بوابة لأفريقيا؟ فرص اقتصادية في العلاقات المغربية – الإسرائيلية
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال، العدد 1604
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في ختام "قمة النقب"، التي عُقدت في أواخر آذار/مارس، أعلنت الدول المشاركة - الإمارات، والبحرين، والمغرب، وإسرائيل، والولايات المتحدة - نيتها عقد لقاء شبيه، مرة أو مرتين كل عام، في مدن صحراوية، كرمزية للقضايا التي تشغل اليوم دول المنطقة، ولها جميعها أبعاد اقتصادية: تحدي النهوض بعد جائحة كورونا؛ التعامل مع أزمات المناخ والنقص في المياه، وفي ضوء الحرب الأوكرانية - أزمة الغذاء وأزمة الطاقة. وفي ختام القمة، قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إن على الدول "خلق نوع من التفاعل الجديد، واتخاذ خطوات جدية يمكن أن تشعر بها شعوب المنطقة جميعها". كذلك، هناك أهمية استراتيجية للبعد الأمني في العلاقات المغربية - الإسرائيلية، وهو ما يثبته اتفاق التعاون الأمني الموقّع بين الدولتين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير العلاقات الاقتصادية يُعد مصلحة متبادلة لكلا الدولتين، كما تتضمن هذه العلاقات احتمالات عالية لتعاون سياسي.
- يصنف البنك الدولي المغرب كدولة ذات دخل متوسط - منخفض. وبحسب معطياتTrading economist لسنة 2020، فإن المغرب يصدّر في الأساس أدوات كهربائية وإلكترونية، ومركبات، وشتولاً، وفواكه، وخضاراً، ومكسرات، وملابس، بالإضافة إلى السياحة والمواصلات. ويستورد وقوداً، وأدوات للصناعة، وكهربائيات، وتكنولوجيا، ومركبات، وحبوباً، وخدمات مواصلات، وخدمات تقنية، بالإضافة إلى خدمات تقدمها جهات حكومية.
- وعلى الرغم من أن أوروبا تُعد شريكة تجارية مهمة للمغرب وإسرائيل، فإن أهداف التصدير والبضائع المصدّرة من كلا البلدين إلى أوروبا مختلفة. فبحسب معطيات وزارة الاقتصاد والصناعة لسنة 2020، كان حجم الصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا يقدَّر بـ13.8 مليار دولار (36% من مجمل الصادرات)، ووصل إلى بريطانيا، وهولندا، وألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا. أغلبية الصادرات كانت مواد كيميائية، وكهربائية، وأدوات ميكانيكية، ومطاطاً، ومواد بلاستيكية، وأدوات طبية. وبحسب Trading economist لسنة 2020، فإن حجم الصادرات المغربية إلى أوروبا كان 18.9 مليار دولار (69% من مجمل الصادرات)، وكان أساساً لفرنسا وإسبانيا، كما كانت الصادرات، في أغلبيتها، أدوات كهربائية، وأدوات نقل ومواصلات، بالإضافة إلى الغذاء والزراعة والملابس والنسيج.
- التبادُل التجاري بين المغرب وإسرائيل منذ تجديد العلاقات بين الدولتين في سنة 2020، نما بشكل ملحوظ. فبحسب معطيات اللجنة المركزية للإحصاء، فإن الصادرات الإسرائيلية إلى المغرب ارتفعت من 3.9 مليون دولار في سنة 2019، إلى 30 مليون دولار في سنة 2021، وعلى الرغم من أن معهد الصادرات يقدّر أن هناك احتمالات أن يصل التصدير السنوي الإسرائيلي إلى المغرب إلى نحو 250 مليون دولار، فإن الحديث يدور عن نسبة هامشية من مجمل الصادرات الإسرائيلية، التي وصلت في سنة 2021 إلى نحو 143 مليار دولار، بحسب معطيات وزارة الاقتصاد والأشغال. ومن حيث الإمكانات الاقتصادية، فبالإضافة إلى السياحة التي يمكن لإسرائيل استيرادها من المغرب، بسبب رغبة الكثيرين من الإسرائيليين في السفر إلى هذه الدولة، فإن الإمكان الإضافي هو استيراد السيارات. ففي الأعوام العشرة الأخيرة، مع دخول شركات أجنبية إلى الدولة، توسّع تصنيع السيارات في المغرب، ووصل تصديرها في سنة 2020 إلى نحو 8.5 مليارات دولار، بحسب معطيات وزارة الأشغال والتجارة المغربية. هذا في وقت يزداد الطلب الإسرائيلي على السيارات: ارتفعت نسبة استيراد السيارات في إسرائيل إلى 24.9% بين سنتيْ 2020 و2021. وفي المقابل، فإن استيراد المغرب من إسرائيل يمكن أن يكون في مجاليْ السياحة والتكنولوجيا المتطورة، وبصورة خاصة في مجالات الزراعة والمياه والطاقة المتجددة.
- من شأن التعاون الاقتصادي بين الدولتين المساهمة في مصالح كلا الطرفين في مقابل الدول الأفريقية. فالمغرب يستثمر جهوداً كبيرة في تطوير علاقاته مع أفريقيا، كما تشير عشرات الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس في القارة خلال الأعوام العشرين الأخيرة، وعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي قبل خمسة أعوام، بعد انسحابه منه في سنة 1984. فلهذه الجهود السياسية جانب اقتصادي: على الرغم من أن نسبة الصادرات المغربية إلى أفريقيا لم تتجاوز الـ7.7% من مجمل الصادرات المغربية، فإن المغرب معني برفعها، وبالتحول إلى دولة رائدة في اقتصاد هذه القارة. ولهذه الغاية، وقّع عشرات الاتفاقيات الاقتصادية مع دول أفريقية. إمكانات التبادل الاقتصادي المغربي مع القارة عالية جداً، حتى ولو لم تكن على المدى القريب، وخصوصاً في ظل منطقة التجارة الحرة للاتحاد الأفريقي (AFCFTA). الاتفاق دخل حيّز التنفيذ في كانون الثاني/يناير العام الماضي، وإمكانات التصدير المغربي، في إطارها، تقدَّر بـ 130 مليون دولار، بحسب UNCTAD.
- إضافة التكنولوجيا والمعرفة الإسرائيلية، وبصورة خاصة في مجال الزراعة، ستسمح للمغرب لاحقاً بطرحها أمام الدول الأفريقية، وهذا يساعده على أداء دور مركزي في تطوير أفريقيا - طموح واضح، مثلاً، في خطة التطوير القومية والإقليمية المغربية.
- بالنسبة إلى إسرائيل، فإن تقوية العلاقات الاقتصادية مع المغرب يمكن أن تكون بمثابة فتح لأبواب أفريقيا، وبصورة خاصة مع الدول التي لا تربطها بها علاقات دبلوماسية، مستغلةً الخبرة والبنى التحتية المغربية. ففي الأعوام الأخيرة، يقوم المغرب بتطوير بنية اقتصادية وتجارية في أفريقيا جنوبي الصحراء، وبصورة خاصة في الدول الفرانكوفونية غرب ووسط القارة، المعروفة بنشاطات البنوك المغربية في هذه الدول والتواصل العالي بينها وبين المغرب. وهكذا، في مقابل الإمكانات الكامنة الاقتصادية من خلال وصول إسرائيل إلى أسواق لا يمكنها اليوم الوصول إليها، هناك إمكانات سياسية على شكل توطيد العلاقات مع الدول الأفريقية، الأمر الذي يمكنه مساعدة إسرائيل في المحافل الدولية، وبصورة خاصة في التصويت في الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها.
آفاق تعاوُن واعدة
- بحسب تقديرات خبراء التجارة في الدولتين، فإن المجالات التي تحتوي على إمكان للتعاون بين إسرائيل والمغرب هي السياحة، والصحة، والصناعة، والزراعة، والمياه، والطاقة المتجددة، مع الإشارة إلى أن المجالات الثلاثة الأخيرة مهمة جداً في أعقاب وباء كورونا والحرب الأوكرانية وأزمة المناخ. ففي مؤتمر اقتصادي عُقد في تل أبيب خلال شهر آذار/مارس، وشارك فيه صنّاع القرار الاقتصادي في كلا الدولتين، تم التعامل مع هذه المجالات على أنها صاحبة الإمكانات الكامنة الأعلى بصورة خاصة.
- مجال الزراعة هو الأهم في اقتصاد المغرب. أهميته نابعة من كونه أحد أكبر المشغلين لليد العاملة في الدولة (ثلث القوة العاملة تعمل في مجال الزراعة)، كما أنه مجال مهم في التصدير (20% من الصادرات المغربية، و12% من الناتج المحلي). لكن المجال الزراعي يعاني جرّاء تعرضه لظروف تغيرات المناخ، ومن انخفاض معدلات الخصب، وينعكس هذا في الفجوة ما بين دور الزراعة في التشغيل ونسبتها من الناتج المحلي. جزء كبير من الزراعة المغربية لا يزال تقليدياً، ووضعت الدولة لها هدفاً بتحويله إلى منتج أكثر وحديث أكثر. خصوبة التربة المنخفضة تنعكس أيضاً في معطيات البنك الدولي لسنة 2019، حيث القيمة المضافة عن كل عامل added value per worker هي الأقل بالمقارنة مع دول المنطقة.
- إمكانات التعاون في مجال الزراعة تتركز بالأساس في تصدير وتضمين معرفة وتكنولوجيا إسرائيلية. ففي الأعوام العشرة الأخيرة، نما مجال التكنولوجيا الزراعية في إسرائيل بشكل ملحوظ، وازداد التعامل معه على صعيد دولي. فالتصدير في هذا المجال (من دون الشتول والمواد الكيميائية) ارتفع، بالتدريج، إلى ما يعادل 1.9 مليار دولار في سنة 2019، بحسب معطيات معهد التصدير. كما أن الشركات الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا الزراعية تتطور سريعاً في المجال التكنولوجي على عدة صعد، تشمل بحسب معطيات Startup nation central، الري، ومعالجة المياه للزراعة، الزارعة في الخيم، وكذلك صناعة منتجات الألبان، والزراعة المائية. طموح المغرب إلى تطوير المجال الزراعي من أجل الأمن الغذائي، يمكن أن يكون الأساس للتعاون الناجع بين الطرفين.
- مجال واعد آخر للتعاون، هو الطاقة المتجددة. فبحسب معطيات وزارة الطاقة المغربية، فإن المغرب يستورد نحو 90% من حاجته في مجال الطاقة. وبهدف تقليص الاعتماد على الاستيراد، فإنه يستثمر جهوداً كبيرة في صناعة الطاقة المتجددة، وبدأ يقطف الثمار: في سنة 2020، شكلت الطاقة المتجددة نحو 37% من قدرة الإنتاج، ويبدو أن الدولة تسير في الاتجاه الصحيح للوصول إلى هدفها، بأن تشكل الطاقة المتجددة 52% من قدرة الإنتاج.
- وبحسب معطيات Startup nation central، في إسرائيل، هناك أكثر من 100 شركة تعمل في مجال تكنولوجيا الطاقة، ولديها طموح إلى الخروج من السوق المحلية. تطبيق التكنولوجيا الإسرائيلية في كافة مراحل استخراج الطاقة المتجددة، من الممكن أن يعزز المنافسة في هذا المجال داخل المغرب، ويخفّض الأسعار، ويرفع الإنتاج، والاستهلاك والتصدير - وبصورة خاصة إلى أوروبا. بوادر تعاوُن أولية برزت في آذار/مارس الماضي، حينها، اشترت شركة "ماروم" الإسرائيلية للطاقة 30% من أسهم شركة الطاقة المتجددة المغربية "غايا إنرجي"، التي تعمل في عدة دول أفريقية، وبمشاركة مع IFC في مجموعة البنك الدولي، مقابل مبلغ يقدَّر بـ70-80 مليون شيكل. وبهذا تكون الشركة الإسرائيلية اشترت موطئ قدم لها في مجال الطاقة المتجددة المغربية، الذي يتمتع بإمكانات عالية بسبب فائض الأراضي وظروف المناخ الملائمة.
توصيات سياسية
- احتياج المغرب إلى تطوير وتحديث البنى الزراعية، والمائية، والطاقة، إلى جانب بيئة تجارية جيدة نسبياً، وموقع جغرافي على مفترق بين أفريقيا وأوروبا، كل ذلك يُحول التعاون ما بين المغرب وإسرائيل إلى تعاون واعد، اقتصادياً وسياسياً. ومن شأن هذا التعاون أن يساهم أيضاً في مصالح كلا الدولتين وفي علاقاتهما الاقتصادية والسياسية مع دول الغرب ومركز أوروبا.
- للدفع قدماً بهذا التعاون، على إسرائيل العمل على ثلاثة مستويات: أولاً، الاستمرار في توسيع البنية القانونية للعلاقات الاقتصادية. إحدى الصعوبات في التجارة مع المغرب هو النظام القضائي فيه، الذي يعاني جرّاء أزمة ثقة من جانب رجال الأعمال والمستثمرين. طريقة عملية للتعامل مع هذا الموضوع، هي من خلال اتفاق استثمار موجود الآن في مراحل التفاوض بين الدولتين. يجب التأكد من أن هذا الاتفاق يسمح للمستثمرين بالتوجه إلى المحاكم الدولية في حالات نشوب نزاع استثماري، شبيه بالاتفاق التجاري مع الإمارات الذي تم توقيعه في سنة 2021.
- ثانياً، يجب خلق أطر مشتركة للتعاون بين الحكومات. كجزء من اتفاق الإطار الاقتصادي، تقرر إقامة لجنة مشتركة بين وزارة الأشغال والاقتصاد الإسرائيلية ووزارة التجارة والأشغال المغربية، وظيفتها ضمان تطبيقه. يجب بحث إمكان إقامة لجان شبيهة، تربط ما بين وزارة الطاقة، ووزارة الزراعة، وتطوير القرى، ووزارة التعاون الإقليمي، مع نظرائها في المغرب. تستطيع هذه اللجان رصد فرص التعاون، وطرح حلول للمشاكل، وكذلك ترتيب مؤتمرات تجارية.
- وختاماً، من المهم توسيع التعاون الاقتصادي، وبحث الجاهزية لبناء مبادرات مع دولة ثالثة. الإمكان الأول هو التعاون مع الإمارات. ففي الأعوام الأخيرة، توطدت العلاقات ما بين الإمارات والمغرب - ولقد جرى التعبير عن هذا التوجه من خلال الدعم السياسي في قضايا مركزية وتطوير العلاقة التجارية. العلاقات الجيدة التي تتطور ما بين إسرائيل والإمارات، وبصورة خاصة في المجال الاقتصادي، من شأنها الدفع قدماً بتعاون ثلاثي، يدمج ما بين التكنولوجيا الإسرائيلية وخبراء وأيدٍ عاملة من الدول الثلاث.