هل وصل الصراع في سورية إلى مرحلة الحسم؟
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

– "تسومت همزراح هاتيخون"، المجلد 2، عدد خاص 1012
المؤلف

·       مرّت خمسة عشر شهراً على نشوب الثورة ضد نظام بشار الأسد في سورية في أواسط آذار/مارس 2011، والتي حصدت حتى الآن أكثر من 15,000 قتيل، ومع ذلك لا تزال نهايتها بعيدة. لقد بدأت هذه الثورة كحركة تمرد للفلاحين في حوران جنوب سورية، وسرعان ما انتشرت في كل أنحاء الدولة، وهي تشمل اليوم أجزاء واسعة من السكان العرب السنة في مناطق الريف ومدن الأطراف وحتى في ضواحي المدن الكبرى السورية. ولم تنجح جهود النظام في قمع هذه الانتفاضة بالقوة، بل على العكس ساهمت في تدهور الوضع، فحل محل التظاهرات السلمية الداعية إلى تغيير النظام والحرية مجموعات مسلحة تقوم بعمليات إرهابية ضد قوات النظام ومؤيديه، وتحظى بدعم شعبي واسع يزداد مع مرور الوقت.

·       حتى الآن ما زال النظام في سورية صامداً على الرغم من ضعفه ونزفه، وهو يرد بشن حرب شعواء يدافع فيها عن بقائه، وما زالت تقف إلى جانبه قوى مهمة في المجتمع السوري وعلى رأسها أبناء الأقليات الذين يشكلون نحو 40٪ من مجموع السكان في سورية. فبالنسبة إلى هذه الأقليات، ولا سيما العلويين والمسيحيين، وبصورة أقل أبناء الطائفة الدرزية، فإن بقاء النظام السوري يعدّ مسألة حياة أو موت.

·       في المقابل، لا تشكل القوى المعارضة للنظام السوري والمقاتلة ضده كتلة متجانسة، وإنما هي عبارة عن قوى منقسمة ومتشرذمة طبقيّاً ومناطقيّاً وإيديولوجياً، الأمر الذي يجعل من الصعب اليوم الحديث عن "معارضة" للنظام السوري، أي عن هيئة منظمة ومتجانسة ذات زعامة سياسية وقيادة عسكرية متفق عليها وتتمتع بالشرعية وتسيطر بصورة فعلية على القتال الذي تخوضه مجموعات الثوار في شتى أنحاء الدولة. لهذا السبب تغرق سورية في حالة من الفوضى ومن سفك الدماء، ويمكن القول إن الصراع الدائر اليوم بين النظام وبين معارضيه قد وصل إلى حائط مسدود، ولا يملك أي طرف من الطرفين حتى الآن قدرة على حسم الموقف والتغلب على أخصامه.

·       يمكننا الإشارة إلى ثلاث سمات واضحة للوضع الحالي، هي: أولاً، فقدان السيطرة والتفكك، فقد تخلى النظام عن سيطرته على أجزاء كبيرة في المناطق الريفية وفي الأطراف، كذلك في الأحياء التي تثير إشكالية داخل المدن الكبرى، وهو يركز جهوده على إبقاء سيطرته على وسط المدن الكبرى، وطرق المواصلات، وعلى معابر الحدود. وفي حين تصعب رؤية مظاهر الثورة ضد النظام في قلب دمشق، إلاّ إن سيطرة قوات النظام على البلدات والقرى التي لا تبعد كثيراً عن العاصمة تنحصر فقط خلال ساعات النهار  وتعتمد على وجود القوى الأمنية هناك؛

·       السمة الثانية هي حرب العصابات، فقد دفع ضعف الجيش النظامي وقوات الأمن وأجهزة حزب البعث النظام إلى الاعتماد أكثر فأكثر على العصابات المسلحة (الشبيحة) التي يجري تنظيمها في الأغلب على أساس محلي، وتعتمد بصورة كبيرة على متطوعين ومجندين من أبناء الطائفة العلوية. ومن الناحية الأخرى تسبب عجز المعارضة عن تشكيل قيادة عسكرية وسياسية منظمتين باتخاذ الصراع الدائر بينها وبين النظام شكل حرب عصابات تنزلق أحياناً إلى مذابح وأعمال قتل مخيفة ذات طابع طائفي بين العلويين والسنة والعكس بالعكس.

·       السمة الثالثة هي تحول سورية إلى ساحة للجهاد، فقد حلت سورية محل العراق وأفغانستان كساحة للجهاد يتدفق إليها آلاف الشبان من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، وحتى من أوروبا، من أجل القتال ضد نظام بشار الأسد "الكافر". وينضم هؤلاء إلى المجموعات الإسلامية التي تقاتل بقيادة القاعدة، أو إلى مجموعات سلفية محلية، وتساهم عملياتهم الإرهابية التي لا تفرق بين الناس في زيادة الفوضى القائمة في شتى أنحاء الدولة.

·       تجدر الإشارة إلى أنه في بداية الأحداث اعتمد النظام السوري على تأييد قوي من جانب تحالف الأقليات، وعلى دعم الطبقات الوسطى والنخب في المدن الكبرى، بالإضافة إلى دعم الجيش وأجهزة الأمن والبيروقراطية الحكومية. لكن بدأت اليوم تبرز تصدعات في هذا الدعم، فصحيح أن أبناء الأقليات ما زالوا يدعمون النظام، وفي مقدمهم العلويون والمسيحيون والدروز، وأن الأكراد ما زالوا يحافظون على الهدوء وضبط النفس، وأن الهدوء النسبي ما زال يسود المدن الكبرى، وأن الجيش والأجهزة الأمنية ما زالا يقومان أيضاً بمهماتهما ويساعدان النظام في صراعه ضد معارضيه، إلاّ إن الضعف بدأ يظهر على القوات المسلحة، وتزايدت ظاهرة المنشقين عن الجيش، وباتت اليوم تطال ضباطاً من رتب عليا. فضلاً عن ذلك، بدأ يضعف تأييد الأغلبية الصامتة من أبناء الطبقات الوسطى من سكان دمشق وحلب لنظام الأسد، فهؤلاء دعموا النظام خوفاً من أن يؤدي سقوط الأسد إلى الفوضى مثلما حدث في العراق، لكن تغييراً معيناً بدأ يبرز في أجوائهم، ففي نظر العديد منهم، إذا كان بشار الأسد غير قادر على إنهاء الأزمة، وإذا كان بقاؤه في السلطة هو سبب استمرارها، فمن الأفضل أن يرحل. ولهذه الأجواء تأثير سلبي كبير على النظام السوري، فعندما سيصبح هذا هو رأي أغلبية سكان المدن الكبرى، ولا سيما حلب ودمشق، فإن هذا سيسرع في حسم الصراع الدائر في سورية ضد النظام.  

·       إن الصراع في سورية ما زال بعيداً عن نهايته. فهناك من هو مقتنع بأن المعارضة غير قادرة على إخضاع النظام السوري، وأنها في نهاية الأمر وبعد حرب استنزاف طويلة ستنهزم. في المقابل، هناك قناعة لدى كثيرين داخل سورية وخارجها بأن بشار الأسد سيسقط في النهاية وبأن نظامه ينزف ويفقد قوته وهو غير قادر على الصمود طويلاً.

بيد أن بقاء بشار مرتبط بصورة خاصة بتغير المزاج وسط الأغلبية الصامتة في سورية. وكيفما آلت الأمور، فإن سفك الدماء سيتواصل لفترة طويلة من الزمن، وهو سيخلف وراءه دولة ضعيفة ومحطمة بغض النظر عن هوية النظام الذي سيحكم دمشق.