قنبلة متفجرة على صعيد الوعي يمكن أن تقوّض الشرعية
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • لدى "حماس" والسلطة الفلسطينية وسيلتان فقط لوقف مناورة كبيرة للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ومنع تفكيك القدرات العسكرية لـ"حماس"؛ الأولى، هي صفقة مخطوفين، والثانية، تعرّضْنا لها مجدداً هذا اليوم، وهي ضغط دولي على خلفية إنسانية يجبر إسرائيل، وخصوصاً بسبب ضغط الولايات المتحدة، على وقف القتال بالكامل.
  • لقد أدركت "حماس" أن إسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات بعيدة المدى في صفقة المخطوفين، لكنها ليست مستعدة بأي شكل من الأشكال لتتعهد بإنهاء القتال. لذلك، توجهت "حماس" إلى الضغط الدولي الذي تأمل بواسطته إجبار الجيش الإسرائيلي على الوقف التام للقتال، وهذا هو السبب وراء محاولة وزارة الصحة الفلسطينية والناطق بلسان السلطة الفلسطينية تحويل الحادث الدموي الذي وقع عند "نهب" شاحنات المساعدات إلى "مذبحة جماعية" تتحمل إسرائيل مسؤوليتها، ويُظهر أن الجيش الإسرائيلي هو الذي قام بها. وقبل أن تتضح كل التفاصيل وأرقام القتلى، أُطلق على الحادث اسم "مذبحة الرشيد".
  • ويحاول الفلسطينيون منذ ساعات الصباح الباكر صنع قنبلة متفجرة على صعيد الوعي تؤدي إلى وقف المناورة البرّية للجيش الإسرائيلي في غزة. وإن مَن يقف في هذه الجبهة الدعائية الآن هو الناطق بلسان الجيش الذي يتعين عليه أن يكذّب، بواسطة أدلة موثوقة، أن إسرائيل ليست المسؤولة عن المذبحة. وحتى لو أطلق الجنود الإسرائيليون النار على الفلسطينيين الذين "نهبوا" الشاحنات، فإنهم ليسوا هم سبب سقوط هذا العدد الكبير من المصابين.
  • لقد واجهنا وضعاً كهذا في بداية العملية البرّية في القطاع، عندما سقط صاروخ أطلقه الجهاد الإسلامي، وسقط خطأً في باحة مستشفى في شمال القطاع، وتسبب بمقتل عشرات الفلسطينيين؛ يومها مرّت ساعات طويلة قبل أن يقوم الرئيس الأميركي، جو بايدن، بنفسه بـ"تفكيك" هذه القنبلة الدعائية، وأعلن وجود أدلة إسرائيلية تثبت أن الصاروخ لم يكن إسرائيلياً، إنما هو صاروخ فلسطيني سقط عن طريق الخطأ.
  • من الصعب إثبات ادعاءات الجيش الإسرائيلي بشأن ما حدث هذا الصباح، لأن ما جرى فعلياً هو 3 حوادث مختلفة بدأت عند الساعة الرابعة فجراً، عندما دخلت شاحنات مساعدات إنسانية محملة بالمواد الغذائية شمال القطاع عبر حاجز مراقبة للجيش الإسرائيلي، واحتشد آلاف حولها، وحاولوا "نهب" المواد الغذائية التي تحملها الشاحنات، ويمكن رؤية ذلك عبر الفيديوهات التي صورتها مسيّرات إسرائيلية، وقد تعرض هؤلاء للدهس من الحشود أو من سائقي الشاحنات الذين حاولوا الفرار.
  • وهذا كان الحادث الأول الذي يمكن رؤيته بوضوح عبْر كاميرات المسيّرات، ولم يكن للجيش أي دخل فيه. وبعد محاولة "نهب" الشاحنات، جرى إطلاق نار من جانب مسلحين، ربما هم عناصر من "حماس" أو من تنظيمات أُخرى، لتهدئة الجموع، وبهدف سرقة الشاحنات.
  • وتدخّل الجيش الإسرائيلي مباشرة في الحادث الثالث حين اقترب جزء من الجموع ووصلوا إلى مسافة عشرات الأمتار من الجنود الإسرائيليين، وكانوا على ما يبدو هاربين من نار المسلحين الذين حاولوا الاقتراب من شاحنات الغذاء في الاتجاه الآخر، وهنا يدّعي الضابط المسؤول عن الجنود في الدبابات الموجودة في المكان أنهم شعروا بالخطر، فأطلقوا النار في الهواء، ومن بعدها على أرجل الجموع التي كانت تتقدم نحوهم، ولم يوثق الجيش ما حدث في فيديوهات يمكن بواسطتها تكذيب الاتهامات الفلسطينية، لكن ما يستطيع الجيش أن يفعله هو أن يُظهر بهذه الفيديوهات، التي جرى تصويرها من الجو، أن أغلبية القتلى سقطوا في الحادثَين اللذَين لم تكن للجيش علاقة بهما.
  • ونأمل أن تتمكن إسرائيل من تكذيب الادعاءات الفلسطينية، لأنه من الواضح أنها غير صحيحة ومبالغ فيها، وما يمكن أن يساعدها في ذلك وجود صحافيين من الـ"CNN" في المنطقة ووسائل إعلامية أُخرى أجرت مقابلات مع الفلسطينيين الذين رووا أن سائقي الشاحنات قاموا بدهس جزء من الناس، وأن تدافُع الجموع تسبب بمقتل عدد آخر. لكن الحرب على الوعي في هذه الراوية هي الآن في أوجها، ويمكن أن تكون لها تداعيات في استمرار القتال، وأيضاً في صفقة المخطوفين.
  • ولقد أعلنت "حماس" أنها يمكن أن توقف أو تجمد المفاوضات بشأن الصفقة، لكن من المعقول الافتراض أن ما يجري هو جزء من الحرب النفسية التي يخوضها هذا التنظيم "الإرهابي"... وعلى الرغم من ذلك، وكما جرى في عملية "عناقيد الغضب" في التسعينيات، أو في حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، فإنه من الممكن أن يضغط الرأي العام الدولي على دولة إسرائيل كي توقف القتال. وفي الواقع، ومن دون وقوع هذه الحوادث المأساوية، فإن الشرعية التي لدى الحكومة الإسرائيلية في الساحة الدولية للقتال دفاعاً عن نفسها هي اليوم في أدنى مستوياتها.
  • وعلى الصعيد الاستراتيجي السياسي، فإنه يجب على إسرائيل العمل بصورة ناجعة من أجل تقليص أكبر قدر ممكن من عدد الحوادث التي تسمح لـ "حماس" والسلطة الفلسطينية بتحقيق إنجازات على صعيد الوعي، وتقوض أو تقضي على شرعية مواصلة القتال حتى تحقيق كل أهداف الحرب.
  • وتجدر الإشارة بشأن كل ما له علاقة بالمساعدة الإنسانية و"النهب" إلى أن ما جرى كان متوقعاً، فعندما بدأت أعمال "النهب"، كان من الواضح أنها عندما تحدث في الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ستتحمل إسرائيل المسؤولية عنها، وهذا يحدث دائماً عندما تكون أنت القوة المسيطرة على الأرض، شئت أم أبيت، والمسؤولية هنا نابعة من القانون الدولي، ووسائل الإعلام الدولية التي تعتبرك مسؤولاً عما يجري هنا. لذلك، فمن الأفضل أن يقرر المستوى السياسي أخيراً خطة لليوم التالي للحرب، بحيث يكون الجيش الإسرائيلي وَجِهَات أُخرى معاً مسؤولين عن حماية المساعدات وتوزيعها. كما يجب أن تكون القوات المكلَفة بتفتيش الشاحنات مزودة بوسائل تفريق التظاهرات، وأن تمتنع خلال وقوع أعمال شغب من إطلاق النار. كما يتعين على حكومة إسرائيل والكابينت أن يقدّما إلى الجيش الإطار السياسي والقانوني من أجل التعامل مع المواطنين المدنيين في القطاع في أقرب وقت ممكن، وإلاّ، فيمكن ألاّ نتمكن من تحقيق أهداف الحرب.
 

المزيد ضمن العدد