التهديد الإيراني: يجب التركيز على الخطر الذي يمكن معالجته
تاريخ المقال
المصدر
- يجب أن نطرح كل الأمور على الطاولة: إسرائيل غير قادرة على شن معركة ضد إيران للقضاء على برنامجها النووي. هذا الخيار موجود في الأساس في ستوديوهات وسائل الإعلام. وهو بالطبع موجود في الحديث السياسي لكبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، الذين يدّعون أن لإسرائيل حرية التحرك وأن لديها خياراً عسكرياً، وذلك على خلفية استئناف المفاوضات النووية،
- قد يكون هذا الموقف الرسمي العلني بديهياً وجزءاً من اللعبة السياسية، إذ لا تستطيع إسرائيل إرسال صورة ضعف أو انهزام إلى الخارج. وعليها إظهار تصميم وحزم إزاء التهديد النووي الاستراتيجي البعيد المدى.
- عملياً، حرب علنية مع إيران هي ليست فقط أمراً كبيراً حتى بالنسبة إلى قوة إقليمية كبيرة في الشرق الأوسط، بل ثمة شك في أن إسرائيل التي ترغب في الاستقرار والازدهار الاقتصادي ستكون قادرة على تحمّل نتائج مثل هذه المعركة، في الأساس أن تواجه في اليوم التالي لها واقعاً مزمناً من تعرُّض مدنها إلى القصف بواسطة مسيّرات وصواريخ بعيدة المدى. حينها، ستكون قدرة التحمل المحدودة لمواطني الدولة صدى للمشاعر التي عرفناها حيال قيود الكورونا.
- إلى جانب هذه الأخبار السيئة بشأن نطاق الاحتمالات العسكرية المحدودة حيال إيران، هناك صورة استراتيجية غير مريحة. الولايات المتحدة التقدمية لن تقوم بالعمل الأسود محل إسرائيل وتدمر المنشآت النووية الإيرانية، على الرغم من أنها الوحيدة القادرة على النجاح في هذه المهمة، وكما يبدو حتى الآن، فإن إدارة بايدن هي الأسوأ بالنسبة إلى إسرائيل حتى مقارنةً بإدارة أوباما.
- النفور الأميركي من أي تدخل في الشرق الأوسط ورغبة الإدارة الأميركية في سحب يديها من الاهتمام بهذه المنطقة، على غرار نموذج الانسحاب المتسرع من أفغانستان، هو الذي يوجهها مباشرة نحو اتفاق نووي جديد مع طهران. وهذا الاتفاق لن يحوّل إيران إلى دولة على عتبة النووي فقط، بل سيحررها من نظام العقوبات الذي فرضه الرئيس السابق دونالد ترامب، الأمر الذي سيجعلها بالتأكيد قوة إقليمية عظمى بكل معنى الكلمة.
- في مثل هذه الظروف تبذل إسرائيل جهداً أخيراً، وتقريباً يائساً، لمنع هذا السيناريو؛ ولمزيد من الدقة، استغلال الوقت القليل القصير المتبقي. لكن تحديداً بسبب الاحتمالات العسكرية المحدودة، وبسبب الاتجاه الذي تسير فيه إيران التي تعوّد المجتمع الدولي على حقيقة تحوُّلها إلى دولة على عتبة النووي، المطلوب تفكير جديد في الاستراتيجيا العامة لإسرائيل في هذا الموضوع.
- إيران كدولة على عتبة النووي ليست أمراً مستحباً. لكن التهديد الذي تشكله لا يقتصر على إمكان استخدام نظام آيات الله الإسلامي سلاحاً نووياً ضد إسرائيل بصورة فعالة ومباشرة. هذا السيناريو متطرف لأن إسرائيل ستنتهج في مثل هذه الحالة سياستها في الردع النووي، ومعقولية حدوث ذلك ضئيلة جداً.
- المخاطر الحقيقية الناجمة عن تحوُّل إيران إلى دولة على عتبة النووي ناجمة عن توسُّع نطاق حرية عملها الإقليمي، وفي الأساس استخدام المظلة التي تمنحها للاعبين يزعزعون الاستقرار في الجوار، مثل حزب الله في لبنان و"حماس" في قطاع غزة. وهما موجودان بالقرب من حدود إسرائيل ويهددان أمنها بصورة دائمة، وفي الأساس من خلال سلاح الصواريخ التقليدي.
- إن تحوُّل إيران إلى دولة على عتبة النووي لن يؤدي فقط إلى تآكل الردع الإسرائيلي، بل سيزيد استعداد هذه الأطراف لتحدّيها بصورة دائمة، ويمكن أيضاً أن يحول المواجهة الإسرائيلية مع الذين يزعزعون الاستقرار إلى واقع أمني صعب بصورة مضاعفة.
- ساعة الرمل الإسرائيلية تتحرك من خلال محورين زمنيين يحددهما نوعان من التهديدات. الأول، الزمن المتبقي كي تصبح إيران دولة على عتبة النووي؛ الثاني، الزمن المتبقي حتى يصبح في إمكان الجهات التي تنتمي إلى المعسكر النشط في المنطقة الذي يهدد إسرائيل مباشرة الحصول على مظلة استراتيجية إيرانية.
- في هذه الأثناء تقف إسرائيل في مواجهة هذا التحدي المزدوج من دون أن يكون لديها الوسائل الناجعة لمواجهة الخطر النووي الإيراني، لكن بالتأكيد لديها الوسائل لمواجهة التهديد الثاني الذي سيحدد الواقع الأمني في الشرق الأوسط في اليوم التالي للقنبلة.
- تفكيك هذا التهديد، أو على الأقل أجزاء منه، هو نوع الاستراتيجيا التي لم يجر حتى الآن درسها بجدية في إسرائيل، والمعضلة لا تتمحور فقط على مسألة إمكان مهاجمة إيران، بل في الاختيار بين الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، وبين البديل، أي تحييد التهديدات المباشرة التي تتعرض لها إسرائيل، والتي يمكن أن تتحول إلى مشكلة أصعب عندما تخطو إيران خطوة لا عودة عنها.