في الوقت الذي تُباع فيه الأوهام إلى الشعب، إسرائيل على عتبة هزيمة ذات أبعاد تاريخية
تاريخ المقال
المصدر
- منذ بداية الاجتياح البري في 27/10/2023، شرع مجلس الحرب وهيئة الأركان العامة في تضليل الشعب باستخدام كلمات رنانة، وبنشر أنصاف الحقائق. والآن، وعلى ضوء المواجهات القائمة بين أعضاء المجلس الحربي الذين يتبادلون الاتهامات بالإخفاق الاستراتيجي في الحرب، آن أوان كشْف الحقيقة المُرَّة.
- بعد "مجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر، حدد المجلس الحربي 4 أهداف للمعركة: تقويض حُكم "حماس" والقضاء على قدراتها العسكرية، والقضاء على تهديد "الإرهاب" الموجه من القطاع إلى إسرائيل، وبذْل أقصى الجهود من أجل حل مسألة الرهائن، وأخيراً حماية حدود الدولة ومواطنيها.
- وعلى الرغم من أن الرُتب القتالية (وصولاً إلى رتبة عميد) قد أظهرت بطولات وتضحيات في الميدان تعيد إلى الأذهان بطولات سنة 1948، ومن أن الجيش الإسرائيلي تمكّن من قتل آلاف "المخربين" وضَرَب بصورة كبيرة الشبكات العسكرية التابعة لحركة "حماس"، فإن من الواضح للجميع أننا لم نحقق أهداف الحرب.
- لقد اعترف رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، بالأمر أمام اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية والأمن حين قال: "لم نحقق أياً من أهداف الحرب الاستراتيجية؛ إذ لم نتوصل إلى أوضاع تتيح التوصل إلى صفقة تبادُل أسرى، ولم نتمكن من تقويض "حماس"، ولم نوفر أوضاعاً تسمح لسكان غلاف غزة بالعودة إلى منازلهم بسلام." وأرغب هنا في أن أضيف إلى أقوال هنغبي أن المجلس الحربي وهيئة الأركان لا يملكان أي خطة عملانية لتحقيق هذه الأهداف في المستقبل المنظور.
- وعلى الرغم من الأضرار التي ألحقناها بحركة "حماس"، فإنها لا تزال واقفة منتصبة، وقد نجحت في إعادة بسط سيطرتها العسكرية على كل منطقة انسحب منها الجيش الإسرائيلي في القطاع، إذ عاد "إرهابيو" الحركة فعلاً إلى خان يونس التي عمل الجيش الإسرائيلي على احتلالها على مدار أشهر عديدة، بل أيضاً عادوا إلى شمال القطاع الذي صب الجيش الإسرائيلي كل نيرانه عليه. ويوجد هناك، في شمال القطاع، بين 4000 و5000 مقاتل من "حماس".
- في كانون الأول/ديسمبر، أوضح الجيش الإسرائيلي أن نشاطه في جباليا أدى إلى القضاء على القدرات العسكرية لكتيبة جباليا واللواء الشمالي التابع لحركة "حماس"، لكن في محاولة الاحتلال الثانية لجباليا، فوجئت قواتنا بعدد مقاتلي "حماس" الذين ظلوا هناك، وبكثافة القوة النارية التي كانوا قادرين على إنتاجها، وها هو الجيش الإسرائيلي مجدداً يبلّغنا أنه تمت هزيمة كتيبة جباليا، لكننا سننسحب من هناك مجدداً، لنُفاجَأ مجدداً بقوة هذه الكتيبة حين نضطر إلى العودة إلى هناك في المرة المقبلة.
- وعلى مدار الأشهر الماضية، قامت "حماس" بضرب إسرائيل بعشرات الصواريخ، وبعض عمليات الإطلاق هذه لا يزال يجري من شمال القطاع الذي انسحب الجيش منه. أمّا من الناحية المدنية، فلا تزال "حماس" تسيطر بصورة شبه تامة على القطاع، وعلى توزيع المساعدات الإنسانية؛ فعلى سبيل المثال، أوضح الضابط الإسرائيلي المسؤول عن قيادة القتال في منطقة جباليا أن "معسكر جباليا للاجئين وسوقه المركزي كانا شديدَي النشاط حتى عشية السبت، و’حماس‘ تسيطر على المنطقة هنا بالكامل."
- ولا تزال أغلبية المختطَفين موجودة في قطاع غزة، وقد تبيَّن أن الادعاء القائل إن الضغط العسكري سيؤدي إلى إطلاق سراحهم غير صحيح. ويخشى عشرات الآلاف من الإسرائيليين العودة إلى منازلهم في جنوب البلد (وفي الشمال أيضاً)، ناهيك بتدهوُر المكانة الدولية لإسرائيل على نحو متزايد.
- خلاصة القول إنه على الرغم من الإنجازات التكتيكية المبهرة التي حققتها قواتنا على الأرض، فإن المجلس الحربي وهيئة الأركان أخفقا إخفاقاً ذريعاً في تحقيق أهداف الحرب، وها نحن الآن نقف على حافة هزيمة استراتيجية. وعلى الرغم من أن فشلنا في الحرب بات واضحاً للجميع، فإن الجيش الإسرائيلي يواصل العمل وفقاً لاستراتيجيته الفاشلة في الهجوم ثم الانسحاب من دون أن يبذل أي محاولة للسيطرة على الأرض.
- ومع كل ما تقدّم، فإن وسائل الإعلام، وخصوصاً المحللين والمراسلين العسكريين، تواصل تمجيد هيئة الأركان (والجهات التي تؤيد هيئة الأركان في مجلس الحرب الوزاري)، وتخفي عن الجمهور حقيقة إخفاق الجيش، الذي لم يفلح، على مدار 8 أشهر من الحرب، في تركيع أضعف أعداء دولة إسرائيل. وبناء عليه، فمن المهم أن نشير إلى الإخفاقات الرئيسية في إدارة هذه الحرب، فهذا وحده الذي من الممكن أن يتيح لنا فرصة تغيير وضعنا.
إفلاس
- من الصعب على المرء تصديق ذلك، لكن هيئة الأركان، التي لديها مخططات عملية للحرب ضد أي من أعداء إسرائيل، لم تكن تملك خطة جاهزة لاحتلال قطاع غزة، وذلك على الرغم من أن "حماس" التي تسيطر على القطاع تهاجم إسرائيل منذ صيف 2007. وبسبب عدم وجود خطة جاهزة، فقد اضطرت هيئة الأركان إلى ارتجال خطة حربية خلال 3 أسابيع، وذلك على الرغم من أن المعركة الواسعة النطاق التي يخوضها الجيش في القطاع على مدار أشهر عديدة تتطلب تخطيطاً يستمر لسنوات، وتحضير القوات ومخازن السلاح والذخائر وفقاً لهذه الخطة.
- وفي الخطة الحربية التي حضّرتها هيئة الأركان، وصادق عليها المجلس الحربي، صدر القرار بعدم احتلال الجيش الإسرائيلي القطاع، إنما فقط طُلب منه أن يخوض تحركاً برياً واسع النطاق تنسحب القوات الإسرائيلية في نهايته من أغلب مناطقه. بكلمات أُخرى؛ لقد جرى منذ البداية اختيار استراتيجيا تتيح لـ "حماس" البقاء بعد الحرب، وذلك لأنه لا يمكن تحقيق هدف القضاء على قدرات "حماس" العسكرية وسلطتها المدنية من دون الاحتلال التام للقطاع، والسيطرة الأمنية الكاملة عليه.
- كان في إمكاننا، على مدار الأسابيع الماضية، رؤية ثمار خطة هيئة الأركان عن كثب، فبعد 8 أشهر من اندلاع الحرب، لا تزال الفتيات في مدارس سديروت يضطررن إلى الاختباء تحت طاولات الدراسة، ولا تزال "حماس" قادرة على إطلاق صواريخها حتى منطقة غوش دان، وسهل الشارون [وسط فلسطين المحتلة].
- وتفيد الخطة الحربية التي تم تحضيرها في هيئة الأركان بأن على الجيش القيام بعملية عسكرية في القطاع على مدار عام أو أكثر، وعلى الرغم من أن المدة التي حددتها هيئة الأركان في برنامجها تشير إلى عدم فهم تام للساحة الدولية، ناهيك بمخزون الذخائر المتوفر، فإنه قد تمت المصادقة على هذه الخطة الحربية من جانب مجلس الحرب. وقد حددت الخطة الحربية أن الجيش سينتقل، خلال 3 أشهر، من مرحلة القتال الناري الكثيف إلى مرحلة الاجتياحات التي تستمر أشهراً طويلة.
- وتوصلت هيئة الأركان إلى استنتاج فحواه أن مرحلة النيران الكثيفة لن تركّع "حماس"، لكن مرحلة الإغارات البرية ستحقق هذا الهدف، أمّا المستوى السياسي، فقد صادق على هذه الاستراتيجيا، على الرغم من أنها تفتقر لأي منطق عسكري.
- وعلى الرغم من الحجم الهائل للقوات التي تم تجنيدها لخوض الحرب، فقد قررت هيئة الأركان عدم مهاجمة جميع مواقع "حماس" في القطاع في الوقت نفسه، كما قررت عدم مهاجمة جنوب القطاع بالتوازي مع شماله، إنما قررت مهاجمة الشمال وحده. وحتى بعد انتهاء الهجوم على الشمال، قررت هيئة الأركان، بموافقة من المستوى السياسي، مهاجمة خان يونس بدلاً من رفح. وقد أدى النشاط العسكري الإسرائيلي في شمال القطاع إلى تهجير أكثر من مليون غزّي إلى الجنوب، وهو ما أدى إلى تعطيل صدور القرار بدخول رفح على مدار أشهر طويلة.
- هل تريدون أن تفهموا مدى عبثية قرار عدم اجتياح رفح إلى الآن وسخفه؟ خلال نشاطات الجيش في رفح، تم كشف ما لا يقل عن 50 نفقاً يربط المدينة بمصر (وعلى ما يبدو، هناك عدد أكبر كثيراً من الأنفاق التي لم يتم كشفها حتى الآن). وبكلمات أُخرى؛ عبر الأشهر الثمانية الماضية، استمرّت عمليات تزويد الأسلحة، والذخائر، والوقود، والغذاء، إلى قوات "حماس" عبر هذه الأنفاق، من دون أي عوائق، بينما كان من شأن دخول فوري إلى رفح أن يقطع طريق الإمدادات هذا، وقد كان هذا خطأ استراتيجياً خطِراً ارتكبه كل من المجلس الحربي وهيئة الأركان.
- وبعد قتال طاحن دار في شمال القطاع في بداية الحرب، قررت هيئة الأركان، بمصادقة المجلس الحربي، سحب أغلبية القوات الإسرائيلية من المنطقة، وهو ما أتاح لحركة "حماس" إعادة بسط سلطتها المدنية والعسكرية في المناطق التي تم احتلالها بعد دفْع ثمن باهظ. وعملياً، اضطر الجيش إلى العمل في حي الزيتون للمرة الثالثة، بعد أن انسحب من الحي في المرتَين السابقتَين عَقِبَ تمكُنه من السيطرة عليه.
- وبعد الانسحاب الثاني، عاد مئات مقاتلي القسام إلى الحي، وقاموا بتجميع مخازن السلاح الهائلة، وأطنان الغذاء، وأقاموا في الحي عشرات الكمائن المفخخة، ونشروا خلايا مضادات الدروع، ونتيجة لهذا، اضطرت قوات الجيش إلى خوض معركة طاحنة في المنطقة التي كان الجيش قد سيطر عليها مرتَين في السابق، وسقط خلال المعركة الأخيرة 5 جنود، وأُصيب 19 آخرين.
- لكن، وعلى الرغم من أن استراتيجيا "الانسحاب بعد السيطرة" قد فشلت في كل مكان تم تنفيذها فيه، وفي حي الزيتون بصورة خاصة، فقد عادت هيئة الأركان إلى سحْب قوات الجيش من الحي بعد السيطرة الثالثة عليه، والاستنتاج الذي توصّل إليه جميع الضباط الميدانيين هو أن الجيش سيضطر إلى العودة إلى هناك للمرة الرابعة، وربما يحدث هذا الأمر خلال الشهر المقبل.
إخفاقات بلا عِبر
- لقد عارض كل من المجلس الحربي وهيئة الأركان إقامة حُكْم عسكري موقت للمناطق التي احتلها الجيش، على الرغم من أن هذه الطريقة كانت الوحيدة القابلة للتطبيق، والتي يمكن عن طريقها تقويض سلطة "حماس" المدنية في القطاع. لقد خرج وزير الدفاع، الذي عارض بكل ما يملك من قوة فرض حكم عسكري موقت، بعدة مخططات وهمية لتوفير بديل سلطوي في القطاع، ومؤخراً، توصّل إلى خطة جديدة تقضي بتجميع السكان المدنيين داخل "فقاعات إنسانية"، حيث سيتم في كل فقاعة إنشاء منظومة مدنية مكونة من جهات محلية تديرها، ويتم تسليحها بسلاح خفيف، من أجل مواجهة الآلاف من مقاتلي "حماس" المدرَبين، الذين لا يزالون موجودين في أرجاء القطاع.
- وكما هو حال جميع المخططات الحمقاء التي تلاشت من دون تحقيق أي إنجاز، فإن الخطة الجديدة التي أطلق البعض عليها اسم "غزيون مع مسدسات" لن تحقق أي شيء، وستختفي كما ظهرت بسرعة. لم يكد نتنياهو وغانتس يلطخان حذائَيهما بوحل المعركة، لِيَخْرُجَا إلينا بمخططات أُخرى تفتقر إلى أي أفق يضمن بديلاً سلطوياً لـ "حماس". فعلى سبيل المثال، تحدّث نتنياهو عن قوات عسكرية خاصة، ودعا غانتس إلى إقامة إدارة أمريكية - أوروبية - عربية - فلسطينية مشتركة تدير القطاع مدنياً، وتُرسي أساساً لبديل مستقبلي "لا يمثل ’حماس‘ أو عباس"، على الرغم من أن جميع الجهات التي ذكرها تؤيد نقل السلطات المدنية في القطاع إلى السلطة الفلسطينية.
- ونتيجة لإصرار المستويَين، العسكري والسياسي، على عدم إقامة حُكم عسكري موقت في القطاع، فإنه لم يتم العثور على أي حل عملاني لمسألة سيطرة "حماس" على الإغاثات الإنسانية، وقد قدّر المحلل إهود يعاري أن "حماس" قد انتصرت منذ بداية الحرب، نتيجة سيطرتها على الإغاثات الإنسانية، وهو ما لا يقل عن نصف مليار دولار، بمعنى أن إسرائيل تقوم على مدار الأشهر الثمانية الماضية بتمويل المنظمة "الإرهابية" التي شنت الحرب عليها.
- صحيح أن أوامر الاعتقال الصادرة عن كل من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي هي أوامر كاذبة وسخيفة، بل أيضاً مصابة بمعاداة مقنّعة للسامية، لكنني أقدّر أننا لو تمكنا من إنشاء حُكم عسكري في القطاع، لَكَانت إمكانات صدور مذكرات اعتقال ضد كل من نتنياهو وغالانت أقل كثيراً من الآن (وهي مذكرات لها عواقب سلبية أكبر كثيراً من الضرر الذي سيلحق، بصورة شخصية، بكل من نتنياهو وغالانت)، ولو تم فرْض نظام حُكْم عسكري في القطاع، لقلّت إمكانات صدور أمر يقضي بمنع الحرب في رفح. وذلك لأن أوامر الاعتقال تستند إلى ادعاءات (كاذبة) فحواها أن إسرائيل تعمل بصورة مقصودة لإبادة السكان المدنيين في القطاع بواسطة التجويع المنظم وقطْع طريق إدخال الإمدادات الأساسية، ولو كنا أنشأنا حُكْماً عسكرياً في غزة، لما كان في الإمكان إطلاق أي من هذه الادعاءات.
- لقد ضَمِنَ رفْض كل من مجلس الحرب وهيئة الأركان تشكيل حكم عسكري استمرارَ الحُكْم المدني لحركة "حماس"، كما سمح لها بالاستيلاء على الإغاثات الإنسانية طوال الحرب، كما ساهم أيضاً في صدور القرار عن محكمة لاهاي.
- واستناداً إلى قائمة الإخفاقات المذكورة أعلاه، يبدو أن إسرائيل على عتبة هزيمة استراتيجية لم تتعرض لها من قبل، بَيْدَ أن كبار الساسة والقادة العسكريين يستمرون في تغذية الشعب بالأوهام، وكأن العملية العسكرية المحدودة في رفح ستكون نهاية الحرب. لكن حتى لو تمكّن الجيش من ضرب كتائب "حماس" الأربع المتموضعة في المدينة، فكيف يمكن أن يغير الأمر الوضع العام للحرب؟
- إذا لم يفلح القضاء على 13,000 "مخرب" في تقويض "حماس" عسكرياً، فكيف يمكن لِقَتْلِ 1000 "مخرب" إضافي أن يحقق هذا الهدف؟ تنوي هيئة الأركان الاستمرار في الاستراتيجيا نفسها التي اتبعتها على امتداد الحرب، أي الانسحاب من رفح فور نجاح قوات الجيش في السيطرة عليها.
- لقد أثبتت هذه الاستراتيجيا فشلها الذريع في تحقيق أهداف الحرب في مدينتَي غزة وخان يونس، فكيف يمكن لها أن تفلح في رفح؟ بل أيضاً كيف يمكن لها أن تفلح في محور فيلادلفي الذي اضطررنا إلى احتلاله في الأيام الأولى من الحرب والسيطرة عليه منذ ذلك الحين، من دون وجود نية لاحتلاله بصورة دائمة، على الرغم من أنه يمثل خط الإمداد الوحيد لحركة "حماس". إذاً؛ ما هي الدروس التي تعلّمها مجلس الوزراء الحربي وهيئة الأركان العامة من إخفاقاتهما حتى الآن؟
والآن، لننتقل إلى الخلاصة
- بعد أن ارتكب مجلس الحرب وهيئة الأركان جميع الأخطاء التي يمكن ارتكابها في هذه الحرب، لا تزال هاتان الهيئتان مصرّتان على مواصلة القيام بالأمر ذاته. إن رفْض أعضاء المجلس الحربي وهيئة الأركان الاعتراف بأن الإخفاق المريع في 7 تشرين الأول/أكتوبر قد أُضيف إليه إخفاق مريع آخر يتمثل في هزيمتنا الاستراتيجية في الحرب يدفعهما إلى محاولة مواصلة بيع الأكاذيب نفسها إلى الشعب، والتي فحواها أننا على مرمى حجر من النصر المؤزر، بينما نحن نقف على حافة هزيمة تاريخية.
- وفي ضوء هذا الإخفاق، يتعين على رئيس هيئة الأركان وجميع الجنرالات المسؤولين عن الإخفاق في إدارة الحرب، وإخفاق 7 تشرين الأول/أكتوبر، الاستقالة من مناصبهم فوراً ومن دون أي تأخير، ومن اللائق أيضاً أن يستقيل كل من رئيس الحكومة وجميع أعضاء مجلس الحرب من مناصبهم فوراً، وإذا لم يقوموا بذلك، فعليهم أن يرجعوا إلى الشعب لكي يطلبوا الثقة منه مجدداً.
- ربما يقول قائل: ما الذي علينا فعله الآن؟
- حسناً، لقد وافقت إسرائيل فعلاً على الخطوط العريضة للتوصل إلى صفقة تضمن استعادة المختطَفين، تشمل وقفاً طويلاً جداً لإطلاق النار، وهذا يعني، بحكم الأمر الواقع، إنهاء الحرب، من دون إعلان انتهائها بصورة قانونية. وأنا أقترح أن تحيط إسرائيل الولايات المتحدة، والدول العربية المعتدلة، وجميع الجهات الوسيطة، عِلْماً بأنها مستعدة لأن تعلن انتهاء الحرب بصورة رسمية شرط عودة جميع المختطَفين، مع التشديد على "جميع" المختطَفين، بصورة فورية. وإذا وافقت "حماس" على الأمر، فستوقف إسرائيل حربها، وستبدأ عملية محاسبة للذات على المستويات الدبلوماسية، والعسكرية، والسياسية الداخلية، بشأن إخفاقنا في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي الحرب التي تلت ذلك التاريخ.
- لكن إذا رفضت "حماس" هذه الخطوط العريضة للصفقة، وأنا أقدّر أنها ستفعل، فيجب على إسرائيل أن تفعل ما كان ينبغي عليها فعله منذ البداية؛ إعادة احتلال القطاع بالكامل، وإقامة حكم عسكري موقت هناك، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي بمشاركة الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، بما يشمل السلطة الفلسطينية، من أجل الحسم في هوية الجهة السلطوية التي ستأتي لاحقاً لتحل محل الحكم العسكري الإسرائيلي الموقت (أمّا السيطرة المدنية على القطاع، فستظل في قبضتنا). وسيضمن تطبيق خطة كهذه إجماعاً وطنياً إسرائيلياً واسعاً.
- لن يكون في إمكان أحد، في هذه الحالة، أن يدعي أن الحكومة لم تقم بكل ما في وسعها من أجل استعادة المختطَفين، إنما سيكون في وسع إسرائيل أن تطلب دعم الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة لخطة تقترح نهاية تامة للحرب.
- وعلى هذا النحو، فإننا إمّا سننجح في استعادة جميع المختطَفين، الأحياء منهم والأموات، في مقابل كل ما وافقنا عليه عملياً، وإمّا سنعود إلى احتلال جميع القطاع، في الوقت الذي نضمن فيه شرعية دولية واسعة النطاق، بحيث يمكننا تحقيق الهدف الأساسي للحرب؛ القضاء على سلطة "حماس"، وتدمير قدراتها العسكرية.