية، هي فقط تؤجل النهاية المحتومة. سيواصل حزب الله تعزيز قوته، ويستخلص الدروس، ويحسّن أساليب عملياته، وسيحاول إيجاد الرد على إخفاقاته في الحرب الحالية في الجولة المقبلة. لذا، يتعين على إسرائيل التفكير في مسار جديد، وكسر نظرية التسوية إزاء حزب الله.