حرب السيوف الحديدية: فجوات آخذة في الاتساع في العلاقات ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- حتى بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب، تُظهر الإدارة الأميركية قدراً كبيراً من الضلوع فيما يجري على الأرض، وكثيراً ما تصدر عن الإدارة تعليقات علنية على التطورات وتفضيلها استمرار الحملة والتصعيد العسكريَين، ولاحقاً الخطوات السياسية. يمكن لنا أن نرى في البيان الصادر عن البيت الأبيض في 19/1/2024، بعد المحادثة الهاتفية بين بايدن ونتنياهو، ملخصاً للقضايا الرئيسية التي تُعتبر في قلب جدول الأعمال الأميركي:
- على صعيد المجهود الحربي: ترى الإدارة ضرورة في استمرار الضغط العسكري على "حماس" وقيادتها في القطاع، وترحب بالتغيير الذي طرأ على العمل الإسرائيلي، من مناورة واسعة النطاق، إلى حملات محددة، زمنياً وجغرافياً. لا تزال الإدارة ثابتة في موقفها القائل إنه لا يجب فرض وقف إطلاق النار على إسرائيل، وهو أمر سيساعد حركة "حماس" على العودة إلى مراكمة قوتها، من وجهة نظر الإدارة. لكن خلافاً للتصريحات الصادرة عن البيت الأبيض في بداية القتال، يبدو أن الإدارة الأميركية لم تعد تشدد على الهدف المتمثل في ضرورة هزيمة "حماس"، بل تكتفي بمقولات عامة، مفادها ضمان عدم تمكُّن حماس في المستقبل من تكرار هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر. في موازاة ذلك، تشير الإدارة إلى مواصلتها العمل لضمان حيازة إسرائيل كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها. وتقدّر الإدارة أن استمرار القتال على نار هادئة يخفف من مخاطر التدهور نحو حرب شاملة مع حزب الله.
- زيادة المساعدات الإنسانية ومنع إلحاق الأذى بالمدنيين: أعرب بايدن في حديثه مع نتنياهو عن ارتياحه للقرار الإسرائيلي بشأن السماح بدخول الدقيق إلى قطاع غزة مباشرةً من ميناء أسدود. ترى الإدارة أن الانتقال إلى عمليات صغيرة ودقيقة، سيمكّن من توسيع نطاق المساعدات وإيجاد طرق لزيادة النقل المباشر للمساعدات من إسرائيل إلى غزة. كان موقف الإدارة ثابتاً من بداية الحرب، في مطالبتها بالامتثال لقوانين الحرب، من أجل الحفاظ على مساحة للمناورة السياسية لتوفير الدعم لإسرائيل، سواء في الولايات المتحدة، أو في الساحة الدولية. وتحرص الإدارة حتى اليوم على الإشادة بالخطوات الإسرائيلية المتخذة بشأن المساعدات الإنسانية، بينما تعيد التشديد، في الوقت نفسه، على عدم كفاية هذه الخطوات.
- إطلاق سراح المخطوفين: في كل تصريح صادر عنها، تشدد الإدارة الأميركية على جهودها لإطلاق سراح مزيد من المخطوفين. لقد قال البيت الأبيض إن كبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، التقى، مؤخراً، رئيس الوزراء القطري في الدوحة، وفي السر، من أجل البحث في الجهود المبذولة للتوصل إلى صفقة جديدة. كانت هذه القضية أيضاً محور اللقاء بين مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ورئيس الوزراء القطري في المؤتمر الاقتصادي في دافوس. وشدد المتحدثون الأميركيون على أن المناقشات "جادة ومكثفة للغاية" في هذا الشأن، وأن الإدارة تأمل بأن تؤتي المحادثات ثمارها قريباً.
- مرحلة ما بعد الحرب: في إعلان البيت الأبيض، عقب المكالمة بين نتنياهو وبايدن، تم التأكيد أن "الرئيس ناقش أيضاً رؤيته لتحقيق سلام وأمن واستقرار أكثر لإسرائيل من خلال تعميق اندماجها في المنطقة لدى التوصل إلى اتفاق في إطار حل الدولتين". إن الرسالة الرئيسية الصادرة عن الإدارة الأميركية، مفادها بأن هناك فرصة حقيقية لتسريع عملية التطبيع بين إسرائيل والعرب، وعلى رأسهم السعودية. وفي كلمته أمام مؤتمر دافوس، عرض سوليفان الرؤية التي ناقشها بايدن مع نتنياهو، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- اعتقاد الولايات المتحدة أنه يجب أن تؤدي الحرب إلى خلق واقع إقليمي يضمن الأمن لإسرائيل والدولة المستقلة للفلسطينيين.
- ترتبط مسألة تسريع عملية التطبيع، في نظر الإدارة، بتوفير أفق سياسي للفلسطينيين. لقد شدد سوليفان على أن الحكومة الإسرائيلية لديها وجهات نظر واضحة في هذا الشأن، وأنه سيتعين على إسرائيل اختيار طريق تضمن أمنها. وأضاف سوليفان أن بايدن يعتقد أن أفضل الطرق لضمان ذلك كامن في حل الدولتين الذي يضمن الأمن الإسرائيلي. وركز سوليفان في هذا السياق على أن الإدارة الأميركية حتى قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، آمنت بأن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين لن تنجح، ولذا حاولت، بالتعاون مع السعودية، خلق إطار يشمل الفلسطينيين أيضاً.
- الإدارة الأميركية تعمل بكل نشاط لتعزيز البنية الإقليمية لليوم التالي للحرب. ومن الواضح للإدارة أن الطريق نحو خلق مثل هذا الواقع طويلة ومليئة بالعقبات، (ولا تخفي الإدارة تقديرها هذا)، إلا إنها تصر على تقديم رؤية واضحة وإيلاء الاهتمام وبذل الموارد، من جانب الرئيس وكبار مساعديه، من أجل تحقيق هذا الهدف.
- ترى الإدارة، حسبما يُفهم من أقوال بلينكن، أن عبء الإثبات فيما يتعلق بتحويل الحرب في غزة إلى فرصة لإعادة صوغ الشرق الأوسط، يقع على عاتق إسرائيل، في حين أنها تعترف، للمرة الأولى ربما، باستعداد الجانب العربي لذلك. لكن هذا الاستعداد مشروط بالدفع قدماً بحل للمسألة الفلسطينية. تتوقع الإدارة أن إسرائيل ستقدم لها طرف خيط يمكّنها من الدفع في اتجاه رؤيتها السياسية، لكن يبدو حتى الآن، أن الإدارة ترى أن إسرائيل تتباطأ في تقديم رد على هذا الطلب. ولذلك، فإن الإدارة لا تتردد في التعبير عن إحباطها، ولا سيما من خلال تسريبات إلى وسائل الإعلام الأميركية. يمكننا أن نقدّر أن بايدن لا يعتزم الاستسلام، وأن ضغوطه على إسرائيل ستزداد، وأن هذا التقدير لم يتغير بعد مكالمة بايدن -نتنياهو. حتى إن الرئيس قال للصحافيين بعد ذلك إنه "ليس من المستحيل تحقيق حل الدولتين، حتى عندما يكون نتنياهو في السلطة. هناك أنواع مختلفة من حل الدولتين. وهناك دول أعضاء في الأمم المتحدة، وليس لديها جيش. كما أن هناك دولاً أخرى فُرضت عليها قيود. لذا، أعتقد أنه توجد طرق يمكن سلوكها لضمان نجاح الأمر".
- يواصل بايدن إظهار مساندته القوية لإسرائيل، وهو لا ينجرف خلف الادعاء الذي بدأ بالتفشي بين أعضاء كونغرس ديمقراطيين، يطالب باشتراط المساعدات الأميركية لإسرائيل باستجابتها الإيجابية للمبادرات السياسية. لكن الواقع المعقد لحملة بايدن الانتخابية وانتخابات الكونغرس، وهي مواجهة من المتوقع أن تكون حارة، سيقلل من مجال المناورة المتاح للرئيس إذا ما واجه مصاعب في تقديم إنجازات سياسية في سياساته الخارجية.
- على هذه الخلفية، لا بد من أن نأخذ بعين الاعتبار أن الإدارة، على الرغم من امتناعها حتى اللحظة من استخدام أدوات للضغط على إسرائيل، فإنها تقدّر أن الحكومة الإسرائيلية غير راغبة في التعاون معها بشأن التوجه نحو خطة عامة في "اليوم التالي للحرب"، وهو ما قد يحمل إسقاطات سلبية على استعداد الرئيس لمواصلة الاهتمام بالدفاع عن مواقف إسرائيل وتقديم العون لها في الحرب.