الاتجاه الذي يسعى له نتنياهو يتضح؛ أمّا خطط ترامب فلا تزال ضبابية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- مع انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، يبدو أنه يوجد إمكان لإعادة ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط، مع إمكان إنقاذ إسرائيل من حرب الاستنزاف المستمرة التي دُفعت إليها في عدد كبير من الجبهات. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مقتنع بأنه قادر على تجنيد ترامب لتحقيق أهدافه، مثلما جرى سابقاً.
- لكن، يبدو أن الرئيس الأميركي المنتخب، وكعادته، يبث رسائل من الصعب فهمها منذ انتصاره يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر. يبدو أن الصورة ستتضح فقط بعد دخوله إلى البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني/يناير. حالياً، تتم مناقشة خطوات حادة ضد إسرائيل في أروقة إدارة بايدن، ومن ضمنها تشديد القيود في مجال التصدير العسكري وعدم استخدام الفيتو في القرارات المعادية لإسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
- يوآف غالانت، وزير الدفاع الذي أقاله نتنياهو، قال الحقيقة لعائلات المخطوفين خلال اللقاء الختامي معهم الأسبوع الماضي. وبحسب أقواله، إن الظروف نضجت للتوصل إلى صفقة. وبحسبه أيضاً، لا يوجد أيّ مبرر للبقاء في محور فيلادلفيا. وقال "لن نبقى في غزة، ماذا سنفعل هناك. جميع الإنجازات الكبيرة حققناها... أنا أشك في أن هذا (والقصد هو تصميم نتنياهو على عدم إخراج قوات الجيش) نابع من رغبة في البقاء هناك. هذا الهدف لا يستحق المخاطرة بالجنود".
- عملياً، الصورة أكثر سواداً: الحكومة لا تريد أيّ صفقة تبادُل. فالتيار اليميني المتطرف في الائتلاف يعارض تحرير أسرى فلسطينيين، ونتنياهو مرتبط به من أجل نجاته السياسية، في الوقت الذي يبذل جهوداً لتأجيل محاكمته الجنائية. وفي الوقت نفسه، يتم استثمار جهود كبيرة جداً في الإعداد لسيطرة إسرائيلية طويلة المدى على شمال القطاع، حيث يسعى اليمين لترجمتها إلى احتلال حقيقي وإقامة مستوطنات.
- نُشر في "هآرتس"، خلال الأسبوع الماضي، عن الخطوات المتخذة لدفع السكان الفلسطينيين من شمال القطاع حتى منطقة جباليا. خلال نهاية الأسبوع، وصف مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوآف زيتون الواقع بعد زيارة محور نتساريم، في جنوبي هذه المنطقة: بات عرض المنطقة التي سيطر عليها الجيش في المحور 7 كيلومترات. ينصب الجيش هناك قواعد تناسب البقاء الثابت، وينشر أيضاً بنى مياه واتصالات لاسلكية. وبحسب زيتون، "بعد موت نحو 20-30 من المخطوفين في الأسر، فلن تمنح أيّ حكومة إسرائيلية "حماس" جائزة على شكل محور كان مُعداً ليكون أداة ضغط للتوصل إلى صفقة".
- حالياً، أعلن نتنياهو تعيين رئيس ديوانه السابق يحيئيل ليتر في منصب السفير المقبل لإسرائيل في الولايات المتحدة. قُتل ابن د. ليتر الشهر الماضي خلال القتال في شمال القطاع، ويُعَد ممثلاً للتيار الأيديولوجي لدى المستوطنين. يشير هذا التعيين إلى الاتجاه الذي يطمح إليه نتنياهو: اعتراف أميركي بضم المستوطنات في الضفة الغربية (ما أراده، ولم ينجح في الوصول إليه في صفقة القرن) ويبدو أنه يطمح أيضاً إلى احتلال شمال القطاع بشكل زاحف. الآن، يتم بناء البنية التحتية لذلك.
- أمّا في لبنان، فالجيش أنهى فعلياً المهمة المركزية التي جرى تكليفه بها. تمشيط وهدم البنى التحتية في خط القرى الأول حتى مساحة 5 كيلومترات من الحدود مع إسرائيل. الآن، يجهز الجيش لإمكان التقدم إلى الخط الثاني من القرى. ومن المهم الإشارة إلى أن رئيس هيئة الأركان غير متشجع لخطوة كهذه ستواجه مشكلتين: الأولى هي الطقس الذي سيغدو أسوأ بسبب الشتاء القادم؛ وسيكون هناك حاجة إلى تجنيد احتياط إضافي، على الرغم من الشكاوى المتراكمة بشأن العبء الثقيل على نسبة قليلة جداً من المجتمع.
- يبث ديوان نتنياهو التفاؤل بشأن إمكان التوصل إلى اتفاق سياسي ووقف إطلاق نار في لبنان قريباً. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه التوقعات تستند إلى أيّ شيء. في جميع الأحوال، يبدو أن الحل الذي يدفعون إليه هو القرار 1701 الذي أنهى حرب لبنان السابقة (2006). هذا بعيد جداً عن الحسم العسكري، لكن يمكن لإسرائيل أن تستند إلى إنجازاتها الكثيرة ضد حزب الله خلال الأشهر الماضية، وأن تأمل بالحفاظ على نظام ضبط صارم ضد أيّ خرق للاتفاق من الحزب.
- أمّا في غزة، فالحل ينتقل إلى ترامب نفسه بالتدريج. يبدو أن فكرة الصفقة التي يمكن أن تنهي مأساة عائلات المخطوفين وتضع حداً للحرب، تغريه. إنه يتذكر جيداً سابقة 1981، عندما حرر النظام الإيراني الرهائن الأميركيين من السفارة في طهران، بعد يوم على دخول رونالد ريغان إلى البيت الأبيض؛ حدثت هذه الفضيحة خلال ولاية الرئيس الذي سبقه جيمي كارتر. لدى ترامب والمحيطين به خطط أكبر لمستقبل المنطقة، وعلى رأسها توسيع اتفاقيات أبراهام لتتضمن التطبيع الإسرائيلي - السعودي وصفقات كبيرة بين الولايات المتحدة والسعودية.
- إن ما يعزز عدم القدرة على توقُّع خطوات ترامب هو إعلانه أمس أن مايك بومبيو ونيكي هيلي، وهما شخصيتان بارزتان في إدارته السابقة، وتربطهما بنتنياهو علاقة صداقة، لن يكونا جزءاً من الإدارة المقبلة. سيكون في محيط ترامب كثير من الشخصيات الانفصالية التي تؤمن بالحاجة إلى تقليص التدخل العسكري الأميركي في العالم. فلننتظر ما إذا كان أيّ منهم سيحصل على وظيفة مركزية في الإدارة المقبلة.
إعادة كتابة التاريخ
- أمّا في إسرائيل، فتتراكم الشبهات في محيط نتنياهو، وتتطور بالتدريج إلى تحقيقات جنائية. هذه سلسلة طويلة من الأحداث التي تدمج اتجاهين بارزين معاً: شهادة لمخالفات يقوم بها بعض الموجودين في ديوان نتنياهو وتتعدى الفضائح السابقة؛ ومحاولة لإعادة كتابة التاريخ لمصالح المسؤول عنهم والتشويش على دوره في الإخفاق الذي سمح بـ"مذبحة" 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأيضاً تشويش صورة الوضع بشأن الفرص التي جرى تضييعها في المفاوضات المتعلقة بالمخطوفين، وتحميل غالانت وقيادة الجيش المسؤولية.
- ما يُكشف عن القضية، وبصورة خاصة التقديرات التي بحسبها، يتعاون المتحدث باسم نتنياهو إيلي فلدشتاين خلال التحقيق، ترفع مستوى الخوف في محيط ديوان نتنياهو. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا توجد شبهات حول نتنياهو نفسه، حتى الآن، ومن الأفضل التذكير بأنه خرج بسلام من عدد من الفضائح المشابهة سابقاً. وأكثر من ذلك: لقد باتت منظومة ضبط القانون أضعف كثيراً منذ موجة التحقيقات التي جرت في سنة 2016، وهو ما يشهد عليه التعامل المتردد لدى القضاة في محاكمة نتنياهو بشأن مطالبه التي تزداد. تخطى نتنياهو حاجز الخوف بإقالة غالانت الأسبوع الماضي، إذ كان هذا الإجراء إشكالياً بسبب الاحتجاجات التي اندلعت عقب إقالته في آذار/مارس 2023. لذلك، من غير المفاجئ أن يهدد محيطه بإقالة مسؤولين كبار آخرين يقفون في طريقه.
- التهديد الذي تواجهه الحكومة ينبع من قضيتين مختلفتين، وليس الاستياء من الثقافة الإجرامية التي تنكشف في التحقيقات الدائرة؛ القضية الأولى، والأهم كما يبدو، هي العبء الثقيل جداً على جنود الاحتياط، والذي لا يُحتمل، إلى جانب المخاطر التي يواجهونها، هم والنظاميون، في الوقت الذي تعمل الحكومة على تمرير قوانين تسمح بتهرّب الحريديم من الخدمة. أمّا القضية الثانية، فلها علاقة بالتعاطف الشعبي العميق مع مصير المخطوفين الـ101، الذين يبدو أن نصفهم لم يعُد في قيد الحياة.
- في وقت ما يمكن أن نصل إلى مرحلة يصل الإحباط فيها من جميع هذه الاتجاهات، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية وضعف الحكومة في التعامل مع كافة مجالات الحياة إلى درجة تدفع المواطنين مرة أُخرى إلى الخروج إلى الشوارع بأعداد كبيرة. حتى الآن، يبدو أن الائتلاف مستقر - ويبدو أن ترامب هو الرجل المركزي الذي يمكنه إحداث تغيير خلال الحرب، إذا أراد ذلك.