· لا شك في أن الجمود السياسي المستمر منذ أشهر كثيرة، واستنكاف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن فعل أي شيء لكسر هذا الجمود، جعل كل من اعتقد في الآونة الأخيرة أن نتنياهو سيدفع السلام قدماً يدرك أنه لن يقدم على فعل شيء. غير أن هؤلاء يصدّقون، في موازاة ذلك، الحجة الجديدة التي يتذرع نتنياهو بها، وفحواها أنه لا يمكنه الاعتماد على حزب كاديمـا، وأنه يخشى ألاّ يحظى بتأييد هذا الحزب في حال إقدامه على "خطوة جريئة في طريق السلام"، وأن يسعى هذا الحزب لإسقاط الحكومة، كما حدث معه سنة 1998 [عندما أسقطه خصومه السياسيين] في إثر توقيعه اتفاق "واي ريفر" [مع الفلسطينيين].
· ووفقاً لشهادات كثيرة، فإن نتنياهو يقول للمقربين منه إن المسؤولية عن إخفاقه السياسي في سنة 1998 تقع على عاتق "[رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق ورئيس حزب العمل] إيهود باراك، وعلى حاييم رامون، اللذين استغلا خطوته الشجاعة من أجل إسقاطه، بدلاً من تأييد حكومته".
· في ضوء ذلك، ارتأيت أن أعيد إلى الأذهان ما يلي: قبل أن يسافر نتنياهو إلى اجتماعات "واي ريفر" [في الولايات المتحدة]، في تشرين الأول/ أكتوبر 1998، كان يدرك تماماً أن حزب العمل على استعداد للانضمام إلى حكومة وحدة وطنية، في حال عودته من تلك الاجتماعات متأبطاً اتفاقاً جديداً. فضلاً عن ذلك، فإن نتنياهو نفسه اتصل، في إثر توقيعه الاتفاق وعشية عودته إلى البلد، بأحد المقربين منه وقال له إنه مصرّ على إقامة حكومة وحدة وطنية. وقام الشخص المقرّب من نتنياهو بالاتصال بي كي يبلغني ذلك، فقلت له إن حزب العمل سيعمل على أن تؤلَّف حكومة وحدة وطنية، وسيقدّم المساعدة المطلوبة كلها لرئيس الحكومة.
· لكن، على ما يبدو، فإن نتنياهو قلب موقفه رأساً على عقب في أثناء رحلته الجوية إلى إسرائيل، ذلك بأنه فور عودته شنّ هجوماً كبيراً على باراك وحزب العمل، وأعلن أنه لن ينفذ الاتفاق، وطلب من زعماء الأحزاب اليمينية المتطرفة تأييد حكومته كي لا تسقط، وبذا، فإنه سدّ الطريق أمام إمكان إقامة حكومة وحدة وطنية.
· إن هذه الوقائع تؤكد أن نتنياهو تهرّب من اتخاذ القرارات الحاسمة، عندما كان الأمر يستلزم ذلك، وكانت هذه هي طريقه المعهودة، وبالتالي فقد فضل الجمود السياسي واستمرار الوضع القائم على ضرورة الإصرار والحسم.
ولا بُد من القول إن نتنياهو يمكنه في الوقت الحالي اتخاذ خطوات مهمة لتنفيذ فكرة "دولتين لشعبين"، التي سبق أن أعلن تأييده لها [في الخطاب الذي ألقاه في جامعة بار ـ إيلان في حزيران/ يونيو 2009]، الأمر الذي من شأنه أن يضمن، في الوقت نفسه، بقاء إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية. إن المحك الحقيقي لرئيس الحكومة كامن في اتخاذ خطوات كهذه. ولدي قناعة أكيدة بأنه في حال إقدامه على خطوات من هذا القبيل فإنه سيحظى بتأييد حزب كاديما، ذلك بأن هذا الأخير يفضل المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية.