الضربة الإسرائيلية التي يمكن أن تدمر "دولة حزب الله"
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- إحدى الصور التي نتذكرها من حرب لبنان الثانية هي صورة رئيس حكومة لبنان، فؤاد السنيورة، يجهش بالبكاء خلال خطابه أمام وزراء الخارجية العرب في بيروت. وصرخ، بمبالغة، قائلاً "إن الجيش الإسرائيلي لم يترك أيّ جسر، وفجّر أيضاً مستشفيات ومواقع تابعة للأمم المتحدة". مضيفاً "انقذوا لبنان". هذا الترجّي، وفي الخلفية قصف سلاح الجو في ضاحية بيروت الجنوبية، أوضح جيداً ضعف الدولة اللبنانية - التي تحولت إلى "لعبة خيطان" يفعّلها حزب الله.
- بعدها بـ18 عاماً، وبعد 9 أشهر من المعارك والضربات التي لا تتوقف، تقريباً، على الجبهة الشمالية، يبدو أن لبنان يقترب، بمرور كل يوم، إلى اللحظة التي سيدفع فيها مرة أُخرى ثمناً باهظاً بسبب قرار حسن نصرالله فتح النار. صحيح أن السؤال عن توسيع الحرب ضد حزب الله لا يزال موضع نقاش في إسرائيل، لكن هناك شيئاً واحداً واضحاً للجميع هذه المرة: عندما سيُتخذ القرار، فإن الدمار والخراب اللذين سيتسبب بهما الجيش لبلد الأرز سيكونان أكبر كثيراً.
"هذا هو العدو الذي تجهّز الجيش لمواجهته"
- قيل أكثر من مرة إن حرب لبنان الثالثة ستؤدي إلى ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية بقوة. فالورقة الاستراتيجية الأقوى لدى حزب الله هي الصواريخ التي جهزها ليوم إعطاء الأوامر: لدى التنظيم "الإرهابي"، بحسب التقديرات، 150 ألف صاروخ بعيد المدى وثقيل ودقيق، وقدرة إطلاق نار بوتيرة 2500-3000 صاروخ في اليوم الواحد. نصرالله يُكثر من الحديث عن امتلاكه صواريخ دقيقة، وعن قدرة الحزب على ضرب البنى التحتية المدنية الإسرائيلية - وأيضاً خططه لاحتلال بلدات في الجليل.
- في الوقت الذي راكم كلٌّ من حزب الله وإيران ثقة بالنفس خلال الأشهر الأخيرة، وأيضاً دافعية على الاستمرار في حرب الاستنزاف، إسرائيل لم تبقَ في حالة خمول. أجهزة الأمن تقوم بجهود يومية لمعرفة نقاط ضعف التنظيم "الإرهابي" الشيعي، وتستمر في جمع المعلومات عن أهداف في دولته. بنك الأهداف لديه اليوم آلاف الأهداف المقررة، في مقابل مئات الأهداف التي كانت لدى الجيش في بنك الأهداف في حرب لبنان الثانية.
- وبحسب رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً في مقابلة مع “N12”، يعكوف عميدرور، إن "نقطة الضعف الأساسية لدى حزب الله هي أننا نعرفه أكثر كثيراً مما عرفنا ’حماس’، حتى بعد بدء المناورة العسكرية في غزة". مضيفاً أنه "خلال الأعوام العشرين الماضية، كان حزب الله هو العدو الذي تجهّز له الجيش، ولذلك، خصص جميع موارده له. هذا ما يبدو واضحاً في أدوات جمع المعلومات التي فعّلها في مواجهة حزب الله، في مقابل تلك التي فعّلها إزاء ’حماس’. لا يوجد لدينا نمط عمل سحري، لكن لدينا معرفة بكيفية عمل المنظومة، وما هي نقاط ضعفها، وما هي نقاط قوتها".
- وفي الوقت الذي لم يكن لدى الجيش خطة جاهزة لاحتلال غزة، فإن التجهيزات في مقابل حزب الله عمرها سنوات، وهي أكثر عمقاً. وشدد عميدرور، قائلاً "إن هذه الأمور نبنيها على مدار سنوات، وليس في يوم، أو يومين، ولا في ثلاثة أسابيع". قدرة جمع الاستخبارات التي يتحدث عنها هي ما سمح للجيش باغتيال اثنين من القادة الثلاثة لدى التنظيم "الإرهابي" في مناطق القتال في الجنوب اللبناني. إذ تابع قائلاً: "نحن نلحق الضرر بمقر قيادة نعرفه منذ عامين، وخلال العمل. ولا يوجد بُعد استراتيجي لأيّ ضربة من هذه الضربات. كل واحدة من هذه المجموعة من العمليات هي ضربة تكتيكية. عندما تقتل اثنين من ثلاثة قادة كانوا في المنصب منذ 15 عاماً - فهذا يشكل خسارة خبرة ومعرفة وسلطة لدى العدو، وهذا كبير جداً".
حرب ضد لبنان، وليس ضد حزب الله؟
- بهذا المنطق، يمكن فهم التحذيرات الموجهة إلى حزب الله - لكن أيضاً إلى حكومة لبنان وجيشه- لأن إسرائيل لن تتردد في ضرب البنى التحتية التابعة للدولة في حرب شاملة. وهذا ما يتعارض مع السياسة التي كانت متّبعة خلال حرب لبنان الثانية، حينها، امتنعت حكومة أولمرت من إلحاق الضرر بالبنى التحتية هذه - وذلك بسبب مطلب أميركي بعدم قصف بنى الوقود والكهرباء.
- ويعلّق الجنرال غيورا آيلند، مدير مجلس الأمن القومي سابقاً، بالقول إن "كل مَن يقول عن حزب الله إنه تنظيم ’إرهابي’ يخطئ كثيراً". مضيفاً أن "حزب الله هو الجيش الفعلي للبنان، وهو مدعوم من الإمبراطورية الكبيرة المسماة إيران". وبحسبه، إن قوة حزب الله لا تنبع فقط من عدد المقاتلين والأسلحة التي يحوزها، بل من التكنولوجيا الإيرانية المتطورة والاستخبارات التي يمنحونه إياها.
- وبحسب آيلند، إن "حزب الله يتمتع بميزة قُربه من الحدود مع إسرائيل. كما يتمتع بميزة أُخرى، فبالإضافة إلى أنه جيش، لا تنطبق عليه القيود المفروضة على الجيش إزاء كل ما يخص المدنيين، أو العمل من داخل منطقة مدنية". وفي الوقت نفسه، يشير آيلند إلى نقطة ضعف لدى التنظيم: شرعيته في داخل دولته ناجمة عن الادعاء أنه يدافع عن لبنان، ويأخذ الشعب اللبناني في حسابه ".
- الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها استغلال نقطة الضعف هذه، بحسب آيلند، هي حرب، ليس فقط ضد حزب الله، بل أيضاً ضد دولة لبنان. وبحسبه، "إذا خاضت إسرائيل معركة ضد دولة لبنان، وضد البنى التحتية الحيوية الخاصة بها، وضد الأحياء المهمة في بيروت؛ وإذا دُمّر هذا كله بشكل كامل، بحيث لا يبقى ميناء، ولا مطار، ولا يكون هناك مواصلات، ولا اتصالات - فإن حزب الله سيفقد السردية التي حاول بناءها على مدار أكثر من 20 عاماً. سيتم دفعه إلى وضع سياسي صعب جداً. هذا ما لا يمكنه التعايش معه".
- "وبعكس السلطة المنفردة لدى ’حماس’ في قطاع غزة، فإن حزب الله حساس جداً تجاه الرأي العام اللبناني. ويصف آيلند هذا، قائلاً إنه "يوجد في لبنان رأي عام، وصحافة حرة، وأيضاً اقتصاد حر، نسبياً، ومذاهب لديها ادعاءات كثيرة ضد حزب الله". هذا ما يقوله آيلند، ويدّعي أنه سيكون من الصعب على حزب الله تجنيد شرعية داخلية لمواجهة إمكان تدمير الدولة، ويضيف: "لا يستطيع أن يشرح أنه يقوم بما يقوم به لأنه حامي لبنان، لأن الجميع سيقول له إنه تسبب بدمار لبنان".
الأهداف المجهزة
- في حال نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، فإن الجيش سيدمر بشكل كبير بنك الأهداف الخاص به في كافة المناطق اللبنانية، مع التشديد على بيروت والبقاع. طال باري، رئيس قسم الأبحاث في مركز "علما" لبحث تحديات الأمن في الشمال، يحذّر من أن ضرب بنى تحتية رسمية سيكون بمثابة خطوة خاطئة. ويقول "بشأن البنى، إن القصف الصحيح والفعال أكثر هو ضرب البنى السياسية والمدنية غير الرسمية التابعة لـ’دولة حزب الله’، وليس ضرب البنى الرسمية التابعة لدولة لبنان". ويضيف أن "مفهوم أنه في حال وجود أدوات قتالية لحزب الله داخل مطار بيروت الدولي، أو في أي موقع مدني آخر تابع لدولة لبنان، يجب تدميره".
- توجد في بنك الأهداف المركزي الذي يتحدث عنه باري هنا كبنى تحتية حيوية تابعة لحزب الله في عدة مجالات، وهي تتضمن شبكة محطات الوقود AMANA ومراكز تخزين الوقود الخاصة بالتنظيم في مجال الطاقة، وفروع البنوك والشركات المالية التي ترتبط بالتنظيم في المجال الاقتصادي، بالإضافة إلى بنى عملياتية ومواقع إعلامية، مثل تلفزيون "المنار" وإذاعة "النور". هذا بالإضافة إلى أنه توجد لديه مواقع طاقة شمسية أقامها الحزب في جنوب الدولة، وفي البقاع، ومصانع لسحب المياه وتكريرها لخدمة العمليات العسكرية للتنظيم "الإرهابي".
- وبحسب بنك الأهداف من التحليل نفسه، سيكون على إسرائيل ضرب شركات البنى التحتية المدنية التابعة لحزب الله، ولها علاقة بالبنى العسكرية الخاصة به. هذه البنى تحت رقابة "جهاد البناء"، ذراع حزب الله للبناء والإسكان، وتخضع لرقابة المجلس التنفيذي للحزب. أحد الأمثلة لهذه البنى هي شركة "البقاع للبناء والمقاولات" المعروفة أيضاً باسمها السابق "السلطة الإيرانية لبناء لبنان" التي أقيمت في سنة 2005، برعاية الحرس الثوري الإيراني. إن ضرب هذه الأهداف يمكن أن يشوش كثيراً قدرة الحزب على بناء وترميم البنى الضرورية، ويضر كثيراً بقدراته العملياتية واللوجستية.
- وبحسب باري أيضاً، على الصعيد العسكري، سيكون التشديد على منظومة الصواريخ والقذائف القصيرة المدى وذات المدَيين المتوسط والطويل - وخاصة منظومة الصواريخ الدقيقة في البقاع وبيروت. هذا بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يكون ضربة للمنظومتين الجوية والبحرية لدى حزب الله، وضمنهما مخازن ومراكز القيادة والسيطرة. ومن المتوقع أيضاً أن تكون منطقة "المربع الأمني" في الضاحية ومركز القيادة الرئيسي لحزب الله هدفاً مركزياً.
- ويشير باري أيضاً إلى أنه من المتوقع أن تركز المناورة البرية للجيش على منظومة الصواريخ المضادة للدروع والأطر المقاتلة لحزب الله - الوحدات البرية وقوة الرضوان. أمّا في الساحة البحرية، فسيكون على إسرائيل إبادة التهديدات المركبة، كصواريخ بر - بحر والغواصات الصغيرة والقوارب المتفجرة، بالإضافة إلى المقاتلين في الكوماندوس البحري وصواريخ توربيدو، وستحاول أجهزة الأمن وضع يدها على القيادتين العسكرية والسياسية لحزب الله.
- ويرسم البروفيسور إيال زيسر، الباحث في الشأنين اللبناني والسوري من جامعة تل أبيب، صورة صعبة للوضع لدى جارتنا الشمالية الآن: "يدور الحديث عن دولة مهدمة، من دون مؤسسات، ومن دون رئيس منتخب، ومن دون حكومة، ومع برلمان مشلول واقتصاد مدمر، ومستوى حياة متدنٍّ. هناك نقص وحاجة. اللبنانيون يريدون الحياة، إلا إن الناس يعيشون في فقاعة. بالنسبة إلى المسيحي اللبناني، الجنوب اللبناني لا يفرق معه. هناك هجرة وضرر يلحق بالسياحة، لكن لا توجد أجواء حرب".
- الحرب في لبنان ستجعل الظروف أسوأ، وخاصة إذا اختارت إسرائيل ضرب البنى التحتية للدولة. ويقول زيسر: "إن أغلبية اللبنانيين لا تريد الحرب، وكانوا سيشعرون بالسعادة لو أن حزب الله لم يتدخل من البداية". ويضيف "حتى إن الأغلبية الشيعية لا تريد الحرب".
- وعلى الرغم من الانتقادات المتصاعدة لحزب الله، فإن زيسر يقدّر أنه لا يوجد احتمال لاحتجاجات حقيقية ضد الحزب في الوقت المنظور. ويشرح أن "القوى الأُخرى في لبنان ضعيفة، لا تملك القوة للاحتجاج، وهذه ليست طريقهم، وعلى الرغم من ذلك، فإن الضرر بالدولة نفسها يمكن أن يكسر السد، وأن يزعزع مكانة حزب الله".
الشيعة ليسوا انتحاريين
- في الوقت الذي تتعالى أصوات الحرب بقوة في الشمال، فإن الفكرة الإسرائيلية المدعومة، أميركياً وفرنسياً، هي دفع حزب الله إلى الشمال، إلى ما بعد نهر الليطاني، إمّا باتفاق دبلوماسي، وإمّا بأدوات عسكرية. وبحسب عميدرور، فإن "هذا يمنحنا أمرين"، ويضيف "لا يمكن الهجوم من دون سابق إنذار إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، كما فعلت ’حماس’ في الجنوب في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو ما يقلص إمكان إطلاق صواريخ مضادة للدروع على إسرائيل. إذا كنت خلف الليطاني، فعليك أن تعبره، وهو ما يدفع القوات إلى الحركة، وحينها، يوجد احتمال جيد لرصدهم".
- وفي الوقت نفسه، يشير آيلند إلى التعقيد في تنفيذ خطوة كهذه "من الصعب جداً فحص وجود صواريخ مضادة للدروع وصواريخ مضادة للطائرات، أو مسيّرات، إذ يمكن وضع هذه الأدوات في حقيبة. هذا بالإضافة إلى أن جزءاً كبيراً من قوات حزب الله التي يجب إبعادها، من سكان القرى الذين يعيشون على بُعد 2-3 كيلومترات عن الحدود".
- صحيح أن إسرائيل لا تريد حرباً مع لبنان بسبب الضرر الكبير الذي سيلحق بالجبهة الداخلية، إلا إن عميدرور يرى أن احتمالات موافقة حزب الله على انسحاب كهذا، من دون حرب، هي ضئيلة جداً. ويقول إن "الأميركيين يقولون إن احتمال الانسحاب ضئيل، لكن ما دام هناك احتمال، فيجب الاستثمار فيه. أنا لا أريد أن أقول إنه مستحيل، لكن في رأيي، الاحتمال ضئيل جداً".
- أمّا زيسر، فيقدّر أن حزب الله غير معنيّ بحرب، ومن المتوقع أن يقوم بكل شيء لمنعها. ويقول " كما يبدو، لن يبادر إلى الحرب، بل نحن. إنه يريد أن ينهيها في أول فرصة". ويقدّر أنه إذا اندلعت الحرب، فستكون إسرائيل أمام معضلة: الموافقة على وقف إطلاق نار بشروط غير كافية بالنسبة إليها، أو الانجرار إلى حملة برية واسعة. ويقول إن "مقاتلي حزب الله أشخاص عمليون أكثر من حماس. من المهم أن يظهروا بمظهر حماة لبنان الذين يدفعونه إلى التقدم، وليس إلى الدمار، كما في قطاع غزة. في اللحظة التي يتم تدمير لبنان، ويدفع أبناء الطائفة الشيعية الأثمان الثقيلة، فإن منطق حزب الله كله سينهار".