ملك الأردن خائف
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • الأميرة بسمة بنت طلال، شقيقة الملك حسين وعمة الملك عبد الله، عرفت منذ سنة 2013 أن الساطور مسلط فوق رأسها. حينها، وكجزء من حملة هجومية للقضاء على الفساد، كشفت اللجنة البرلمانية لمحاربة الفساد أن زوج الأميرة وليد الكردي الذي كان يترأس شركة مناجم الفوسفات في المملكة، استغل منصبه وقام بأعمال فساد تقدّر بعشرات ملايين الدولارات.
  • عشية استدعائه للشهادة أمام اللجنة البرلمانية غادر الكردي الأردن ولجأ إلى لندن، حيث يقيم حتى الآن. حُكم عليه غيابياً بالسجن 37 عاماً وغرامة قدرها 379 مليون دولار. ومنذ ذلك الحين تطالب المملكة باسترداده من دون نجاح، لكن من المحتمل في المرحلة القريبة أن تجري بلورة صفقة تسمح للكردي بالعودة إلى الأردن والاجتماع بعائلته. ليس واضحاً ما هو مضمون الصفقة، لكنها من المفترض أن تحافظ على كرامة المملكة، أي كرامة الملك، وأيضاً ألاّ يؤدي ذلك إلى صدع داخل العائلة الملكية. وهذه مهمة ليست بسيطة بالنسبة إلى عبد الله الذي يواجه انتقادات عامة حادة بسبب طريقة إدارته المملكة، وفي الوقت الذي يُتهم هو وأبناء عائلته المقرّبون، وبينهم زوجته رانيا، بالفساد وانتهاك الدستور.
  • بدأت المصاعب الأخيرة في كانون الأول/ديسمبر، عندما تظاهر آلاف المواطنين الأردنيين ضد رفع أسعار الوقود، ووصلت معدلات البطالة إلى 19%، مع غياب أفق اقتصادي. وفي شباط/فبراير نشر الوزير السابق أمجد هزاع المجالي رسالة إلى الملك حادة بصورة خاصة، وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، طالبه فيها "باتخاذ خطوات عملية وفعالة لمحاربة الفساد وتوقيف الفاسدين، بينهم من هم في الوسط الفاسد المقرب منه". بالإضافة إلى ذلك، طالب المجالي باستعادة خزينة الدولة الأموال التي نُهبت، واتهم الملك بأنه هو "الذي يحمي نموذج حكم سياسي واقتصادي قائم على الفساد والاستبداد".
  • المجالي، ابن مَن كان رئيساً للحكومة الأردنية في ستينيات القرن الماضي، وإبن عائلة حابس المجالي، رئيس أركان الجيش الأردني لأكثر من 20 عاماً، وكان هو نفسه مستشاراً مقرباً من الملك حسين - وينتمي إلى ما يُسمى "الحرس القديم" - أي النخبة "الأصيلة" والثريّة التي ما تزال تجد صعوبة في استيعاب حقيقة أن الزمن تغير، وأن الملك لم يعد ذلك الشاب الذي كان في الـ36 من عمره عندما تُوّج، وأن قدرتها على التأثير المباشر في اتخاذ القرارات آخذة في التقلص خلال عقدين من حكمه.
  • لكن هذه النخبة ما تزال قادرة على التسبب بعدد غير قليل من المشكلات للملك. زعاماتها تنتمي إلى عائلات لها جذور أو إلى عشائر كبيرة وأصحاب أموال، وكان لها طوال أجيال علاقات متبادلة مع القصر الملكي. جزء منها ما يزال قريباً من الملك، وآخرون يدّعون أنهم ذوو نفوذ ولديهم جميعاً صالونات سياسية في منازلهم، يقومون فيها بذبح البلاط الملكي وتقطيعه شلواً شلواً.
  • صالونات النخبة ليست ظاهرة جديدة. فقد كانت تُستخدم كمكان يجري التخطيط فيه لتحركات سياسية واقتصادية، وكان يجتمع فيها فلول قدامى كبار الموظفين، بينهم وزراء وقدامى ضباط الجيش، ومنها عاد بعضهم إلى الوظائف الكبيرة. التغيرات الحكومية المتعاقبة التي قام بها الملك حسين، والسياسة التي أورثها لابنه عبد الله، هما اللذان غذّيا بكثرة  هذه "الملاجىء السياسية" التي تراكمت فيها طبقات من المرارة والإحباط ونفاذ الصبر. التهديد المباشر هو أن العلاقات الوثيقة بين كبار المسؤولين الذين طُردوا وبين كبار المسؤولين العاملين يمكن أن تؤدي، في ظروف مؤاتية، إلى انقلاب في البلاط الملكي. بصورة عامة، الحل هو جولة إضافية من الإقالات والتعيينات، بغرض زعزعة هذه العلاقات، والتوضيح أن "مؤامرة" - حقيقة أو متوهمة - كُشفت.
  • في الشهر الماضي نشرت صحيفة "القبس" خبراً مذهلاً مفاده أن "المملكة نجت من مؤامرة خطرة" هدفها زعزعة المملكة من خلال تحريك الشارع الأردني وتوسيع الانتقادات الموجهة إلى الملك بسبب أسلوبه في تعيين رئيس حكومته ومعارضته صفقة القرن لدونالد ترامب. رد الملك كان سريعاً: استبدال 6 وزراء في حكومة عمر الرزاز، وإقالة رئيس الاستخبارات، عدنان الجندي، وتطهير الجهاز الرفيع المستوى في القصر الملكي، وطرد كبار المسؤولين في الاستخبارات، بحجة إقامة علاقات مع أعضاء البرلمان وشخصيات أردنية "للمسّ بأمن الدولة".
  • التقدير في الأردن هو أن هذه الخطوات اتُخذت بهدف استباق الشر المتمثل في "صفقة القرن" التي يتخوف الملك من أنها تريد تحويل المملكة إلى دولة فلسطينية بديلة. وبحسب التقدير، فإن كبار مسؤولي الاستخبارات الذين أُبعدوا هم من مؤيدي الصفقة، وثمة شك في أنه جرى "استخدامهم" من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لتغيير موقف الملك. دليل على هذا الشك وجده المعلقون الأردنيون في الرسالة التي نشرها الملك عبد الله بمناسبة تعيين رئيس الاستخبارات الجديد، والتي كتب فيها" عناصر قليلة في الاستخبارات حاولت استغلال موقعها للدفع قدماً بمصالحها الشخصية على حساب المصلحة العامة".
  • التوتر بين الملك والاستخبارات هو دائماً مكون ثابت في ميزان القوى الداخلي، لكن هذه المرة يبدو أن الغرض من هذه الخطوة أيضاً إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة، وربما أيضاً إلى إسرائيل، بأن تعاونهما العسكري مع المملكة وثيق، لكن العلاقات السياسية تعاني مشكلات عميقة.