الجيش يتدرب على مناورة برية واسعة؛ لكن المستوى السياسي لا يثق به
تاريخ المقال
المصدر
- بعد شهرين على عملية "حارس الأسوار"، اجتمع العشرات من الضباط في الجيش النظامي والاحتياطي في لقاء هدف إلى عرض النتائج والاستخلاصات والقراءات الأولية للعملية. ضابط كبير وقف أمام الجميع وشرح كيف يقدّر الجيش أن 300 "مخرب" قُتلوا خلال عملية ضرب الأنفاق في غزة، العملية ذاتها التي هدفت إلى ضرب "المترو" - شبكة أنفاق "حماس" في عمق القطاع. جاء هذا، بينما سرّبت قيادات أُخرى في الجيش للصحافة أنه قُتل في العملية بضع عشرات فقط.
- مصدر كبير في الجيش يصف هذا الحدث بأنه صورة مصغرة لظاهرة أوسع منتشرة في الجيش: هيئة الأركان تستثمر أقل في الجوهر. من الممكن أن يكون هناك مَن يحاول ترتيب الأمر بشكل يؤثر في الوعي ورؤية الواقع، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الواقع ينتصر على الصورة في نهاية المطاف، وما لم تحضّره جيداً لن ينجح. وفي سياق التدريبات الحربية الأكبر التي يجريها الجيش في هذه الأيام، من المهم دراسة ما إذا كان الاتجاه، الذي يدفع إليه رئيس هيئة الأركان، قادراً على تحقيق ما يُسمى "الحسم في ساحة المعركة".
- إلى جانب حقيقة إقامة إدارة جديدة للأهداف تقوم بوضع بنك الأهداف وتحضيره للقصف في غزة ولبنان، مع قدرة عالية على القصف من الجو والبحر، يبقى السؤال عن تفعيل مناورة برية هو الأبرز. هل يقوم الجيش بخلق توقعات مبالَغ فيها في أوساط الجمهور ومتّخذي القرار بشأن قدراته على خوض عملية برية بشكل فعال؟ هل يستثمر الجيش في قدرات لن يحتاج إليها؟ وأين عليه أن يستثمر؟
- بتوجيهات من قائد هيئة الأركان، تم بناء قوة كبيرة، الفرقة 98. الهدف من هذه الفرقة هو القيام بعمليات إنزال قوات خلف صفوف العدو، تقاتل وتنجو. والسؤال: هل الخطط العسكرية في سياق تفعيل الفرقة قابلة للتطبيق، وما الهدف من تفعيل قوة كبيرة كهذه من الجنود، على بُعد كبير كهذا داخل أراضي العدو؟ هل هذه القوة قادرة على ضرب مراكز قوة "حزب الله" والبقاء في قيد الحياة؟ هل تستطيع هذه القوة وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل؟ وهل من الصحيح استثمار هذه الأموال كلها في الفرقة 98؟
- من المهم إدخال العدو في دوامة، كما حدث خلال ضرب الـ"مترو" في غزة: من الممكن أن يفكروا في "حماس" مرتين قبل النزول إلى الأنفاق، خوفاً من القصف، لكن المسافة كبيرة بين هذا وبين أن تقول لنفسك أنك حسمت عقيدة قتال الحركة. المستوى السياسي، الذي يقلل من انتقاداته للجيش، لا يثق بعملية برية واسعة: يخاف ألّا ينجح الجيش في هذه المهمة، وهذا ما رأيناه، من لبنان، وصولاً إلى عملية "الرصاص المصبوب" في غزة. يخافون من أعداد الإصابات العالية وتأثير هذه الأرقام في الجمهور في الجبهة الداخلية.
- التدريب العسكري الأكبر للجيش، "مركبات النار"، دخل أسبوعه الثالث من أصل أربعة أسابيع يوم الأحد. في هذا الأسبوع، ستتدرب القوات على حرب شاملة - في لبنان، وغزة، بالإضافة إلى حوادث "إرهاب" في الضفة واحتجاجات داخل المدن المختلطة في إسرائيل. الجيش يعرف كيف يتصرف في "جبهة ونصف": هجوم جدي في جبهة واحدة، ودفاع قوي في أُخرى، "هجوم تدريجي". لكن في حالات مركّبة أكثر، كما يحدث في التدريب هذه المرة، فإن الجيش لا يمكنه الاكتفاء بذلك.
- هذا الوضع سيؤثر في طريقة تفعيل القوة النارية. لن يكون من الممكن ضمان دقة كل صاروخ وكل قذيفة، مجموعات سكانية كبيرة ستكون مرغَمة على النزوح من مناطق الحرب، وبعدها سيكون هناك قوة نارية عالية جداً. غير ذلك، لن يكون هناك قدرة على الحسم مقابل العدو، إيقاف القصف، أو تقليل سقوط الصواريخ على الجبهة الداخلية. وهذا قبل الحديث عن "اقتصاد المخزون": ما هي كمية الصواريخ الذكية والصواريخ الاعتراضية في القبة الحديدية، والصواريخ العادية الموجودة في المخازن؟ وكم تمنح هذه الكمية الجيش الإسرائيلي وإسرائيل القدرة على الاستمرار في الحرب؟
- وإذا صدر قرار المناورة البرية، حينئذ، إلى أين ستتوجه؟ ما هي القدرات القادرة على تنفيذها كما تنص الخطة العسكرية؟ مَن راقب تدريبات الجيش خلال العقد ونصف العقد الماضيين، يرى تغييرات في الأهداف، وفي مدى المناورة. هذا ليس غائباً عن عيون صنّاع القرار. فالحرب في أوكرانيا تشير إلى الكثير من العبر بشأن جيش يقوم بمناورة، محاور لوجيستية، والمواجهة مع حرب عصابات منتشرة. هذه أسئلة كبيرة ومعقدة. صحيح أن الجيش سيتدرب، ويتدرب على السيناريوهات الأكثر صعوبة - هذه هي مهمته. لكن سيكون من الصواب ملاءمة التوقعات مع المجتمع والقيادة. في حال نشوب حرب كبيرة، سيبدو الواقع مختلفاً أكثر مما يراه المواطنون. رؤى وحقائق ستنهار أمام أعيننا.
الكلمات المفتاحية