· ما الذي يجعل الصواريخ الأخيرة التي تساقطت على إسرائيل تختلف عن سابقاتها؟ الجواب هو أن مصر قد تغيرت ولم تعد كما كانت في السابق، فلا وجود لسلطة مستقرة، والمجلس العسكري ضعيف، وحتى الآن ليس لديها رئيس جمهورية معروف ومتفق عليه. كما أن هذه المرة ليس هناك من يستطيع أن يتهم إسرائيل بأنها هي التي خرقت وقف إطلاق النار الهش. فقد تراجعت سلطة الجيش المصري على سيناء، وذلك على الرغم من موافقة إسرائيل على نشر وحدات عسكرية مصرية جديدة في المنطقة المنزوعة السلاح، بيد أن تنفيذ الجيش لذلك جاء أقل مما طلبه.
· إن سبب تجدد إطلاق النار يعود إلى أن المخربين افترضوا أن الرئيس المقبل لمصر سيكون من الإخوان المسلمين، وفهمت "حماس" أنه بات مسموحاً لها إطلاق النار، لذا فقد اعترفت أمس، ولأول مرة منذ عملية "الرصاص المسبوك"، بأنها أطلقت نحو 30 صاروخاً من صواريخ القسام على النقب. والرسالة من وراء ذلك مزدوجة، فمن جهة شكل هذا الحدث خرقاً للتهدئة، ومن جهة أُخرى حرصت "حماس"، نظراً إلى كونها هي التي تسيطر على الوضع في غزة، والذي ينعكس على سيناء، على المحافظة على وتيرة منخفضة في عمليات إطلاق الصواريخ والاقتصار على استعمال صواريخ القسام.
· بيد أن ما جرى لا يبعث على الاطمئنان، لأن كل تصعيد في المواجهات في النقب يبدأ عادة بالسلاح الخفيف، وتأتي لاحقاً صواريخ غراد على أشدود وبئر السبع، في المرحلة الأخيرة التي تسبق التهدئة المقبلة.
· تطرح الحقائق الجيوسياسية المستجدة تحديات جديدة، إذ تخضع غزة لسيطرة حكومة إرهابية واضحة وليس هناك تعريف لسيادتها، وبالتالي فإن ما يستطيع الجيش الإسرائيلي القيام به رداً على هجوم من غزة لا ينطبق على سيناء. فمن الصعب بناء بنية تحتية استخباراتية في سيناء، وكل تصفية لخلايا إرهابية هناك تنطوي على خرق للسيادة المصرية.
· بالأمس أجرى الجيش والمؤسسة الأمنية نقاشات داخلية، والسؤال المطروح على رئيس الحكومة وعلى طاقم الوزراء التسعة هو: هل تستمر إسرائيل في الرد فوراً على كل هجوم إرهابي، وهو أسلوب أثبت فاعليته منذ عملية "الرصاص المسبوك"، ولكن هل ما زال هذا الأسلوب ساري المفعول اليوم؟ إن مصر تتأسلم وعناصر تنظيم القاعدة موجودة في المنطقة.
· اتفقت الآراء على أن الرد المعتاد هو الأصح في ضوء الواقع السياسي والإرهابي المتغير، على الأقل حتى الآن، وفي استطاعة الضربة المدروسة أن تلجم أو أن تخفف من النشاط الإرهابي الفلسطيني، ولا يوجد حتى الآن بديل آخر.
لقد كان تجدد إطلاق النار في الأيام الأخيرة مفاجئاً، لكن في تقدير الخبراء سيعود الهدوء إلى المنطقة. ومع ذلك، فالنهاية معروفة وستكون هناك عملية عسكرية جديدة من نوع "الرصاص المسبوك".