هل تخوض مجموعة الدول العظمى الخمسة زائد واحد حملة من أجل نزع الشرعية عن الخيار العسكري ضد إيران؟
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
مدخل
- رداً على الانتقادات العلنية الموجهة إلى اتفاق جنيف، يميل رؤساء دول مجموعة الخمسة +1 إلى الإعراب عن تفهمهم للشك السائد في إسرائيل ودول أُخرى في المنطقة بالنسبة لمدى صدق إيران في الوفاء بتعهداتها الواردة في الاتفاق. ومع ذلك، يشددون على كون هذا الاتفاق مرحلياً ومحدوداً، وعلى أنه يهدف إلى خلق مناخ مؤاتٍ أكثر لمحادثات الحلّ الدائم مع إيران بشأن مسألة نشاطها النووي.
- وعلى الرغم من ذلك، من الصعب فهم مظاهر الفرح والمودة تجاه المندوبين الإيرانيين التي غمرت قادة مجموعة الخمسة +1 بعد التوقيع على الاتفاق. ومن الصعب افتراض أن مندوبي دول مجموعة الخمسة +1 لم يدركوا أن تصرفاً كهذا يتضمن رسالة فحواها أنه طرأ تغيير جوهري على العلاقة بإيران عقب الاتفاق.
- ومن الآن فصاعداً- فإن ما يوحي به تصرف دول مجموعة الخمسة +1 حتى وإن لم تكن هذه نيتها - أنه ينبغي النظر إلى إيران كدولة آخذة في الانخراط في "أسرة الشعوب"، وكطرف يساهم في حلّ الأزمة أكثر من كونه الطرف المسؤول عنها في المقام الأول. وعملياً، فإن الدلالة الاستراتيجية لهذا التصور هي أن إيران تبتعد عن صورة الدولة المتطرفة والمنعزلة التي يجب ومن المشروع العمل ضدها بوسائل عسكرية ضمن ظروف معينة.
تصريحات منددة بالخيار العسكري
- منذ توقيع الاتفاق، كثرت تصريحات رؤساء دول مجموعة الخمسة+1 وعلى وجه الخصوص الرئيس [الأميركي باراك] أوباما، ضد طرح الخيار العسكري حيال إيران بوصفه خياراً واقعياً. بل أكثر من ذلك، فقد سعى الرئيس أوباما جاهداً وفي كل خطاب ألقاه تقريباً، إلى توجيه الانتقاد الحاد ولو الضمني، للشخص الذي يجري تصويره على أنه يروّج لاستخدام الخيار العسكري- ألا وهو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
- تدل هذه التصريحات بوضوح على أن دول مجموعة الخمسة +1 ترفض الرسالة المتضمَّنة في تصريحات منتقدي الاتفاق وعلى رأسهم نتنياهو، ومفادها أن إيران تنظر إلى مشروعها النووي على أنه مصلحة قومية عليا، وهي بالتالي لن توافق على التخلي عن تحقيقه إلا إذا أيقنت بوضوح أن هناك "سيفاً حاداً" مصلتاً فوق رأسها، وبكلام آخر – [إذا أيقنت] أن هناك خياراً عسكرياً قائماً بالفعل، وأن الإدارة الأميركية مصمّمة على استخدامه إذا لم تستجب إيران لمطالبها. غير أن تصريحات رؤساء دول مجموعة الخمسة+1 تعبير قاطع عن طريقة تفكير مختلفة كلياً.
- فحتى قبل توقيع الاتفاق، تكبّد الرئيس أوباما عناء توضيح تحفظاته من الخيار العسكري، وتأكيده منح الأولوية العليا للتوصل إلى تسوية بالطرق السلمية. فقد أوضح في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 أن الولايات المتحدة تفضل أن تكون إيران هي التي تقرر بأنها لا ترغب في الحصول على الأسلحة النووية، وأن تقوم الولايات المتحدة بالتحقق من ذلك فقط. ولم يكتف الرئيس أوباما بذلك، بل تكبد عناء التشديد على المخاطر البديهية التي ينطوي عليها العمل العسكري عندما قال: "لا يهم مدى قوتنا العسكرية، فإن الخيارات العسكرية تؤدي دائماً إلى فوضى (messy)، وهي دائماً صعبة، ولها دائماً عواقب غير محسوبة".
- وتوسّع الرئيس أوباما في التشكيك في التوقعات المعقودة على الخيار العسكري ضد إيران، فجادل قائلاً إنه ليس هناك ما يؤكد على الإطلاق أن الخيار العسكري سينجح في وقف نشاط إيران النووي، بل من الممكن أن يدفع إيران إلى تسريع نشاطها في هذا الاتجاه "بعزم أكبر" (more vigorously).
- وتبعث هذه التصريحات رسالة واضحة هي التالية: حتى لو تكللت الضربة العسكرية "بالنجاح"، فليس من المؤكد أن تردع إيران عن مواصلة نشاطها النووي بكل طاقتها. وتتضمن هذه التصريحات رسالة مبطنة موجهة إلى إسرائيل: إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية التي تفوق بكثير قدراتها العسكرية قدرات إسرائيل، تشكّ في نتيجة ضربة عسكرية ضد إيران، فيجدر بإسرائيل أن تكون أكثر تشكيكاً.
- وفي خطابه في 23/11/ 2013، كرّر الرئيس هذه الفكرة الرئيسية، فقال: "في نهاية المطاف، وحدها الدبلوماسية يمكن أن تؤدي إلى حلّ دائم للتحدي الذي يمثله برنامج إيران النووي. وبصفتي رئيساً وقائداً أعلى للقوات المسلحة، سأقوم بما يلزم لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي". ففي هذا التصريح الذي يوحي بأن الرئيس الأميركي يحاول تمييز نفسه عن زعماء آخرين (والمقصود على الأرجح نتنياهو)، قال أوباما ما يلي: "على عاتقي مسؤولية جسيمة في محاولة حلّ خلافاتنا بالطرق السلمية، بدلاً من زجّ أنفسنا في نزاع مسلح".
- وفي خطاب ألقاه في 25/11/2013، كرّر الرئيس أوباما رسالة موجّهة على الأرجح إلى رئيس الحكومة نتنياهو فقال: "لا نستطيع إغلاق الباب أمام الدبلوماسية"، مضيفاً وسط تصفيق الحضور "لا يمكننا أن نستبعد الحلول السلمية لمشكلات العالم. ولا يجوز أن نربط أنفسنا بحلقة ليس لها نهاية من النزاعات. إن الكلام القاسي وإحداث الضجيج هما الأسهل من الناحية السياسية، لكنهما ليسا الأمر الصحيح من أجل ضمان أمننا".
- وفي اليوم التالي [في 26/11/2013]، أكد الرئيس الأميركي مجدّداً التزام الولايات المتحدة بمنع إيران من حيازة قدرات نووية. وفي الوقت عينه، سلط الضوء على زيارته للمركز الطبي العسكري القومي Walter Reed National Military Medical Center حيث عاد جنوداً شباناً أُرسلوا إلى القتال من أجل بلدهم فدفعوا الثمن الباهظ، فخاطبهم قائلا: "سأفعل ما بوسعي من أجل حلّ هذه المسائل من دون اللجوء إلى نزاع عسكري". وأضاف الرئيس أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة، "هذه ليست مناورات ولا ألاعيب في السياسة. إن ما هو على المحك مهم جداً. ونحن [ربما خلافاً لبلدان أخرى]، عندما نتخذ هكذا قرارات، لا نتخذها لأغراض نفعية في السياسة ولا نتخذها على أساس ما قد يكون عنواناً رئيسياً جيداً في نشرة أخبار اليوم أو الغد".
- وكان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أكثر صراحةً لا بل تهديداً عندما حذّر من أن ضربة عسكرية ضد إيران قد تخرّب الاتفاق الحالي، فشدّد قائلاً إن بريطانيا "ستحذّر أياً كان في العالم، بما في ذلك إسرائيل، من اتخاذ خطوات من شأنها أن تقوّض هذا الاتفاق"، مضيفاً "إننا سنوضح هذا الأمر لجميع المعنيين".
- وحذّر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس هو أيضاً من استخدام الخيار العسكري، ففي مقابلة إعلامية في 25/11/2013، أعرب عن اعتقاده أن الاتفاق مع إيران من شأنه في نهاية المطاف أن يعزّز أمن البلدان في هذه المنطقة. ورداً على سؤال حول احتمال توجيه ضربة استباقية إسرائيلية ضد إيران خلال الأشهر الستة القادمة، أجاب قائلاً: "ليس في هذه المرحلة، كلا، لأن ذلك لن يتفهمه أحد".
خاتمة
- يظهر ما سبق أن تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المتكررة بأن إسرائيل لا تعتبر نفسها ملزمة بالاتفاق المبرم مع إيران فضلاً عن انتقاده الحاد للاتفاق، هي التي دفعت دول مجموعة الخمسة +1 إلى طرح مخاوف من الضربة العسكرية الإسرائيلية المحتملة ضد إيران خلال الأشهر الستة القادمة. فهم يخشون وعن حق، أن تؤدي هكذا ضربة إلى انهيار الاتفاق الذي وظفوا من أجل تحقيقه جهوداً كبيرة.
- وقد يكون هذا ما دفع قادة دول مجموعة الخمسة +1 إلى بذل جهود مكثفة من أجل نزع الشرعية عن الخيار العسكري. وتنصبّ جهودهم في المرحلة الحالية على منع ضربة عسكرية إسرائيلية إلى حين انتهاء صلاحية الاتفاق الحالي. وكان الرئيس الأميركي أوباما الأكثر وضوحاً حيال هذه المسألة.