إنجازات إسرائيل في الشمال، تحطم المعادلة التي وضعها نصر الله
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- بدأت عملية كسر العظم الإسرائيلية على الحدود اللبنانية، بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله وجِهات أُخرى، وعلى رأسها حركة "حماس" التي تعمل من تحت عباءة حزب الله هناك، بمبادرة من التنظيم، في اليوم الذي تلا الكارثة الكبرى في الجنوب، صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر. منذ ذلك الحين، تستمر الأعمال القتالية بصورة متواصلة، وتتأثر كثافتها وقدراتها النارية، ليس فقط بتطورات الحرب الدائرة في قطاع غزة، بل أيضاً بحاجات ومصالح حزب الله "وولية نعمته"، إيران، التي يعمل معها بتنسيق تام.
1. في مواجهة حركة "حماس": يشعر الحزب بالحاجة إلى إظهار تعاطُفه مع الحركة ومساعدتها والاستجابة لنداءاتها، وذلك من خلال دفع الجيش الإسرائيلي إلى نشر قواته على الجبهة الشمالية، من أجل مراكمة المصاعب أمام إسرائيل، لمنعها من تحقيق أهدافها في المواجهة مع "حماس".
- على الحدود اللبنانية: الفرصة سانحة للكشف عن قدرات حزب الله وتحسين معادلة الردع القائمة بينه وبين الجيش الإسرائيلي، مع خلق واقع جديد ومريح أكثر للتنظيم على امتداد الحدود.
- على الصعيد الإقليمي: السعي لإظهار تماسُك "جبهة المقاومة" التي تقودها إيران، والتهديد الذي تشكله في مواجهة إسرائيل، وذلك من خلال أمور، من ضمنها اشتراك شركاء الحزب في جبهة المقاومة (حوثيو اليمن والميليشيات الشيعية في كلٍّ من سورية والعراق)، على أمل إضعاف إسرائيل وعلاقاتها بالدول العربية المعتدلة، أي المحور الإقليمي المضاد.
- على مدار الأسبوع، أو الأسبوعين الماضيَين، ارتفع منسوب القتال بصورة كبيرة على امتداد الحدود اللبنانية. لقد وسّع حزب الله نطاق أعماله القتالية من خلال زيادة منسوب هجماته (نحو أهداف غير عسكرية أيضاً)، وقد تمت إطالة آماد إطلاق الصواريخ (إذ إن مَن ينفّذ أغلبية هذه العمليات هم "مقاولون" للحزب، من ناشطي حركة "حماس" في الجنوب اللبناني)، وتم استخدام وسائل جديدة (قنابل تحمل كمية كبيرة جداً من المادة المتفجرة، وطائرات مسيّرة هجومية). يبدو أن نصر الله مدفوع إلى التصعيد لأسباب عدة، من ضمنها الانتقادات التي توجَّه إليه من جانب حركة "حماس" ومناصريها بشأن إسهامه الطفيف في الحرب، في أعقاب خطابه الأول (3 تشرين الثاني/نوفمبر). لقد ألقى نصر الله خطابه ذاك، بعد صمت امتد نحو شهر، عقب اندلاع الحرب. صحيح أنه ادّعى في خطابه ذاك أن جميع الخيارات مفتوحة لاحقاً، لكنه امتنع من إعلان توسيع الأعمال القتالية على الحدود اللبنانية بصورة مفصلة (وهذا يتطابق مع ما قاله في خطابه الثاني في 11 تشرين الثاني/نوفمبر). لكن ما تقدّم ليس هو السبب الوحيد.
- لقد تورط الحزب في حلقة التصعيد أيضاً نتيجة إحباطه من نتائج الرد الإسرائيلي الذي سبّب له ضرراً جسيماً. صحيح أن إسرائيل ترد بوتيرة محدودة، لكنها هجومية. وقد بلغ عدد قتلى حزب الله، حتى الآن، 76 قتيلاً في صفوفه وحده (ويبدو أن هناك آخرين، بالإضافة إلى قتلى في أوساط جهات فلسطينية ولبنانية غير ضالعة في القتال)، وهو يتلقى ضربات موجعة في بناه التحتية، وخصوصاً في النقاط الحدودية التي أقامها على امتداد الحدود، وفي أهداف موجودة في نقاط أعمق داخل لبنان. لا يفلح نصر الله في الحفاظ على المعادلات التي أنشأها وطوّرها في حربه ضد إسرائيل منذ سنة 2006. إذ تدهور العمل بسياسة "العين بالعين" (أي قتل جندي إسرائيلي، رداً على مقتل أي ناشط في التنظيم) والأهم، مسألة كسر "التابو" المتمثل في امتناع سلاح الجو الإسرائيلي من مهاجمة أهداف تابعة للتنظيم في قلب لبنان.
- يمكن لنصر الله أن ينسب لنفسه الفضل في الإنجازات التي نجمت عن إشعال الحدود اللبنانية، وهو لم يتوقف عن التباهي بها في خطابَيه: إذ تمكن من جرّ الجيش الإسرائيلي إلى القتال في تلك الساحة أيضاً، وهو ما اضطر الجيش إلى إجراء عملية تجنيد واسعة النطاق في صفوف قوات الاحتياط إلى الشمال، منذ أكثر من 40 يوماً. وقد نجح في إثبات أنه يملك وسائل قتالية متطورة، وهو يضرب مواقع الجيش الإسرائيلي، والوسائل الاستخباراتية المنتشرة على امتداد الحدود. يضاف أيضاً إلى هذا كله، تهجير أكثر من 60.000 من السكان الإسرائيليين القاطنين في البلدات القريبة من الجدار، فضلاً عن نجاحه في بث الخوف من انتشار نار الحرب في الشمال، وهو ما سيورط الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهذه العوامل كلها مهمة، بحسب فهم نصر الله.
- وعلى الرغم من هذا كله، يبدو الآن أن نصر الله يواصل سعيه لإبقاء القتال تحت عتبة الحرب، والامتناع من خوض حرب شاملة، حسبما يمكن فهمه من بين السطور في خطابات نصر الله، وذلك لأسباب عدة:
- الرغبة الإيرانية في الحفاظ على قوة حزب الله، باعتبار الحزب "الورقة الرابحة" في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، في حال تمت مهاجمة إيران.
- التخوف من الدمار الذي سيلحق بلبنان، الذي يعيش أزمة حادة منذ عدة سنوات، إلى جانب مكانة التنظيم الذي يتعرض لانتقادات واسعة من الشعب اللبناني "بكافة فصائله" (حتى من جانب الشيعة)، الذي يتهم نصر الله بجرّ لبنان إلى حرب لا مصلحة له فيها.
- وقوف الولايات المتحدة بشكل واضح إلى جانب إسرائيل، والتهديد الأميركي لكلٍّ من إيران وحزب الله بعدم التدخل في الحرب، والوجود العسكري الأميركي المكثف في الإقليم، للحؤول دون نشوب حرب إقليمية.
- السبب التكتيكي المتمثل في فقدان عنصر المباغتة: إذ إن إسرائيل متأهبة وجاهزة على امتداد الحدود (قامت بتجنيد الاحتياط وإخلاء البلدات)، وهي تثبت، حتى الآن، قدراتها على العمل بالتوازي بين الجنوب والشمال.
- إن القرار الذي اتخذته إسرائيل بشأن الحرب في الجنوب، بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كان صحيحاً. وفي الوقت ذاته، هناك أيضاً مبررات للادعاء أنه في ظل الظروف القائمة، باتت الحرب الهادفة إلى القضاء على التهديد العسكري في الشمال أمراً لا مفر منه. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المستحسن في هذه المرحلة عدم التورط في حرب واسعة النطاق ضد حزب الله، وتأجيل هذه المعركة الصعبة إلى وقت آخر، ولو كان سبب ذلك ينحصر في الحفاظ على استمرار الدعم الأميركي للحرب الدائرة في قطاع غزة. إن الولايات المتحدة مصممة على منع إسرائيل من شنّ هجوم واسع النطاق في الشمال، من أجل الحيلولة دون نشوب حرب إقليمية.
- في الوقت ذاته، إن القتال الدائر على الحدود الشمالية، والذي من المرتقب أن يستمر على مستوى ما، على امتداد أيام القتال الطويل في قطاع غزة، يوفر لإسرائيل فرصة لخلق تغيير في الواقع على امتداد الحدود اللبنانية. أولاً، وقبل كل شيء، من أجل توفير مزيد من الأمن للسكان المهجّرين من الشمال، لكي يتمكنوا من العودة إلى منازلهم بأسرع وقت ممكن. يجب أن يتمثل الهدف الإسرائيلي، في المدى القريب، في دفع حزب الله إلى العمق، ومعه سائر الجهات التي تعمل تحت غطائه، وإبعادهم عن الحدود اللبنانية.
- على مدار العام أو العامين الماضيين، أصبح وجود عناصر حزب الله (قوة الرضوان) على امتداد الحدود أكثر وضوحاً، وذلك في خرق تام لقرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي حدد أن على حزب الله الانسحاب إلى ما وراء خط نهر الليطاني، وفي الوقت نفسه، يقوم الحزب بمنع قوات اليونيفيل، التي كان من المفترض أن تراقب تطبيق القرار، من تنفيذ مهمتها. لهذا السبب، يتوجب على المستويَين السياسي والعسكري في إسرائيل التفرغ، والدفع قدماً في اتجاه تفكير منتظم بشأن الموضوع منذ الآن، مع تكييف النشاط العسكري - الذي لا يزال تحت عتبة الحرب - في إطار الحرب الدائرة على الحدود اللبنانية، من أجل خدمة هذا الهدف، ومن أجل كسر قواعد اللعب التي يحاول نصر الله فرضها على الجيش الإسرائيلي. في الوقت ذاته، من المهم الشروع في صوغ الإطار السياسي المطلوب من أجل خلق هذا الواقع الجديد على امتداد الحدود اللبنانية، بمساعدة من الأميركيين. هذه الحاجة ماسة، ولا يجب الانتظار لتحقيقها إلى ما بعد "اليوم التالي للحرب في قطاع غزة".