لا خطوة سياسية من دون الفصل بين منظمة التحرير و"حماس"
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • كان لدى جوزيف بوريل، المسؤول عن العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إضاءة مهمة عندما قال كيف يجب إنهاء الحرب وحل الصراع.  لقد قال خلال خطاب ألقاه يوم الجمعة الماضية في جامعة Valladolid (جامعة بلد الوليد) في إسبانيا، حيث حاز الدكتوراه الفخرية، "نحن نؤمن بأنه يجب فرض حل الدولتين من الخارج، للوصول إلى السلام. وهذا على الرغم من أن إسرائيل تعود وتؤكد معارضتها هذا الحل. ومن أجل منعه، ذهبوا إلى أبعد مما يجب، لدرجة أنهم، هم أنفسهم، أقاموا "حماس". لقد موّلت حكومة إسرائيل "حماس" لإضعاف السلطة الفلسطينية التابعة لـ"فتح".
  • إسرائيل ليست هي التي أقامت "حماس"، والسلطة الفلسطينية ليست "فتح"، إلاّ إن بوريل لا يحتاج إلى الدخول في تفاصيل هامشية. لدى بوريل خطة منظمة تتركز على تجهيز الطريق لعقد مؤتمر دولي يبحث في الطرق الملائمة والأدوات المطلوبة للتوصل إلى حل الدولتين. وكان طرحها خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذي عُقد يوم الاثنين الماضي في بروكسل، وشارك فيه وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن، وأيضاً ممثل الجامعة العربية، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس. لقد صدرت عن بوريل أقوال حادة ضد إسرائيل. وقال إن "الحلول الأُخرى التي لديهم [ويقصد الإسرائيليين] هي أن يجعلوا جميع الفلسطينيين يتركون البلد؟ أن يقتلوهم جميعاً؟ الطريقة التي يدمرون بها "حماس" ليست الطريقة الملائمة. إنهم يزرعون الكراهية لأجيال قادمة". هذه التصريحات الحادة صادرة عن وزير خارجية لم يسجل أي إنجازات بارزة في مجال العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي.
  • فكرة إقامة مؤتمر دولي لبحث حل الصراع لم يخترعها بوريل. لقد طرحها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قبل أكثر من شهرين، خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. هذا المؤتمر برعاية دولية، وأميركية بصورة خاصة، يمكن أن يكون دليلاً على أن الإدارة الأميركية تنوي، فعلاً، الدفع بحل الدولتين، وبذلك تحقق الشرط الأساسي الذي وضعته السلطة الفلسطينية لكي تكون مستعدة لتحمّل المسؤولية عن قطاع غزة بعد الحرب.
  • الولايات المتحدة لم تعبّر بعد عن استعدادها لعقد مؤتمر دولي كهذا، إن مجرد عقده يمكن أن يضعها في مسار صدام مع إسرائيل. واشنطن التي صاغت مصطلح "السلطة الفلسطينية المجددة"، لم تطرح بعد القائمة المطلوبة لهذا التجديد - الأمور التي على عباس القيام بها للحصول على شهادة من البيت الأبيض، والأهم إذا كانت السلطة "ستتجدد" فعلاً، وهل الولايات المتحدة قادرة على أن تفرض على إسرائيل منح السلطة الفلسطينية الصلاحيات لإدارة غزة، وبأي شروط؟
  • بحسب مصادر في السلطة الفلسطينية وصحافيين فلسطينيين، فإن المبعوثين الأميركيين الذين التقوا عباس، تحدثوا معه عن الحاجة إلى تعيين نائب له يتمتع بصلاحيات، بالإضافة إلى تطهير السلطة من الفساد، وضم فئات شابة إلى قيادة منظمة التحرير. وأكدوا أنه في أي تركيبة أو بنية للسلطة، لا يمكن أن تكون "حماس" شريكة.
  • أجرت قيادات "حماس" حوارات غير منتظمة بشأن هذه القضية مع مسؤولين في منظمة التحرير، بهدف الوصول إلى تفاهمات بشأن الإطار الذي يمكن أن تنضم فيه "حماس" إلى المنظمة. لكن، لا تزال قيادة "حماس" ترفض الشرطَين الأساسيَين اللذين طرحهما عباس لانضمام "حماس": انتهاج المقاومة السلمية ضد الاحتلال، بدلاً من الكفاح المسلح، والاعتراف بالقرارات الدولية، وبينها اتفاق "أوسلو" الذي يتضمن اعترافاً بإسرائيل. هذه الشروط تم رفضها في شهر تموز/يوليو الماضي، عندما التقت الفصائل الفلسطينية في مصر بهدف الدفع بالمصالحة، ولا توجد مؤشرات إلى أي تغييرات في موقف الحركة. على الرغم من ذلك، فإن الموقف الفلسطيني الرسمي كان وما زال يعتبر أن "حماس"، خلال الحرب وبعدها، هي جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ويجب أن تكون ممثَّلة في منظمة التحرير كحركة.
  • هذا الموقف يتضمن تناقضات جوهرية، إذ لا تملك قيادة منظمة التحرير، حالياً، أي رد على الخلافات الفكرية بشأن قضية الحل النهائي. ففي الوقت الذي تعترف المنظمة بإسرائيل وتطمح إلى حل الدولتين، توجد "حماس" في موقع مختلف كلياً. وبعد أكثر من 3 أشهر على الحرب، نشرت "حماس" وثيقة من 18 صفحة، تحت عنوان "هذه روايتنا - لماذا طوفان الأقصى؟" وتشرح فيها الأسباب التي دفعتها إلى التخطيط والمبادرة إلى الهجوم على إسرائيل. هذه الوثيقة سياسية، وغير موجهة إلى الجمهور الفلسطيني، إنما إلى الرأي العام العربي والدولي. ولا حاجة إلى التطرق إلى التفاصيل والحقائق، المغلوط فيها، التي تضمنتها، أو الجهود التي تُبذل من أجل وصف "الجرائم المرعبة" بأنها أخطاء، أو حتى فشل في السيطرة على القوات. وإلى جانب ذلك، كان يمكن التوقُّع أن تتضمن الوثيقة أي توجه بشأن الدور المستقبلي الذي تريد "حماس" القيام به مستقبلاً، أو على الأقل الرؤية السياسية.
  • في الجزء الأخير من الوثيقة، تطرح "حماس" ثمانية مطالب. وجميعها تتطرق إلى الاستمرار في الكفاح المسلح، ومطالبة المجتمع الدولي والدول العربية بمقاطعة إسرائيل ومعاقبتها، والدفع في اتجاه وقف إطلاق النار، وبصورة خاصة كبح كل الخطط التي تطمح إلى صوغ مستقبل غزة، بحسب طموحات المحتل الصهيوني، و"أن لا أحد يملك الصلاحية في فرض رعايته على الشعب الفلسطيني، باستثناء الشعب الفلسطيني ذاته".
  • لا يوجد في الوثيقة أي تطرُّق إلى المشاركة في منظمة التحرير، أو الحل السياسي المطلوب، أو الاستعداد لبحث معادلة حل الدولتين. وكما تساءل الصحافي والباحث الفلسطيني هشام دبسي في مقالة نشرها في الموقع اللبناني "جنوبية": "هل حماس قادرة أصلاً على الوصول إلى أي حل خارج إطار الشرعية الفلسطينية، أو أنها ستبقى تدير مفاوضات منفصلة مع إسرائيل والولايات المتحدة، برعاية قطرية؟ دبسي الذي ينتقد بشدة وثيقة "حماس"، يطرح موقف "حماس" كمن تفضل "الحق التاريخي" على "الحق السياسي". هذا تفريق مهم يوضح جيداً الفجوة بين موقف منظمة التحرير الجاهزة لتبنّي الحلول السياسية التي تستوجب التنازل عن "الحقوق التاريخية" في السيطرة على فلسطين كاملة، وضمنها حق العودة للاجئين، وبين موقف "حماس" الذي يرى في تفضيل الحق في الدولة الفلسطينية تنازلاً عن الحقوق التاريخية.
  • اللغة غير قادرة، مهما كانت بليغة، على التجسير بين المواقف الأيديولوجية هذه التي تمنع كلاً من "حماس" ومنظمة التحرير من بناء قاسم مشترك عملي وقابل للتطبيق، يمكن أن يدفع نحو إدارة مشتركة لدولة فلسطين الموعودة. وفي الوقت نفسه، ما دامت لا تزال المنظمة وقياداتها، وضمنها قيادات السلطة، ملتزمة بالشراكة السياسية والمؤسساتية مع "حماس"، فإن الدعوات إلى حل الدولتين ستبقى فارغة. لذلك، فإن المطلب الأميركي من السلطة بالقيام بإصلاحات إدارية تمكنّها من أن تكون شريكة في إدارة غزة، يتجه نحو المسار التكتيكي المريح، لكنه يتجاهل الانفصال الفكري والأيديولوجي بين منظمة التحرير، وخاصة "فتح"، وبين "حماس"، وهو ما يجعل احتمالات نجاحه ضئيلة. وهذا، في الوقت الذي لا تزال إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي عموماً، تتبنى مبدأ أنه لا مكان لـ"حماس" كشريك في إدارة الدولة الفلسطينية، وبصورة خاصة إدارة غزة. ويجب التذكير بأن جميع الدول التي تعارض "حماس" الآن، كمركّب في أي إدارة فلسطينية مستقبلية، تقيم علاقات سياسية واقتصادية مع حكومات في العراق، وأيضاً في لبنان، حيث التنظيمات "الإرهابية" هي جزء لا يتجزأ من النظام السياسي الشرعي فيها.
 

المزيد ضمن العدد