اتفاق الدول العظمى مع إيران أدى إلى واقع جديد في الشرق الأوسط
تاريخ المقال
المصدر
- يمكن القول إن الاتفاق المرحلي الذي تم توقيعه في جنيف بين إيران ومجموعة الدول 5+1 يشكل إنجازاً إيرانياً مهماً تم إحرازه من خلال مسار دبلوماسي لامع. في الوقت عينه، فإن تأثير هذا الاتفاق في كبح تقدّم البرنامج النووي الإيراني جزئي، وكان في إمكان إيران لو أرادت، أن تصل في نهاية الأمر إلى مسافة قصيرة جداً من امتلاك سلاح نووي لتصبح دولة على عتبة القدرة النووية.
- غير أن الإنجاز الإيراني المهم من هذا الاتفاق المرحلي غير منحصر في مجال السلاح النووي وإن كان لا ينبغي الاستخفاف بهذا الإنجاز قطّ، وإنما أيضاً في كسر طوق العزلة عن إيران وعودتها إلى الحلبة السياسية الدولية كلاعب اقتصادي وسياسي مهم وذي شرعية، في حين أن إسرائيل تفقد الشرعية أكثر فأكثر ويتم حشرها في الزاوية.
- وعلى ما يبدو، فإن لهذا الاتفاق صلة أيضاً باتفاق تجريد سورية من الأسلحة الكيميائية. ويمكن تقدير أن الولايات المتحدة أجرت اتصالات سرية مع إيران، وأن نظام طهران كان شريكاً في إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالتخلي عن السلاح الكيميائي. وبذا نجحت إيران في أن تحافظ على "محور الشر" المؤلف منها ومن سورية وحزب الله، وستستمر في التدخل في ما يجري في منطقة الشرق الأوسط وفي إنشاء منظومة "إرهابية" صاروخية بالقرب من إسرائيل بكمية كبيرة ستُدعم حينما يحين الوقت بمظلة سلاح نووي.
- إن الضعف الذي يعتور الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واستقرار رأيهما على تفضيل المصالح الداخلية والاقتصادية وتفضيل الهدوء السياسي على المصالح الأمنية والدولية، يتسببان بنشوء واقع جديد في منطقتنا مع قواعد لعب جديدة. لكن في الوقت عينه، فإنه إلى جانب المخاطر الماثلة أمام دولة إسرائيل، نشهد نشوء فرص جديدة أيضاً يجب على إسرائيل أن تدرسها لمصلحة أمنها القومي.
- وليس من المبالغة القول إنه نشأت صورة إقليمية جديدة تثير الاهتمام. ومن أهم ملامح هذه الصورة أن تركيا تستغل الوضع وتقوّي صلاتها بإيران، والسعودية ومصر تدركان الخطر الكامن في ازدياد قوة إيران وإمكان أن تغدو دولة على عتبة القدرة النووية، وقد تحاولان هما أيضاً امتلاك سلاح نووي، ودول الخليج تبدو مرتبكة وتحاول البحث عن سند لها. وبقيت إسرائيل مع المشكلة الفلسطينية التي تؤثر في مكانتها في العالم وتحاول بكل وسيلة أن تُجند دعم القوى العظمى لإحباط الاتفاق النهائي مع إيران بعد الاتفاق المرحلي بنصف عام، وهو إجراء تبدو احتمالاته ضئيلة للغاية.
- في ظل هذا الوضع الذي نشأ، فإن إسرائيل قد تجد نفسها في شرق أوسط فيه عدد من الدول التي تملك سلاحاً نووياً وهو واقع سيصعب عليها استمرار البقاء فيه.
- إذا كان الأمر على هذا النحو، فما الذي يتعين على إسرائيل أن تفعله؟
إن إسرائيل تقف الآن على المستوى الاستراتيجي أمام مفترق T. إن الاتجاه يميناً يفضي إلى هجوم على إيران يؤدي إلى تأخير ما للبرنامج النووي الإيراني، لكن ليس إلى القضاء عليه بصورة مطلقة. وسيرد الإيرانيون على هجوم كهذا بإطلاق صواريخ تستطيع إسرائيل مواجهتها لكنها ستصبح دولة معزولة وتُدفع إلى واقع دولي غير محتمل. ولذا يبدو هذا الاحتمال الآن غير واقعي بتاتاً. - وفي الاتجاه نحو اليسار ينتظر إسرائيل مسار دبلوماسي. لكن يجب على إسرائيل قبل المُضي فيه أن تُزيل العائق الذي يفاقم عزلتها في العالم، وهو المشكلة الفلسطينية. إن حل المشكلة الفلسطينية و95 بالمئة منه بات واضحاً ومعلوماً للجميع ويشمل تنازلات مؤلمة مطلوبة من إسرائيل، سيجعل هذه الأخيرة دولة ذات شرعية ويتيح لها إمكانات سياسية كبيرة في العالم العربي ويسقط عنها العزلة ويمنح رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما إنجازاً آخر هو بحاجة ماسة إليه.
- في مقابل ذلك، يجب أن تطلب إسرائيل اتفاقاً دفاعياً استراتيجياً مع الولايات المتحدة يعتبر أي هجوم على إسرائيل بسلاح نووي هجوماً على الولايات المتحدة نفسها. وسيحسن اتفاق من هذا النوع قدرة إسرائيل على البقاء، بل قد يتيح لها إمكان الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي [الناتو].
- من نافل القول إن هذا الاتفاق لا يعفي إسرائيل من الحاجة إلى الاستمرار في أن تكون قوية من الناحية العسكرية، وأن تكون مستعدة لردع أي عدو والدفاع عن نفسها في أي وقت، إلا إنه سيعزّز قوتها ويزيد من قدرتها على البقاء في الواقع الجديد الذي نشأ بعد توقيع اتفاق جنيف مع إيران.