الحفاظ على القانون والأخلاق؟ كثيرون من الإسرائيليين يعتقدون أنه يجب "عدم المبالغة" في الحرب
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل
مهند مصطفى
أسامة حلبي, موسى أبو رمضان
أنطوان شلحت
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- استمراراً للسؤال: ما هو هدف القتال في قطاع غزة، يجب التوضيح أولاً ما إذا كان هناك هدف يبرر ما يحدث في القطاع. وأيضاً: وكيف أن السردية القائلة إن قواعد القانون الدولي والقيم الأخلاقية للجيش هي التي تمنع نهوض الدولة، أصبحت متجذرة في الوعي الإسرائيلي إلى حد أنه لم يعد ممكناً طرح هذه الأسئلة من دون التعامل مع طارحها على أنه خائن.
- هناك إجابة واحدة واضحة، وهي أن حجم المأساة وأبعاد الشر سيطرا على الوعي الإسرائيلي. حتى إن الذي لا تدفعه مشاعر الانتقام، يواجه صعوبة في الحديث عن أخلاقيات القتال في الوقت الذي ترافق صور "وحشية " العدو و"الانحطاط الإنساني" كل مواطن في الدولة. أحد الفيديوهات التي يظهر فيها المتحدث باسم الجيش، وهو يطلب من الجنود عدم نشر فيديوهات تكشف انتهاكات للقانون الدولي، يمنحنا صورة إضافية. إذ يوضح دانييل هغاري في الفيديو أن هذه الفيديوهات تتعارض مع قيم الجيش، لكنه في الأساس، يشرح للجنود أنهم "يخلقون مشاكل للجيش"، ويجعلون تحقيق أهداف الحرب أصعب. وعندما يوضح المتحدث أن هذه الفيديوهات مسيئة للجيش، فإنه يشدد في هذا السياق، على الاعتبار النفعي المتمثل في احترام القانون الدولي، والحفاظ على الشرعية الدولية للعملية، والدفاع عن جنود الجيش أمام المحاكم الدولية. لكن هناك مبرّرين آخرَين للحفاظ على هذه القواعد: الأول، بُعد قيَمي جوهري، وهو الرؤية أن هذه القواعد تعكس رؤى أخلاقية يجب الحفاظ عليها، وتهدف إلى تقليص المعاناة الإنسانية جرّاء الحرب؛ والتفريق ما بين المقاتلين والمدنيين، ومنع أيّ ضرر مقصود بالمدنيين، والسماح بأضرار جانبية، إذا كان الضرر الجانبي متناسباً.
- وحتى لو كان هناك انتقادات مبرّرة لصعوبة تطبيق قوانين الحرب في واقع من عدم المواجهة غير المتساوية في صراع ما بين دولة وتنظيم "إرهابي"، فإن الدول الديمقراطية تقبل هذه القوانين كنقطة انطلاق لاعتبار الحرب ليست مجالاً من دون قوانين، وأن سلطة القانون مهمة حتى خلالها.
- المبرّر الثاني نفعي، وبحسبه، فإن أحد الدوافع الأساسية للحفاظ على قوانين الحرب هو التداعيات المحتملة لخرقها. وفي السياق الإسرائيلي، التخوف من العقوبات الدولية، وبصورة خاصة المحاكمات الجنائية للجنود والضباط.
- خلال حرب "السيوف الحديدية"، يبدو أن هناك مَن هو مقتنع بأن القيمة الجوهرية للقواعد تركز على التبريرات النفعية، ويدّعي أن الحفاظ على قواعد القانون الدولي ضروري من أجل الحماية، ويمنع تدخّل الجهات الدولية، ويحمي جنود الجيش.
- في الواقع الإسرائيلي، بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بات هذا الخيار أكثر واقعيةً من محاولة الإقناع بالقيمة الأخلاقية للقوانين. هذا الخيار يتماشى مع المزاج الإسرائيلي العام، وبحسبه، في زمن الحرب، لا يجب المبالغة مع قضايا القانون والأخلاق. الأصوات التي تطالب بتغيير روح الجيش تتصاعد. والادعاءات الديماغوجية التي يتم طرحها، مثل تلك القائلة إن روح الجيش تنقصها قيمة الانتصار، كاذبة. لكن مثل هذه الحقيقة غير مهمة أصلاً، فالمبادرات التي تُطرح تعكس رؤية ورواية اقتنع بها جزء كبير من الجمهور، وبحسبها، فإن الجيش نسيَ أنه خلال الحرب، يصمت القانون. ولأننا سنعيش طوال حياتنا على حد السيف - من الأفضل أن تصمت أخلاق القتال إلى الأبد.
- إلّا إن الخيارات النفعية لها أثمان كبيرة. أولاً، إذا كان الهدف من الحفاظ على قوانين الحرب الاعتقاد أنها مفيدة لنا، وإذا اقتنع الجمهور بأنها لا تنفعنا - فإن هذا سيلغى مبرر وجودها. كما أن ادّعاء حماية الجنود من الملاحقات القانونية يوازي تصوّر تكلفة المحافظة على قوانين الحرب، ليس دائماً هو الصحيح.
- ثانياً والأهم، إن الادّعاء النفعي يصنف القوانين الدولية جميعها (وليس فقط المؤسسات الدولية، التي يمكن القول إن جزءاً منها متحيز ضد إسرائيل) كتهديد، وليس قيمة. هذا التصنيف للقانون الدولي يخدم مَن يرى في القانون الدولي إزعاجاً، ويدّعي أن النيابة العسكرية "تكبل الجيش"، ويريد "السماح للجيش بالانتصار" من دون قيود.
- إذاً، يمكن تفهُّم ضباط الجيش الذين يترددون في التشدد حيال جنودهم. فالجيش يعلم بأن أكثر ما يُغضب الجمهور هو محاكمة جنود بسبب خرق القانون الدولي، أو القيم الأخلاقية للجيش خلال الحرب. ومن غير المهم درجة خطورة هذه الشبهات ضد الجنود، فالجمهور يعتبر أن كل ما يتعدى مجرد الملاحظة القيادية بمثابة خيانة.
- في مقابل هذه السردية التي تروّجها قوى لديها عزيمة بحماسة، يظهر صمت الجمهور الليبرالي. هذا الجمهور الذي يحتج، أسبوعاً بعد أسبوع، على "ضياع الديمقراطية"، وإذا استمر هذا الجمهور في ترك الملعب الأخلاقي فارغاً، وبقيَ مختبئاً خلف اعتبارات نفعية، مثل "حاجات الهسباراه"، فمن غير المؤكد أن صورة الدولة في اليوم التالي للنصر المطلق ستكون الشيء الذي يستحق أن نقاتل من أجله.