الحرص الواجب: إيران تستعد لعهد ترامب، وتعيد احتساب مسارها
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- من المشكوك فيه أن يكون الشعور بالارتياح ساد أروقة السلطة في طهران لدى إعلان نتائج الانتخابات الأميركية. فإيران تتذكر جيداً كيف أمر الرئيس ترامب في ولايته الأولى باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وأصدر توجيهاته بشأن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقّع بين إيران والقوى الكبرى. هذه الخلفية التي تربط إيران بترامب تثير المخاوف حتماً في طهران من أن ولايته الثانية قد تؤدي إلى صدام مباشر بين إيران والولايات المتحدة، وخاصة في ضوء تصريحاته وتصريحات المقربين منه بشأن نيته زيادة الضغط الاقتصادي على طهران.
- لكن إيران ليست متأكدة بعد بشأن أيّ "ترامب" ستحصل عليه هذه المرة. أهو ترامب الذي يسعى لزيادة الضغوط عليها؟ أم ترامب الذي يريد التفاوض مباشرةً مع قيادتها؟ (كان قد أعرب عن رغبته في لقاء وزير الخارجية السابق ظريف في سنة 2019 في البيت الأبيض). وفي كلا الحالتين، ولتجنُّب بدء العلاقات بين البلدين بـ"القدم اليسرى"، تسارع طهران إلى تفكيك الألغام المحتملة التي قد تعرقل العلاقات. لذلك، نفت القيادة الإيرانية أيّ تورُّط في محاولة اغتيال ترامب، في ظل اعتقال مواطن أفغاني، زعم جهاز الـFBI أن طهران أُرسلته لاغتيال ترامب قبل الانتخابات. وكذلك تواصل إيران تعزيز صورتها الإيجابية أمام حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وذلك، على سبيل المثال، من خلال زيارة رئيس الأركان السعودي النادرة إلى طهران، فضلاً عن دعوتها إلى وقف إطلاق النار في لبنان وغزة، إدراكاً منها أن هذا أحد أهداف إدارة ترامب في أشهرها الأولى.
- وفيما يتعلق بالملف النووي، يبدو أن القيادة الإيرانية تدرك أن ترامب سيرغب في استكشاف إمكان التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وهو هدف يتّسق مع رغبة الرئيس الإيراني في تعزيز حلّ للملف النووي يمكن أن يؤدي إلى رفع العقوبات التي تخنق الاقتصاد الإيراني. وتعبيراً عن الاستعداد للتفاوض والرغبة في الانسجام مع تصريحات ترامب التي أكدت ضرورة الحؤول دون حصول إيران على القنبلة النووية، يجدد كبار المسؤولين في النظام، وعلى رأسهم وزير الخارجية عراقجي، التأكيد في تصريحاتهم الأخيرة أن إيران لم تسعَ قط لتطوير أسلحة نووية، وأن البرنامج النووي الإيراني هو "لأغراض سلمية".
- أمّا في السياق الإسرائيلي، فلا تزال توجهات إيران بشأن ردها على الهجوم الإسرائيلي الأخير غير واضحة، لكن تشير تقارير مختلفة إلى أن طهران تفكر في تأجيل ردها لتجنّب أيّ ردة فعل متطرفة من إدارة ترامب في أيامها الأولى. وفي جميع الأحوال، يبدو واضحاً أن طهران تحاول تعزيز صورتها "الإيجابية" أمام الإدارة الجديدة، وتتيح لها، مع بداية ولايتها، تقييم الأمور بناءً على الأفعال، لا على التصريحات السابقة. ومن المؤكد أن طهران تشعر بالتشجيع من تصريحات الرئيس المنتخب والمقربين منه، مثل بريان هوك، الذي أكد أن الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير النظام في إيران، بل فقط لضمان عدم حصولها على السلاح النووي.
- علاوةً على ذلك، وفي ظل العلاقات الوثيقة بين موسكو وطهران، فمن غير المرجح أن تذرف إيران دموعاً إذا انتهت المعركة في أوكرانيا "بانتصار" روسي بفضل ضغط إدارة ترامب، وخصوصاً أن تقارير مختلفة تفيد بأن ترامب يخطط لسحب القوات الأميركية من سورية، وهو أمر سيخدم، بلا شك، المصالح الإيرانية في هذه الساحة. قد يكون لانتخاب ترامب وكيفية تنفيذ سياساته الخارجية بشكل عام تأثيرات كبيرة في إيران، وإن لم تكن هذه القرارات مرتبطة مباشرة بالشرق الأوسط، على سبيل المثال، فيما يتعلق بدرجة قربه من الدول الأوروبية الثلاث (E3)، وتعزيز علاقاته مع موسكو، وما إلى ذلك.
- في الخلاصة، على الرغم من المخاوف الواضحة في طهران من انتخاب ترامب، يبدو أن النظام يحاول تمهيد الأرض بما يسمح ببحث إمكان تعزيز الحوار بشأن الملف النووي مع الإدارة الأميركية الجديدة. وعلى الرغم من أن انتخاب ترامب قد يزيد في احتمالية التصعيد بين البلدين، فإن التصريحات "المعتدلة" نسبياً من جانب ترامب تجاه إيران، ورغبته في إبرام اتفاق نووي، تتماشى مع رغبة النظام الإيراني، وهو ما قد يؤدي إلى تقارُب بين البلدين بشكل غير متوقّع، وقد يقود على الأقل إلى تسوية جوهرية بشأن الملف النووي. هذا الواقع، جنباً إلى جنب، مع توجّه ترامب الانعزالي الذي سيؤدي حتماً إلى تغيير ميزان القوى للولايات المتحدة في المنطقة وتراجُع رغبتها في التدخل في النزاعات الخارجية، قد يجعل من الولاية الثانية لترامب فترة تخدم المصالح الإيرانية بشكل غير متوقع. مع ذلك، فإن حقيقة أن ترامب نفسه إنسان غير متوقع، وما يحمله الماضي من تاريخ متوتر بينه وبين النظام الإيراني (الذي يُعتقد أنه حاول اغتياله)، أمور قد تؤدي أيضاً إلى مواجهة بين البلدين. وفي جميع الأحوال، يبدو أن العلاقات بين ترامب والنظام في طهران لن تكون مملة.