الجميع كانوا يخشون حدوث مقتلة جماعية للفلسطينيين عن طريق الخطأ، والآن، يمكن أن يصبح لهذا الأمر عواقب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • منذ بداية الحرب في القطاع، وهناك خطر كالذي وقع أمس يحيق فوق الرؤوس؛ مقتلة جماعية عرضية، في مواجهة بين الجيش ومواطنين فلسطينيين، سيؤثر في استمرار القتال، ويقلص من الإمكانات التي تملكها إسرائيل، وهو سيناريو قانا [المجزرة التي وقعت عندما قصف الجيش الإسرائيلي مركز قيادة فيجي التابع لقوات اليونيفيل الذي لجأ إليه مدنيون لبنانيون فروا من القصف الإسرائيلي، وهو ما أدى إلى استشهاد 106 أشخاص] نفسه الذي أدى في سنة 1996 إلى إنهاء حملة "عناقيد الغضب" قبل موعدها في جنوب لبنان. وبعد مرور 10 أعوام، في حرب لبنان الثانية، حاول حزب الله أن يكبّر حادثة ذات سمات مماثلة حدثت في القرية ذاتها. وفي الحالة الثانية، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار استمر مدة 48 ساعة، لكن المعارك تجددت لتستمر مدة أسبوعين بعد ذلك، إلى حين موعد التوصل إلى تسوية أدت إلى إنهاء الحرب.
  • في بداية الحرب الراهنة في القطاع، حاولت "حماس" القيام بخدعة مماثلة بشأن قصف مستشفى في مدينة غزة، واتضح بعد مرور ساعات معدودة، بصورة شبه يقينية، أن الحادثة وقعت نتيجة خطأ في إطلاق صاروخ فلسطيني، فحط على المستشفى، بينما عدد القتلى على ما يبدو بلغ نحو عُشر ما تم التبليغ عنه في البداية. وقد خبا الاهتمام العالمي بما حدث هناك، بصورة شبه فورية تقريباً.
  • أمّا حادثة صباح الأمس، فهي حقيقية، وقد حدثت في واحدة من نقاط الضعف الأكثر عرضة للشغب؛ فهي واحدة من المناطق المعدودة التي يمكن للمساعدات الإنسانية الوصول إليها في شمال القطاع. ويوجد في الشمال الآن، بحسب تقديرات متعددة، نحو ربع مليون إنسان يتنقلون بين المنازل والشبكات والمباني العامة المدمرة خلال الحرب، في محاولة للبحث بطريقة ما عن ملجأ آمن، والحصول على طعام لأنفسهم وأبناء أسرهم، لكن بعكس ما يحدث في جنوب القطاع، فإن سيطرة "حماس" في الشمال ضعيفة، حيث تسود الفوضى هناك. وخلال الأسابيع الماضية، دارت مفاوضات مكثفة بين إسرائيل والمجتمع الدولي، في محاولة للتخفيف قليلاً من الأزمة، وتسوية مسألة تأمين توزيع الإعانات، وهنا تتجلى مفارقة معينة: فتوزيع المعونات الإغاثية في المناطق التي تسيطر عليها "حماس" منظمة بصورة أكبر، لكن المنظمة أيضاً تقوم بـ"نهب" بعض الشحنات، وإسرائيل (بدعم من الولايات المتحدة) لا ترغب مطلقاً أن تستمر "حماس" في تولّي مقاليد الأمور، لكن من دون الحركة، فإن الفوضى ستتسع.
  • وإسرائيل نفسها لا يمكنها المساعدة في الأمر، كما اتضح أمس؛ فبحسب الجيش الإسرائيلي، حدثت الكارثة حين توجهت حشود كثيفة من الناس في اتجاه شاحنات مساعدات في منطقة المرسى في ميناء غزة، وقد سُحق العشرات موتاً تحت الأقدام. ولاحقاً، تمت مهاجمة قوة صغيرة تابعة للجيش من جانب الجموع، فقام طاقم إحدى الدبابات بإطلاق النار من أجل تأمين مهرب للقوة الإسرائيلية.
  • وبحسب الفلسطينيين، فقد قُتل أكثر من مئة مدني في سلسلة الأحداث الناجمة عن الاكتظاظ واليأس في القطاع، ونشبت حول جهود توزيع المساعدات للسكان. ويمكننا أن نطلق على الأمر توصيف "الحالة الصومالية"، وهي حادثة من شأنها أن تتكرر، بل وأن تزداد أيضاً كلما تصاعدت الفوضى في القطاع، ولم يتم العثور على تسوية سياسية تهدئ النفوس قليلاً، في محاولة لفرض قليل من النظام.
  • وقد زعم الجيش الإسرائيلي أمس، استناداً إلى تحقيق أولي، أن أغلبية القتلى والجرحى قد أُصيبوا وقُتلوا نتيجة التدافع، وأنه لم يسقط برصاص الجنود سوى عدد قليل من الناس. ومن الصعب أن نلوم القادة الميدانيين الصغار في الميدان، الذين وجدوا أنفسهم، بحسب ما يعتقدون، في وضع من شأنه تعريض حياة الجنود للخطر. ويُظهر مقطع فيديو جوي المجاميع الكثيرة وهي تتراصّ حول الشاحنات، لكن الرواية الإسرائيلية بشأن الأحداث قد خرجت متأخرة، بعد نحو عشر ساعات على إطلاق النار.
  • ومن المشكوك فيه أن التفسيرات الإسرائيلية سَتُهِم أحداً، فالمشاهد الأليمة من الحادثة تتسق مع معطى نشرته وزارة الصحة في غزة، والتي تسيطر عليها "حماس"، يوم أمس، وهو يفيد بأن 30,000 فلسطينياً، منهم نحو 12,500 طفلاً وفتى، قد قُتلوا منذ اندلاع الحرب. ويعتبر العالم إسرائيل هي المسؤولة الرئيسية عن هذه الكارثة، وذلك على الرغم من أن "حماس" هي من بادرت إلى الهجوم "القاتل" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأن طرائق عملها ومواقفها لا تثير كثيراً من الإعجاب في دول الغرب.
  • والآن أصبح الخطر أكبر؛ فالفوضى واليأس يتزايدان في القطاع، وشهر رمضان يقترب، وفظائع الأمس من شأنها أن تؤجج الأجواء في ساحات أُخرى، على غرار الضفة الغربية. ومن شأن تأثير ما يحدث أن يتسع بصورة أكبر إلى دول إسلامية وعربية متعددة تتهم إسرائيل منذ الآن بتنفيذ مجازر ضد المدنيين. صحيح أن إسرائيل قد هزمت "حماس" عسكرياً في مناطق واسعة من القطاع، وضربت قدراتها العسكرية والتنظيمية بصورة كبيرة، لكنها غير قادرة حقاً على السيطرة على الحالة الفوضوية التي تسبب بها هجوم الحركة في القطاع، ولا يملك الجيش ما يكفي من القوات كي يسيطر على النشاطات المدنية في جميع أرجاء القطاع، وكل احتكاك متواصل بالسكان المدنيين من شأنه أن يؤدي إلى مآسٍ جديدة.
  • وقعت حادثة الأمس في عز الجهود الأميركية للتوصل إلى صفقة تبادل جديدة مكونة من مرحلتين؛ الأولى تترافق مع وقف لإطلاق النار يستمر نحو 6 أسابيع، فإذا ما دخلت هذه المرحلة حيز التنفيذ، فإنه سيتم النظر في برنامجين لإرسال المساعدات الإنسانية: الأول عبر شمال القطاع، بصورة من شأنها أن تقلص من عمليات "نهب" الشاحنات التي تمر بمصر، إذ تختفي معظم البضائع التي تمر عبر مصر قبل وصولها إلى الشمال (على الرغم من أن حادثة الأمس حدثت في الشمال). أمّا البرنامج الثاني، فيصل عبر البحر مروراً بقبرص.
  • ومن الممكن أن تلجأ الولايات المتحدة الآن إلى استغلال الكارثة لزيادة ضغوطها على إسرائيل لحملها على لجم نشاطها العسكري والتوصُل إلى تسوية سريعة، لكن هناك عنصراً آخر في هذه القصة، وهو "حماس"، التي لا تلاقي مصاعب في تشخيص أنها حصلت على ورقة رابحة على طاولة المفاوضات. ومن شأن إسرائيل، في السيناريو الأكثر تشاؤماً من ناحيتها، أن تواجه مطلباً دولياً أكثر شمولاً وحسماً من أجل وقف إطلاق النار، ومن دون العثور على حل، ولو جزئي، لأزمة المختطفين.
  • ويواجه نتنياهو الآن أزمة مضاعفة، بل أيضاً ثلاثية؛ ففي ميدان الحرب، يجد الرجل نفسه في زاوية يمكن فيها أن تمارَس عليه ضغوط استثنائية من ناحية الحجم من أجل وقف النشاط الهجومي في القطاع. ومن الناحية السياسية الداخلية، فإن وزير الدفاع، غالانت، قد تحالف في الأول من أمس مع وزيرَي حزب المعسكر الرسمي من أجل نصب كمين لنتنياهو في مسألة قانون تجنيد الحريديم. وهذا الأمر في إمكانه للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، أن ينفخ الريح في أشرعة الحركة الاحتجاجية المناهضة لنتنياهو، على خلفية الظلم الصارخ لمن يحملون على كواهلهم عبء الخدمة العسكرية، مقارنة بالمتهربين من الخدمة في أواسط المجتمع الحريدي. وهكذا، فقد باتت وعود نتنياهو بشأن تحقيق النصر المؤزر والسريع في القطاع، هذا الأسبوع، جوفاء أكثر من ذي قبل.

 

 

المزيد ضمن العدد