تفاقُم الجوع في غزة في ظلّ رفض المحكمة العليا النظر في القضية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة(WFP) ، الأربعاء الماضي، أن جميع المخابز الـ25 التي ساعد في تشغيلها في قطاع غزة أُغلقت الآن بسبب النقص في الدقيق والوقود، وأنه خلال اليومين المقبلَين، سيتم توزيع آخر حزم الغذاء التي يملكها البرنامج. بعد مرور شهر على القرار البعيد المدى الذي اتخذته القيادة السياسية بشأن منع مرور أيّ مساعدات إنسانية إلى غزة، عبر الأراضي الإسرائيلية، تحذّر منظمات دولية من انخفاض حادّ في مخزون الغذاء والمعدات الطبية في القطاع، وتُعرب عن قلق بالغ من تجدّد المجاعة هناك.
  • على خلفية هذا الواقع، تُثار تساؤلات صعبة عن الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في هذا الشأن الأسبوع الماضي. قبل نحو عام، قدّمت خمس منظمات من المجتمع المدني "جيشا"، و"المركز لحماية الفرد"، و"أطباء من أجل حقوق الإنسان"، و"جمعية حقوق المواطن"، و"عدالة"، التماساً يطالب الدولة بضمان إيصال المساعدات والإمدادات الحيوية إلى غزة. وبعد مرور عام وخمس مداولات، رفضت المحكمة العليا الالتماس، وقررت أن إسرائيل تفي بالتزاماتها، بموجب القانونين الإسرائيلي والدولي.
  • وأشار الحكم بشكل صريح إلى أن المحكمة لن تتطرق إلى قرار وقف مرور المساعدات إلى القطاع، عبر إسرائيل، ووقف بيع الكهرباء لغزة، لأن "الإجراء الحالي ليس الإطار المناسب للنظر في هذه القرارات، التي تنطوي على تغيّر كبير في الظروف"، وبما أن الحكم استند، من بين أمور أُخرى، إلى تصريح الدولة بأنه لا توجد قيود على كمية المساعدات التي تدخل إلى غزة، فإن هذا الاختيار وحده يكفي ليجعل الحكم فارغاً من مضمونه.
  • نظرت المحكمة في الشروط القانونية لتطبيق قوانين الاحتلال، وتبنّت موقف الدولة الذي يفيد بأن غزة ليست أرضاً محتلة. وذلك بخلاف ما قررته محكمة العدل الدولية (ICJ) في تموز/يوليو 2024، والتي رأت أن قوانين الاحتلال تسري على قطاع غزة، قبل وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر واندلاع الحرب، وبالتالي، تقع على عاتق إسرائيل التزامات واسعة تجاه السكان المدنيين.
  • رفضت المحكمة العليا الادعاء أن إسرائيل مُلزَمة، بموجب قوانين الاحتلال، بتقديم المساعدات الإنسانية، لكنها رأت أن على الدولة "السماح وتسهيل" مرور المساعدات الإنسانية، بموجب قوانين النزاع المسلح. إن الاستنتاج بشأن عدم وجود التزامات من إسرائيل، بصفتها قوة احتلال في غزة، يكشف نهجاً إشكالياً، تسعى فيه إسرائيل لتقويض حُكم "حماس"، من دون أن تسمح بحكومة بديلة، ومن دون أن تتحمل مسؤوليتها كقوة احتلال. كذلك، رفضت المحكمة العليا إعطاء وزن للالتزامات المنبثقة عن قوانين حقوق الإنسان المتعلقة بالحق في الغذاء، وبهذا فرضت على إسرائيل التزامات ضئيلة، على الرغم من القوة الهائلة التي تمارسها في قطاع غزة.
  • زعمت الدولة أنها تبذل جهوداً كبيرة لتحسين البنية التحتية للمساعدات وتنسيق توزيعها، وألقت باللوم على حركة "حماس" فيما يتعلق بمعاناة سكان القطاع بسبب نهب المساعدات الإنسانية. من جهتهم، أشار مقدّمو الالتماس إلى سلسلة من التأخيرات والقيود والصعوبات التي تفرضها إسرائيل على مرور المساعدات الحيوية، والتي أدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة في القطاع، وإلى كارثة إنسانية، إلى جانب هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي على البنية التحتية المدنية والدمار الواسع.
  • أتاحت المحكمة العليا للدولة تقديم العديد من البيانات في جلسات مغلقة، وقبِلت موقفها. ويبرز أيضاً إشكال كبير لأن الحكم يكتفي بفحص الإجراءات المختلفة التي أجرتها إسرائيل من دون أن يتناول حالة سكان غزة. ونذكّر هنا بأن مؤشر الأمن الغذائي العالمي(IPC) ، الذي يُستخدم لتقييم الأمن الغذائي في أنحاء العالم، وتشارك فيه وكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية، حذّر منذ اندلاع الحرب، مراراً، من أن جزءاً كبيراً من سكان القطاع على عتبة المجاعة، وهي أخطر درجة من انعدام الأمن الغذائي.
  • طوال المداولات في الالتماس، وفي التصريحات العلنية، ادّعت إسرائيل أن بيانات التقرير مجتزأة، أو غير دقيقة، لكنها لم تقدّم بديلاً واضحاً من حيث المعطيات. وفي حُكمه، امتنع القضاء أيضاًمن إبداء موقف من هذه المسألة، باستثناء إشارة عبثية، مفادها أن "وقف إطلاق النار بين كانون الثاني/ يناير وآذار/مارس 2025 خلق واقعاً فعلياً مختلفاً عن ذلك الذي استندت إليه توقعات المنظمة". وذلك حين صدر الحكم بعد انتهاء وقف إطلاق النار، وبعد أن توقفت المساعدات الإنسانية، عبر إسرائيل، كلياً.
  • وفي اللحظة التي كان هناك حاجة إلى رقابة قضائية من المحكمة، اختارت الأخيرة تأجيل البت بالأمر إلى إطار إجراء مستقبلي، من أجل تقييم قانونية الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل، ولا سيما قرار له تبعات خطِرة، مثل وقف مرور المساعدات الإنسانية كلياً، والذي لا بد من النظر في الأضرار المحتملة الناتجة منه. ولا يمكن القيام بذلك من دون التطرق إلى أوضاع الأطفال وكبار السن والنساء والرجال في غزة، وهو ما امتنعت المحكمة العليا من فعله.
  • وصف مخطوفون تحرروا، مؤخراً، الجوع الذي عانوه في أسر "حماس" بأنه أشدّ أشكال التعذيب التي تعرضوا لها. فالجوع لا يُسبب معاناة جسدية فقط، بل يشكّل أيضاً عبئاً نفسياً ثقيلاً، ويؤدي إلى أضرار عميقة بالروابط الاجتماعية داخل الأُسر والمجتمعات. في أيام كهذه، حين ترفض المحكمة العليا، ومعها أيضاً معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، التطرق إلى رعب الجوع الذي ينتشر بين سكان غزة، فمن واجبنا، الآن بالذات، النظر مباشرةً إلى الواقع القاسي الذي تعيشه غزة.

 

 

 

المزيد ضمن العدد