بعد الآن، لن تكون إسرائيل "قبة حديدية" للأونروا
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • خلال عشرين عاماً، عملتُ بطرق مختلفة في الكنيست، ومن خلال الكتب والمقالات والمحاضرات واللقاءات في البلد، وفي الخارج، كي ألقيَ الضوء في إسرائيل والعالم على الدور "المدمر" الذي تقوم به الأونروا من أجل إذكاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. ومن خلال عملها، تخلق شرعية غربية ودولية للأيديولوجيا الفلسطينية التي ترفض الصهيونية، ولا تعترف بوجود دولة إسرائيل وسيادة اليهود على أيّ أرض من النهر إلى البحر المتوسط. تجلى هذا الإنكار في الاختراع غير المسبوق لمفهوم اللجوء الذي لا أساس له، والمطالبة التي لا تنتهي بـ"حق العودة" إلى دولة أُخرى ذات سيادة.
  • الأونروا هي في أساس الخطيئة التي منعت العرب [الفلسطينيين] الذين كانوا يعيشون تحت الانتداب والدول العربية المؤيدة لهم من قبول خسارتهم في حرب 1948 (بينما كان هدفهم المعلن في هذه الحرب هو ألّا يكون لليهود أيّ دولة بين النهر والبحر). وبعكس كل منطق سياسي سمح بإنهاء الحروب الصعبة في أيّ مكان في العالم، وبعكس الرسالة التي أُرسلت إلى عشرات ملايين اللاجئين في العالم في نهاية الحروب، أن عليهم بناء حياة جديدة في المكان الذي يوجدون فيه، فبفضل الأونروا واللجوء الذي لا نهاية له واختراع "حق العودة"، كان من الممكن للعرب [الفلسطينيين]، تحت مظلة المال الغربي وتأييد الأمم المتحدة، الاستمرار في الاعتقاد أنهم لم يخسروا في حرب 1948، وسيأتي اليوم الذي سينتصرون فيه، ويحققون هدفهم في القضاء على السيادة اليهودية على أيّ أرض كانت.
  • وجيلاً بعد جيل، شكلت الأونروا البنية التحتية الأيديولوجية والأرض الخصبة التي نما عليها وازدهر، ليس فقط الرفض الفلسطيني للصهيونية، بل كل التنظيمات "الإرهابية" التي عملت باسم "حق العودة"، وتتمتع بالتأييد لأنها تعمل على تحقيق هذه الرؤيا. وجميع الذين يتوهمون بأن "حق العودة" حنين إلى مسقط رأس الأجداد، هكذا وصلنا إلى 7 أكتوبر، وهو تحقيق لرؤيا "العودة"، دقيقة بدقيقة، من هنا كانت النشوة العظيمة التي سادت في ذلك اليوم، والشعور بتحقُّق رؤيا عمرها عقود من الزمن. بناءً على ذلك، المشكلة ليست في أن عدداً من الغزيين ممّن يتلقون رواتب مباشرة من الأونروا شاركوا في "المذبحة"، بل إن المشكلة هي أن كل الذين شاركوا في "المذبحة" من مقاتلي "حماس"، أو من "الغزيين العاديين"، تعلموا في مدارس الأونروا، ومسجلون لدى الوكالة "كلاجئين من فلسطين"، على الرغم من كونهم وُلدوا في غزة وعاشوا فيها كل حياتهم، أو عاشوا في أحياء أُطلق عليها خطأً "مخيمات لاجئين".
  • من المهم أن نوضح أن القانون الذي أقرّه الكنيست لا يلغي الأونروا، فهذا أمر لا تقدر عليه إسرائيل. فالأونروا تعمل بناءً على تفويض من الأمم المتحدة (وهي من المفترض أن تكون منظمة موقتة، وأن ينتهي عملها بعد 18 شهراً من توطين اللاجئين العرب). ينص القانون الجديد على وقف التعاون الطوعي بين إسرائيل والوكالة. كما يلغي الامتيازات المعطاة لها. لكن القانون لا يمنع الأستاذ الفلسطيني من أن يدخل غداً إلى الصف ويعلّم التلامذة، لكنه على الأقل بالنسبة إلى إسرائيل، يوقف الكذبة القائلة إن هذا الأستاذ يقوم بمهمة سامية، باسم الأمم المتحدة.
  • يوجد هنا جانب رمزي مهم للغاية. طوال السنوات التي اهتممت فيها بموضوع الأونروا، تمكنتُ من دحض كل الحجج التي استخدمها الدبلوماسيون الغربيون في دفاعهم عن الوكالة، باستثناء حجة واحدة، وهي أن دولة إسرائيل نفسها هي التي تطلب منهم تمويل الأونروا، وتعتبرها "أداة لتحقيق الاستقرار". وتحديداً، لأن إسرائيل عموماً، والمنظومة الأمنية خصوصاً، كانتا بمثابة "قبة حديدية" للأونروا، وحرصاً على اعتراض أيّ تهديد لتمويلها وصورتها، فإن حقيقة قيام الكنيست، بصفته ممثلاً للسيادة، وبتأييد واسع النطاق، بإقرار قانون مهم، يقضي بألّا تتعاون إسرائيل مع الأونروا، هو أمر مهم جداً.

 الكنيست قام بوظيفته

  • إن المسار الذي جرى من خلاله صوغ القانون وإقراره في الكنيست هو بمثابة شهادة شرف برلمانية. من الصعب عدم المبالغة إلى أيّ حد يمثل التصويت في الكنيست على هذا القانون أمراً حساساً جداً. طوال عشرات السنوات، يشهد الكنيست الإسرائيلي، الكيان الوحيد في إسرائيل الذي يُنتخب بصورة مباشرة ويمثل الشعب وسيادته، عملية إضعاف. هذا القانون الذي اقترحته إحدى أعضاء الكنيست من المعارضة [يوليا مالينوفسكي، من حزب "إسرائيل بيتنا"] بشأن موضوع يقع في صلب اهتمام الدولة، ويتعارض مع الموقف الرسمي للمنظومة الأمنية والحكومة، وبعكس موقف الدول الغربية، كانت فرص موافقة الكنيست عليه توازي الصفر.
  • لقد رافقتُ عملية صوغ القانون خلال العام الماضي، وكنت فخورة بالطريقة التي عمل فيها الكنيست. في البداية، كان زئيف ألكين كرئيس اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية هو الذي طالب وزارات الحكومة بوقف تمويل الأونروا، وعندما تبين أن الحكومة تماطل، برزت فرصة ذهبية للقانون، وبادر عدد من أعضاء الكنيست إلى طرح قوانين، أهمها قانون وقف تعاوُن إسرائيل مع الأونروا. لقد تسنى لي أن أرى، عن قُرب، الطريقة التي عملت فيها يوليا مالينوفسكي من أجل القانون، وكيف تعاونت مع أعضاء الكنيست من المعارضة والائتلاف، ولم تسمح للحكومة بالتهرب، أو بالتأجيل...
  • وبالإضافة إلى الأشخاص الذين عملوا على إقرار القانون، أعتقد أن ما جرى تعبير مهم عن موقف الكنيست السيادي في مواجهة حكومة تعاني الجمود والضغوط. وأعتقد أنه بعد 7 أكتوبر، شعر أعضاء الكنيست بوجود إجماع واسع النطاق وسط الجمهور الإسرائيلي ضد الأونروا، وضد التعاون معها، وأن الحكومة تماطل، والمنظومة الأمنية تتصرف كأن شيئاً لم يتغير. ومن خلال هذه الفجوة، قام الكنيست بوظيفته.
  • في النهاية، هناك أهمية كبيرة لأن هذا القانون حظيَ بموافقة ساحقة من أعضاء الكنيست من كل الكتل تقريباً. وفي نهاية الأمر، فإن الأونروا، والمطالبة التي لا تنتهي بحق "العودة"، تعكسان إجماعاً واسعاً لدى الفلسطينيين، ولدى الإسرائيليين. وبينما يدعم الفلسطينيون هذه الأفكار دعماً مطلقاً، فإن الإسرائيليين يعارضونها معارضة مطلقة.
  • لقد عبّر الكنيست من خلال تصويته عن الإجماع الواسع النطاق في دولة إسرائيل التي ستبقى دولة الشعب اليهودي ذات السيادة، ولن تتعاون مع وكالة تعمل على تقويضها، وهذا أمر مهم جداً.

 

 

المزيد ضمن العدد