التأريخ الجديد لحرب يوم الغفران
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

 

  • خلال السنة الأخيرة ومنذ صدور كتاب يغآل كيفنيس الذي يحمل عنوان "1973: الطريق إلى الحرب"، وفي إطار التغطية الاعلامية لذكرى مرور 40 عاماً على حرب يوم الغفران [حرب تشرين/أكتوبر] ظهرت روايتان واضحتان لمسألة لماذا لم يكن الجيش الإسرائيلي مستعداً للحرب عند اندلاعها.
  • وفقاً للرواية التقليدية، فإنه منذ أن قرر الرئيس المصري أنور السادات في نهاية 1972 خوض الحرب، أعطي للتحذير من هذه الحرب أهمية بالغة لأن الجيش الإسرائيلي، لاعتبارات مالية وغير مالية، لم يكن قادراً على الاحتفاظ بقوته الكاملة على خطوط الجبهة لوقت طويل. لكن أجهزة الاستخبارات التي تعهدت بإعطاء تحذير من الحرب قبل بضعة أيام من نشوبها، فشلت في مهمتها. وهي لم تفشل بسبب عدم وجود معلومات، فالمعلومات التي تحدثت عن اقتراب الحرب كانت وفيرة، بل فشلت بسبب إصرار رجال الاستخبارات العسكرية على التقدير القائل إن مصر لا ترى نفسها جاهزة للحرب، وتجاهلهم المعلومات التي تشير إلى أن مصر باتت على عتبة الحرب.
  • واستناداً إلى لجنة أغرانات [التي تولت التحقيق في حرب تشرين/أكتوبر]، فإن الثقة بالنفس هي التي أدت إلى امتناع رئيس الاستخبارات العسكرية آنذاك عن استخدام وسائل إضافية لجمع معلومات كان في إمكانها أن تظهر أن المناورة المصرية هي غطاء للحرب. والأخطر من ذلك، أنه خدع متخذي القرارات وجعلهم يعتقدون أن وسائل جمع المعلومات هذه مستخدمة وأنها لم تقدم مؤشرات تدل على الحرب. ونظراً إلى أن متخذي القرارات، وفي طليعتهم رئيس الأركان ورئيسة الحكومة غولدا مئير ووزير الدفاع موشيه دايان، اعتقدوا بأنه لا يمكن أن تنشب حرب من دون حصولهم على مؤشرات تدل على ذلك قبل 48 ساعة، فقد أحجم هؤلاء عن نشر القوات النظامية والاحتياطيين ولو بصورة جزئية، في 5 تشرين الأول/أكتوبر. ولو كانوا اتخذوا مثل هذه الخطوة لتغير وجه الحرب منذ بدايتها.
  • أما الرواية الثانية فهي بمثابة "تأريخ جديد" للحرب مفاده أن وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر قرر حينذاك أن الوقت ملائم لعملية سلام بين إسرائيل ومصر تبدأ في تشرين الثاني/نوفمبر بعد الانتخابات الإسرائيلية، وأن غولدا مئير وموشيه دايان كانا الوحيدين اللذين يعلمان في إسرائيل بذلك، وأخفيا الموضوع عن المسؤولين العسكريين وعن مسؤولي الاستخبارات. وعندما بدأت التوترات في مطلع أكتوبر/تشرين الأول، لم يثر ذلك مخاوف غولدا ودايان لاعتقادهما أن السادات لن يراهن على الحرب لأن كيسنجر سيقدم له مخرجاً سياسياً من الأفق المسدود. علاوة على ذلك، فقد تعهد الاثنان للأميركيين منذ سنة 1971 أنه في حالات التوتر لن تتخذ إسرائيل خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد، مثل تعبئة الاحتياطيين، كما أنها لن توجه ضربة استباقية. وكلاهما أخفى ذلك عن العسكريين ومسؤولي الاستخبارات.
  • خلال النقاشات التفصيلية للحرب التي جرت في أيار/مايو وجرى خلالها طرح مسألة التحذير وهامش الوقت ورد الجيش الإسرائيلي، لم يوضح دايان وغولدا أن لا أهمية لتحذيرات من الحرب تتيح تعبئة قوات الاحتياطيين، وربما أيضاً الإقدام على ضربةٍ استباقية إسرائيلية، لأنهما تعهدا للأميركيين بألا يفعلا ذلك. وفي 6 تشرين الأول/أكتوبر التزم دايان وغولدا بتعهداتهما للأميركيين، وهكذا وجدنا أنفسنا حينها في الوضع الذي كنا فيه.
  • تجدر الإشارة إلى أن التأريخ الجديد يمكن أن يكون ثمرة الكشف عن شهادات جديدة تثبت أن ما عرفناه عن أحداث الماضي كان خطأ، أو ثمرة تأويل جديد. وفي الحقيقة، فإن هذا التأريخ الجديد لحرب يوم الغفران لا يستند إلى شهادات ووثائق مهمة جديدة، بل هو ثمرة تأويلات (خطأ في رأيي وفي رأي أغلبية الباحثين في هذا الموضوع)، للوثائق الموجودة، كما أنه ثمرة التجاهل وعدم التطرق إلى الكم الهائل من المعلومات والوثائق المعارضة لهذه التأويلات.
  • تتشابك في رواية حرب يوم الغفران سرديتان: الأولى المساعي التي بذلتها مصر (بدعم من الاتحاد السوفياتي) للدفع بعملية سياسية للخروج من النفق المسدود الذي واجهته بسبب ضعف مستواها العسكري؛ والثانية: أنه عندما نشبت الحرب كان الجيش الإسرائيلي غير مستعد وقد دفعنا ثمن ذلك غالياً.
  • إن المسؤولين عن فشل المسار السياسي الذي دفع بالسادات إلى خيار الحرب هم كسينجر وغولدا ودايان وآخرون. فقد كان هؤلاء واثقين من أنه في حال تجرأت مصر على خوض الحرب فهي ستهزم لأن إسرائيل ستعرف بذلك وستوجه إليها ضربة قاصمة. أما المسؤول عن الفشل الثاني فهو جهاز الاستخبارات العسكرية الذي كان يرأسه إيلي زعيرا الذي واصل تمسكه حتى اللحظة الأخيرة بتقدير أن مصر لن تخوض الحرب. وبسبب ذلك لم يكن الجيش الإسرائيلي مستعداً في الوقت الملائم.
  • لقد جعل المؤرخون الجدد لحرب يوم الغفران من غولدا مئير وموشيه دايان هدفاً أساسياً لهم. ولم تقنعهم الكمية الهائلة من الوثائق التي تثبت أنهما لم يكونا مسؤولين عن عدم إعداد الجيش للحرب، بأنهم على خطأ.