جهود كيري للدفع قدماً بالمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية تعرّض نتنياهو لمشكلات عويصة
تاريخ المقال
المصدر
- ربما سيفشل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في التوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنه قد يتسبب بضعضعة حكومة بنيامين نتنياهو من الداخل. وقد لوحظ ذلك يوم الأحد الفائت على وجه نتنياهو عندما وجّه عبر القمر الصناعي خطاباً إلى "منتدى صبّان" في واشنطن، ورفض فيه خلافاً للرئيس الأميركي باراك أوباما، أن يجيب عن الأسئلة الجوهرية المطروحة التي ما زالت دون إجابات لديه حتى الآن.
- ويمكن القول إن كيري من خلال الجهد المحموم الذي يبذله للدفع بالمفاوضات قدماً، يُعرّض رئيس الحكومة إلى مشكلات عويصة. فالخطة العسكرية التي صاغها طاقم خبراء ضخم برئاسة الجنرال الأميركي المتقاعد جون ألين، تسحب من تحت قدمي نتنياهو الادعاءات المباشرة التي كان يثيرها في كل مرة يضطر فيها إلى مناقشة رسم الحدود المستقبلية بين إسرائيل والدولة الفلسطينية التي ستُقام، وهي الترتيبات الأمنية. وثمة الآن ترتيبات أمنية وهي تشمل فترة انتقالية طويلة قبل أن ننسحب من غور الأردن، والمعابر الحدودية ستكون تحت رقابة دولية وغير ذلك.
- ومعروف أنه يوجد إجماع في إسرائيل على الحاجة إلى ترتيبات أمنية مُحكمة، لكن الخطة الأميركية تنقض هذا الإجماع، ويبدأ من جديد الجدل الداخلي بشأن خطوط 1967 ومصير المستوطنات في المناطق [المحتلة]. وفي هذا الجدل ليس الرأي العام الإسرائيلي وحده منقسماً فحسب، ولكن الحكومة والائتلاف أيضاً. وإذا ما اضطر نتنياهو إلى أن يقرر إلى أين يتجه، وهذه ضرورة كريهة بالنسبة إليه، فسيجد حكومة في طور الانقسام. فـ"البيت اليهودي" لن يستطيع أن يعيش مع خطة تقوم على خطوط 1967، وفي حال انشقاقه قد يجرّ وراءه جزءاً من الليكود وربما يجرّ "إسرائيل بيتنا" كله.
- وإذا ما رفض نتنياهو المضي قدماً في الخطة التي مهد لها الأميركيون، فسيصعب على تسيبي ليفني [رئيسة "الحركة"] أن تقنع ناخبيها لماذا تبقى في الحكومة، وقد يترك يائير لبيد [رئيس "يوجد مستقبل"] في إثرها. ولبيد أصبح يدرك منذ وقت طويل أن طريقه إلى خارج الحكومة يمر عبر القضية السياسية.
- ولن يستطيع حزب العمل أن ينضم إلى الحكومة في ظروف كهذه، ولذا سيبقى نتنياهو مع كتلتي اليمين والحريديم وهي غير كافية لإنشاء حكومة بإمكانها أن تواجه ضغوط العالم والجمهور الإسرائيلي العريض.
- يستطيع نتنياهو أن يعتمد على وزير دفاعه موشيه يعلون ليبحث ويجد مزيداً من الثقوب في الخطة الأمنية الأميركية. ويعلون يعلم أنه سيصعب عليه أن يحافظ على مكانته في الليكود إذا ما أيد أي خطوة تؤدي إلى مناقشة خطوط 1967. قد يؤتي العمل الذي بذله الأميركيون ثماراً في أماكن أخرى، مثل تشجيع الرأي العام الاسرائيلي على انتخاب حكومة تكون أكثر استعداداً للتوصل إلى تسوية.
- تجاوز نتنياهو في خطابه أمام "منتدى صبّان" الادعاءات الأمنية لأسباب مفهومة، وفضل أن ينسحب إلى خط دفاعي آخر هو أن الفلسطينيين يرفضون الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. وهذا هو طلب الحد الأدنى وشرط ضروري.
- ومعروف أن تسيبي ليفني أثارت في أثناء ولاية حكومة أريئيل شارون طلب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية لأول مرة، واعتقدت أن ثمة مكاناً في نهاية المفاوضات وفي إطار إعلان نهاية المطالب، للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. وجعل نتنياهو هذا الأمر مطلباً لا رجعة عنه. وسحب الوزير السابق دان مريدور الذي اشترك في "منتدى صبّان" من هاتفه المحمول تسجيلاً قديماً لخطاب لياسر عرفات بالإنكليزية تحدث فيه عن "دولة فلسطينية إلى جانب دولة يهودية". ويبرهن التسجيل في الظاهر على مبلغ كون هذه الدعوة جوفاء، فرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يستطيع أن يقول: "أتبنى كلام عرفات حول دولة يهودية. فعرفات أعطى وعرفات مضى وليكن اسم عرفات مباركاً"، وبذلك يجعل الطلب الإسرائيلي أشبه بالنكتة.
- هناك أمر آخر، هو أن إيران والمفاوضات مع الفلسطينيين باتا متلازمين الآن، شئنا ذلك أم أبينا، وهما كذلك في برنامج عمل كيري الطموح. كما أنهما يقفان في خلفية الكلام بشأن تحالف جديد بين من خابت آمالهم من أميركا في المنطقة وفي مقدمهم إسرائيل والسعودية، وهما الموضوعان اللذان يتشاجر فيهما نتنياهو مع إدارة أوباما. وفي خطابه يوم الأحد الفائت، ضمهما نتنياهو في رزمة واحدة وقال في واقع الأمر: إنكم [يقصد الأميركيين] ألحقتم أضراراً بنا في بوشهر، فلا تتوقعوا أن نعطيكم [مستوطنة] يتسهار، وكان بإمكانه أن يلتزم سياسة معاكسة تقضي بالتقدم مع الفلسطينيين وتسخير الرد الإيجابي في العالم لممارسة ضغط آخر على إيران. لكن ذلك ليس خيار نتنياهو في المرحلة الحالية.