· كما هو مألوف في إسرائيل، انبرى المحللون والمعلقون والخبراء الاستراتيجيون والباحثون عن التقصيرات وغيرهم ليقدموا تحليلاتهم وتصوراتهم واستنتاجاتهم في شأن الحرب الأخيرة. وقد حان الوقت لتفحص بعض الحقائق التي تم إسماعها:
· "إنجازات الحرب المتواضعة ستؤدي إلى تجدّدها في القريب":
هناك احتمال كبير في أن يثبت خطأ هذا الادعاء الذي يتكرر كثيراً، وفي أن تكون السنوات القريبة بالذات هادئة على الحدود الشمالية.
فـ"التعادل" الذي يقال إن الحرب تمخضت عنه يتيح للعدو (أي "حزب الله") الادعاء بتحقيق انتصارات، واستغلال ذلك لممارسة تأثير ونفوذ سياسي، في حين أن تجدّد القتال سيفسد عليه هذه الإمكانية. من هنا نلاحظ الحذر الشديد الذي يبديه "حزب الله" منذ الساعات الأولى لوقف العمليات العسكرية. في المقابل، علينا أن نتذكر أن الانتصارات العسكرية (الإسرائيلية) في حرب "الأيام الستة" (حزيران/ يونيو 1967) أفضت في غضون شهرين إلى اندلاع حرب جديدة (حرب الاستنزاف)، في حين أدت تقصيرات وإخفاقات حرب "يوم الغفران" (1973) إلى توقيع اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن.
· "هناك حاجة إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية يعينها قاض من أجل تصحيح الأخطاء":
نجحت لجنتان من هذا النوع، شكلتا عقب حربي 1973 و 1982، في التوصل إلى استنتاجات بحق شخصيات رسمية، لكنهما لم تنجحا في إحداث أي تغيير استدعته عِبَر ودروس الحرب. وعادة فإن لجان التحقيق تفسح المجال لصراعات بين السياسيين، ولا تقدم أية خدمة أو فائدة للحلول المطلوبة.
· "سلاح الجو لم يحسم ولا يمكنه أن يحسم أي حرب":
في كوسوفو حُسمت الحرب دون أية حاجة إلى حرب برية. وحسم احتلال العراق (على يد الأميركيين وحلفائهم) بعد قصف جوي استغرق شهراً، وبعد ذلك فقط تمكنت الدبابات من شق طريقها دون تكبدها خسائر تذكر. لكن من السخف أو العبث توقع تحقيق حسم عسكري على غرار كوسوفو في أية حرب معاصرة. باستطاعة سلاح الجو أن يكون عاملاً حاسماً في الحرب فقط بمشاركة جميع أذرع القتال، بما في ذلك البرية، وقد تحقق ذلك إلى حد كبير في حرب "الأيام الستة" أيضاً.
· "أهداف الحرب مبالغ فيها":
أثارت تصريحات إيهود أولمرت وعمير بيرتس خلال الأسبوع الأول من الحرب توقعات لا يمكن تحقيقها. موضوع الأهداف نوقش كثيراً، على مر التاريخ الإسرائيلي، في هيئة الأركان العامة، وقد ثبت أن المستوى العسكري لم يتلق في أية مرة تقريباً تعليمات وتحديدات واضحة بشأن أهداف الحرب.
· "لم تنجح أية دولة في القضاء على منظمة إرهابية":
هذا الطرح لا يثبت التاريخ صحته. فالنجاح في عزل المنظمة الإرهابية عن الجمهور أو الجماهير التي "تعمل" من أجلها، يؤدي بالضرورة إلى "تجفيف" مثل هذه المنظمة أو اختفائها من الوجود، وكذلك الأمر عندما لا تكون لديها زعامة قادرة، أو عندما تتوصل إلى قناعة بأن لديها فرصة في تحقيق هدفها دون ممارسة الإرهاب. هذا ما حصل مثلاً مع منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" بعد سنوات طويلة من القتال. هذا لا يعني أن الأمر سيتكرر في حالات أخرى.
· "الإرهاب أو إطلاق الصواريخ يمكن منعه فقط عن طريق عمليات تقوم بها قوات برية":
لقد مضى على وجودنا في المناطق (الفلسطينية) المحتلة قرابة أربعة عقود ومع ذلك ما زال فيها "إرهاب" وما زالت هناك صواريخ تطلق منها. حلول اليوم هي حلول متضافرة، والفصل بين الجو والبر أمر ينتمي إلى الماضي.
· "رئيس الأركان عزل أثناء الحرب قائد المنطقة الشمالية":
مجرد لغو فارغ. خلال حرب لبنان (1982) لم يذهب رئيس الأركان نهائياً إلى مقر هيئة الأركان العامة، بل وجد طوال الوقت في مقر قيادة المنطقة الشمالية أو في ميدان القتال، حيث تدخل تقريباً في كل أمر أو توجيه، دون أن يؤدي ذلك إلى "عزل" قائد المنطقة أو منعه من القيام بدوره. في هذه المرة لم يتصرف رئيس الأركان "الجوي" (في إشارة لدان حالوتس الذي كان قبل توليه رئاسة الأركان قائداً لسلاح الجو) بنفس الطريقة وإنما أوفد إلى ميدان الحرب نائبه رجل القوات البرية الأبرز.
· "لا يوجد لدينا حل لمواجهة إطلاق الصواريخ على البلدات":
منذ عشرين عاماً وهذا الموضوع محل أولوية.... تمكنا من إعداد وتهيئة حلول في مواجهة الصواريخ بعيدة المدى، المتوقعة في نطاق التهديد السوري. ومع أن الحلول في مواجهة الصواريخ قصيرة المدى ومتوسطة المدى تعتبر مكلفة جداً، إلاّ أنها ممكنة ضمن التقنيات العصرية.