في الذكرى السنوية الثلاثين لمؤتمر مدريد للسلام، إسرائيل ملزمة بتحقيق حسم ما في الموضوع الفلسطيني
تاريخ المقال
المصدر
- مرّت قبل نحو شهر الذكرى السنوية الثلاثون لمؤتمر مدريد للسلام الذي يوصف بأنه أحد العلامات المركزية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث عموماً والنزاع الإسرائيلي- العربي خصوصاً، وذلك من دون أي احتفالات في إسرائيل والعالم العربي أو الولايات المتحدة، وعملياً من دون أي ذكر تقريباً. ولا شك في أن الفجوة بين الصورة العظيمة الأهمية التي تمنحها كتب التاريخ لهذا المؤتمر وبين التجاهل الجارف للحدث تعكس الهوة التي نشأت على مدار ثلاثة عقود بين الآمال التي كانت في الماضي وبين الواقع القائم في الحاضر.
- عُقد هذا المؤتمر برعاية وتحفيز أميركيين فور انتهاء حرب الخليج الأولى [1991]، وذلك في ظل محاولة استغلال الواقع الناشئ مع نهاية الحرب الباردة أيضاً من أجل تصميم شرق أوسط جديد وأكثر استقراراً، يقوم على أساس اتفاقات سياسية تحت هيمنة أميركية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها معاً معظم زعماء المنطقة تحت سقف واحد. وتضمّن الحدث مشاهد غير مألوفة مثل حضور مشترك لرئيس الحكومة الإسرائيلية السابق يتسحاق شامير ووزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع في القاعة ذاتها (تبادل الزعيمان في خطاباتهما ضربات لفظية ذكر الشرع في ذروتها ماضي شامير في منظمة "ليحي" ووصفه بأنه "إرهابي")، أو مشاركة مندوبين فلسطينيين في إطار الوفد الأردني، مع توضيح أنهم يأتمرون بإمرة منظمة التحرير الفلسطينية.
- لم يسفر المؤتمر نفسه عن أي اتفاقات. غير أن الحدث جسّد بداية عقد سياسي وُقّعت في ذروته اتفاقات سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين والأردن، وجرت مفاوضات غير مسبوقة بين إسرائيل وسورية لم تنجح في نهاية المطاف.
- كانت في حينه ثلاثة أهداف استراتيجية في مركز جدول الأعمال الذي سعت الولايات المتحدة لتكوينه في الشرق الأوسط سنة 1991. ويمكن القول من النقطة الزمنية الراهنة إن اثنين منها باءا بالفشل وسجّل واحد نجاحاً.
- إن الإنجاز الوحيد كامن في تحقيق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وهي مسيرة سجلت ذروة في الأعوام الأخيرة عقب توقيع "اتفاقيات أبراهام". والهدفان اللذان فشلا هما محاولة إقامة سلام أميركي (Pax Americana)، والذي انهار في العقد الأخير على خلفية انسحاب الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان، ومحاولات وضع حدّ للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
- في نهاية سنة 2021 لا يمكن لإسرائيل أن تواسي نفسها بأن هدفاً واحداً على الأقل من الأهداف العليا الثلاثة لمؤتمر مدريد قد تحقق. فمسيرة التطبيع مع العالم العربي (التي تترافق مع الكشف عن "أسقف زجاجية" تتخذ شكل مصاعب في فتح حوار بين المجتمع في إسرائيل والمجتمعات في معظم العالم العربي) هي ذات أهمية استراتيجية، لكن ليس فيها ما يكفي لمنح إسرائيل استقراراً وأمناً في المدى البعيد.
- وبالنسبة إلى الفشلين في المؤتمر، ليس لإسرائيل أي قدرة على مساعدة الولايات المتحدة في مساعيها العبثية لتغيير وجه الشرق الأوسط من خلال دول قومية مستقرة ونظام ديمقراطي، وهو الهدف الذي تمسك به كل الرؤساء الأميركيين في الأعوام الثلاثين الأخيرة وفشل كل واحد منهم بطريقته. مع ذلك، فإن إسرائيل قادرة على تحقيق حسم ما في الموضوع الفلسطيني، بل ملزمة به. غير أن أعواماً طويلة من المواجهات الحادة بين الطرفين والجمود السياسي والانقسام الداخلي في الساحة الفلسطينية، أمور كلها أدت إلى فقدان الثقة بالقدرة على إحلال تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، وإلى يأس دولي من الموضوع. وبدلاً من السعي لحل سياسي، دخلت على مدار الأعوام مقاربات على غرار "إدارة النزاع" و"السلام الاقتصادي" التي قد توفر هدوءاً في المدى القصير، لكنها تترافق عملياً مع اندماج بين المجتمعين، ولا سيما في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وتوجههما نحو واقع الدولة الواحدة.
- بعد ثلاثة عقود من بدء المسيرة السياسية في الشرق الأوسط ، بحسب ما جرى التعبير عنها في مؤتمر مدريد، تضاءلت احتمالات تحقيق تسوية إسرائيلية - فلسطينية تقوم على أساس رؤيا الدولتين ضمن حدود 1967، في المدى المنظور على الأقل. ومع ذلك، لم يتوصل الطرفان بعد إلى نقطة اللاعودة في كل ما يتعلق بالفصل الجغرافي، والذي من غير الضروري والمحتم أن يتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بل في إقامة حكم ذاتي ذي حدود جغرافية واضحة. إن الهدوء النسبي القائم في مناطق يهودا والسامرة في أثناء العقد الأخير ليس دليلاً على أن لا حاجة إلى الوصول إلى حسم في الموضوع الفلسطيني، بل على اندماج زاحف بين إسرائيل والفلسطينيين سيؤدي إلى حياة مشتركة، لكنها ممتلئة بالعداء بين المجتمعين، وينطوي على احتمال انفجار أشدّ مما كان عليه في الماضي.