معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· يدور الصراع على مستقبل سورية إلى جانب ما يحدث على أرض المعركة، على الصعيد الدولي أيضاً. أما اللاعبان الأساسيان فهما روسيا والولايات المتحدة الأميركية اللتان تديران المعركة من خلال تبادل الضغوط والتهديدات وعبر محاولات الحوار المتقطعة. وقد جرت الجولة الأخيرة من هذا الحوار خلال انعقاد قمة الدول الثماني في شمال إيرلنده ما بين 17-19 حزيران/يونيو 2013.
· وهذه المرة ناقشت القمة التي تتناول في العادة القضايا التي تشغل المجتمع الدولي، الموضوع السوري. كما استأثر هذا الموضوع بالجزء الأكبر من الحوار المشحون الذي دار بين الرئيس الروسي ورئيس الولايات المتحدة الأميركية بشأن انعقاد المؤتمر الدولي عن سورية. وتشهد النقاشات الدائرة بشأن انعقاد هذا المؤتمر (المعروف بـ"جنيف 2") والذي جرى الاتفاق بشأنه أثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى روسيا في مطلع أيار/مايو 2013، خلافاً حاداً حيال مسألة رحيل الأسد.
· وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من تحول المعركة على سورية إلى حدث أساسي ستكون لنتائجه انعكاسات على مستقبل المنطقة وعلى مكانة الدول العظمى المتورطة فيها، فإن المواجهة بين روسيا والغرب لا تقتصر على سورية وحدها، ولكن ازدادت حدتها منذ بداية مرحلة "الربيع العربي" كجزء من المواجهة الدولية المستمرة.
· ويمكن القول إن روسيا اختارت الحرب الأهلية الدائرة في سورية ساحة أساسية لهذه المواجهة لتنفيذ سياستها الاستفزازية من خلال مضاعفة مساعدتها للنظام مع خطوات دعم أخرى عسكرية وسياسية من أجل منع أي تدخل خارجي في هذه المعركة. وثبتت حتى الآن فاعلية هذا النهج ولا سيما في دعم صمود نظام الأسد أكثر مما كان متوقعاً. والآن تسعى روسيا إلى ترجمة إنجازها من خلال الدفع قدماً بفكرة المؤتمر الدولي لتحديد مستقبل سورية، وفي الوقت عينه استغلال المناسبة من أجل بلورة موقعها في المنطقة إلى جانب الأرباح الأخرى التي ستجنيها على الصعيد الدولي.
· وهذا ربما ما يبرّر عدم حماسة الولايات المتحدة وحلفائها في العالم وفي المنطقة في التجاوب مع هذه الفكرة، لافتراضهم أن أيام نظام الأسد معدودة ويجب العمل لعدم مساعدته على الصمود من خلال اعطاء روسيا أثماناً سواء في الشرق الأوسط أو في مناطق أخرى لديها مصالح فيها.
· وجرت المحاولة الفاشلة الأولى من أجل الاتفاق على حل دولي للأزمة السورية قبل سنة، في نهاية حزيران/يونيو 2012، عندما اجتمعت في جنيف (الذي بات معروفاً اليوم بـ"جنيف 1")، مجموعة من الدول التي تدعم سورية من بينها دول أعضاء في مجلس الأمن ودول من المنطقة، وأصدرت بياناً مشتركاً يدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية في سورية.
· في الفترة الأخيرة وفي ظل التحول على الأرض بما يرجح كفة الأسد، بدأت المساعي للدفع قدماً بفكرة مؤتمر "جنيف 2" الذي وافقت الولايات المتحدة على فكرة عقده خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى روسيا في مطلع أيار/مايو الماضي، وانضم لاحقاً إلى الأميركيين عدد من الدول الغربية. ووضعت في أساس فكرة المؤتمر الجديد، الاتفاقات التي تم توصل إليها في" جنيف 1" سنة 2012. ومنذ ذلك الحين، تحول الموضوع إلى محور دولي أساسي. وقد ترافق الخلاف بين الأطراف على مضمون الحلول المستقبلية لسورية بحملة ضغوط ومحاولات إقناع مختلفة. ويمكن أن نذكر في إطار هذه الضغوط التي لم تترجم عملياً ويبدو أنها لن تترجم عملياً بسرعة، اعلان روسيا نيتها تزويد سورية بصواريخ S-300 الروسية الصنع، وإعلان الدول الغربية رفع الحظرعن تزويد الثوار بالسلاح والتهديد بإقامة "منطقة حظر جوي" مع رفض "تجاوز الخطوط الحمراء" ونصب الصواريخ المضادة للطائرات ونشر الطائرات الحربية في الأردن إلى جانب التدريبات المشتركة هناك.
· جاء انعقاد قمة الدول الثماني في ذروة هذه الضغوط، حيث جرى طرح الموضوع السوري والتشديد على عقد مؤتمر "جنيف 2". وكانت المشكلة السورية موضع بحث في لقاءات الرئيسين الروسي والأميركي وكذلك في لقاءات رؤساء الدول الآخرين، في محاولة لتسوية الاختلافات في ما بينهم في هذا الشأن. ويبدو أن الأطراف توصلت إلى الاتفاق بشأن عقد المؤتمر وحدّدت الأمور المطروحة على جدول الأعمال، لكن بقيت الخلافات مع الروس بشأن مسألتين أساسيتين: المسألة المتعلقة بإعلان استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي، ومستقبل الأسد. وجرى التوصل إلى حل المسألة الأولى من خلال صيغة حذرة، أما المسألة الثانية فأدرجت ضمن البند المتعلق بتشكيل حكومة انتقالية في سورية.
· لقد تضمن البيان الختامي الصادر عن قمة الدول الثماني ستة بنود تناولت الموضوع السوري هي:
أ- التعهد بالعمل لوقف الحرب الأهلية.
ب- الالتزام بتقديم مبلغ 1.5 مليار دولار مساعدة إنسانية.
ج- الالتزام بعقد مؤتمر جنيف في أقرب وقت بناء على التفاهمات التي جرى التوصل إليها في 2012 وتضمنت "تشكيل هيئة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة".
د- تعهد الأطراف المشاركة في المؤتمر بتنفيذ القرارت التي تتخذ، وتحقيق المصالحة والاستقرار.
ه- التعبير عن القلق حيال تزايد الارهاب والتطرف في سورية والتعهد بطرد هذه العناصر ولا سيما "القاعدة" من سورية.
و- التنديد باستخدام السلاح الكيميائي والمطالبة بمراقبة منشآت تخزينه.
· بقي البند الذي لا يزال يثير الخلافات ويتعلق بالحكومة الانتقالية. في الصيغة التي جرى اعتمادها لم يأت ذكر حكومة وإنما "هيئة ذات صلاحيات حكومية".
· ويبدو أن هذه التسوية تترك مجالاً لمشاركة على الأقل مؤقتة، للأسد في هذه العملية، وهي بذلك تعطي الروس تفوقاً معيناً في كل ما له علاقة بتقديراتهم المستقبلية لسورية.
· في ظل هذا الواقع، وعلى الرغم من الحصيلة الايجابية في ما يتعلق بالحل الشامل للأزمة السورية، يشعر الأطراف كلهم بخيبة أمل ملحوظة برزت من خلال عودة التهديدات التي كانت تستخدم قبيل انعقاد قمة الدول الثماني، مثل العودة إلى الحديث عن تزويد سورية بصواريخ S-300 وإعلان الغرب تسليح الثوار.
· في الواقع، لا يزال انعقاد مؤتمر "جنيف 2" موضع نقاش، إذ على الرغم من أن البيان المشترك للقمة دعا إلى ضرورة عقد هذا المؤتمر في أقرب وقت، فإنه لم يحدد تاريخاً واضحاً. وقيل على هامش القمة إن موعد المؤتمر سيتقرر خلال اللقاء المخصص لسورية الذي من المنتظر أن يعقد بين ممثلي روسيا والولايات المتحدة ومندوب الأمم المتحدة في 25 تموز/يونيو 2013.
· ومن هنا فمن المحتمل أن ينعقد هذا المؤتمر خلال آب/يوليو المقبل. وحتى ذلك الحين فمن المنتظر أن تستمر عروض القوة واستخدام الضغوط المتبادلة من أجل ترجيح طرف على آخر قبيل التوصل إلى اتفاق في المستقبل.
· يدل انعقاد هذا المؤتمر ضمن الاطار الذي تريده روسيا على التغييرات التدريجية التي طرأت على مكانة روسيا التي تزداد قوة في الساحة الدولية.