الولايات المتحدة لديها تصوُّر متماسك بشأن اليوم الذي يتلو الحرب، أما إسرائيل فلا، وهذه هي نقاط الخلاف
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • يبدو أنه لا يزال من السابق لأوانه الانشغال باليوم الذي يتلو الحرب في قطاع غزة. إذ إننا ما زلنا لا نعلم ما إذا كان الجيش الإسرائيلي سيحقق الأهداف الموضوعة له: القضاء على حركة "حماس" واستعادة جميع المخطوفين، كما أننا ما زلنا لا نعرف ما الذي قد يحدث خلال الحرب، ويجبر إسرائيل على تحويل اهتمامها إلى اتجاه آخر، إلى لبنان مثلاً. لكن الواقع السياسي يفرض على القادة العسكريين والسياسيين القيام ببلورة خطة منذ الآن، ذلك بأن البيت الأبيض وإدارة بايدن يشترطان مواصلة تقديم الدعم الشرعي للقتال، بتقديم إجابات واضحة عن سؤالين: ما الذي ستوافق عليه إسرائيل حين تحط الحرب أوزارها، وما الذي لن توافق عليه آنذاك.
  • لا تكتفي الإدارة الأميركية بالأهداف التي وضعتها إسرائيل لنفسها. فهي ترغب في أن تخلق الحرب وضعاً جديداً في الشرق الأوسط، يحتوي في قلبه على تسوية دائمة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، بالاستناد إلى الضوابط التالية: دولتان لشعبين، يكون قطاع غزة في هذا السياق جزءاً من الدولة الفلسطينية، تابعاً لسلطة واحدة مع الضفة الغربية. ومن الواضح أن إدارة بايدن صاغت خطة مفصلة لليوم الذي يتلو الحرب، يشمل ثلاث مراحل "كبرى":
  • في المرحلة الأولى، ومع انتهاء القتال، ستبدأ فترة مرحلية تسيطر فيها إسرائيل على قطاع غزة، مع إدارة فلسطينية من الموظفين المحليين، تهتم بمصالح السكان، وتنظّم مسألة توزيع الغذاء وتوفير الماء والوقود، بالاستناد إلى تبرعات تأتي من الدول الغربية والأمم المتحدة.
  • المرحلة الثانية: حسبما كتب الرئيس جو بايدن في مقال تم نشره يوم السبت الماضي في صحيفة "واشنطن بوست"، فإنه يرغب في أن ينسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، في ظل تسويات أمنية، مهما تكن هذه التسويات، وبحيث تنتقل السيطرة إلى "سلطة فلسطينية مُجددة". لم يفصّل الرئيس بايدن إلامَ يرمي من وراء هذه العبارة، لكن من المقبول الافتراض أنه يتحدث عن سلطة لا يقودها أبو مازن، بل شخص آخر من مؤيّديه، بحيث لا تقوم هذه السلطة على تربية الجيل الشاب فيها على كراهية إسرائيل، وربما أيضاً لا تدفع رواتب تقاعدية لعائلات "الإرهابيين الذين قُتلوا"، أو أولئك الذين لا يزالون في السجون الإسرائيلية.
  • المرحلة الثالثة: إجراء مفاوضات، على ما يبدو بوساطة أميركية، بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية في منطقتَي حُكمها، وهو ما يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع ضمان وجود جسر بري، فوق الأرض، أو تحتها، يربط بين جزأَي الدولة العتيدة.
  • يساند الأميركيون بصورة تامة العملية الإسرائيلية الهادفة إلى القضاء على حركة "حماس"، من حيث كونها كياناً سياسياً وعسكرياً، لكنهم يشترطون بأن يؤدي الأمر إلى صوغ حل مستدام وبعيد المدى للنزاع. يطالب الأميركيون بتحقيق وضع جديد، بما يشبه الـ "باكس أميريكانا"، (المصطلح نفسه الذي يتطرق إلى السلام في الغرب، بقيادة الولايات المتحدة) يسود الشرق الأوسط، ويتيح لإسرائيل الاندماج في الإقليم، وتوقيع معاهدة سلام مع السعودية، وربما مع دول أُخرى.
  • وفي المقابل، لا يبدو أن لدى إسرائيل رؤية، أو سياسة متعلقة باليوم الذي يتلو الحرب، أو حتى بحلّ للنزاع مع الفلسطينيين. فالحكومة الراهنة، كما هي حال الحكومات السابقة التي شكّلها بنيامين نتنياهو، متشبثة بالادعاء أنه نظراً إلى عدم وجود شريك في السلام مع إسرائيل، وإلى أن أيام أبو مازن صارت معدودة، فإن عليها الاكتفاء بإدارة الصراع؛ فإذا قامت ذات يوم سلطة فلسطينية ساعية للسلام، يمكن التحاور معها ومع زعيمها بشأن حل يتيح لإسرائيل مواصلة بسط نفوذها على المناطق [المحتلة]، حينها، ستُجري الحكومة الإسرائيلية مفاوضات بشأن سلطة أقل من دولة فلسطينية، لكن أكثر من حُكم ذاتي. وعلى فكرة، هذا كان موقف إسحق رابين أيضاً.
  • ما المقصود بـ"سلطة أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي"؟ لم تحاول إسرائيل قط صوغ الأمر بصورة رسمية، لكن المفهوم يتمثل في كيان سياسي بشرطين: الأول، هو أن يكون هذا الكيان منزوع السلاح، وأن تملك إسرائيل حرية العمل الاستخباراتي والأمني على أراضيه. والشرط الثاني، هو أن يكون كلٌّ من الضفة الغربية وقطاع غزة كيانَين منفصلين، لا دولة واحدة. ويعني الشرطان المذكوران أن ذلك الكيان سيكتفي بإدارة شؤون مواطنيه المدنية، ويُقيم مع إسرائيل علاقة خاصة، اقتصادية وأمنية.
  • وعلى النقيض من الأميركيين الذين، كما أسلفنا، لديهم رؤية متماسكة بشأن التسوية النهائية، فإن إسرائيل لم تقم قط بعرض هذه الفكرة بصورة واضحة، بل على أنها فقط مبادرة خاضعة للتفاوض. إن اللوم في هذا الشأن، لا يقع بصورة حصرية على دوائر صُنع القرار السياسي في إسرائيل، بل على الفلسطينيين أيضاً، الذين كان لديهم مطالب مبالَغ فيها، تشمل مطالبات بعيدة المنال، بينها حلول مبالَغ فيها بشأن تعويضات إقليمية يريدون الحصول عليها في مقابل التنازلات التي تطالب بها إسرائيل. إن المسؤولية عن عدم بدء المفاوضات تقع بالتساوي على كاهلَي حكومات نتنياهو وأبو مازن والمحيطين به، وهما طرفان يرفضان، بصورة ثابتة، التنازل عمّا هو أقل من الحد الأقصى من مطالب كلٍّ منهما.

لاءات مجلس الكابينيت الثلاث

  • لنعُد إلى مسألة اليوم الذي يتلو الحرب. صحيح أن إسرائيل لم تصغِ لنفسها المخطط الذي ترغب فيه، لكن مجلس الكابينيت الأمني يعرف تماماً ما الذي لا يريده. فأولاً، لا يريد الكابينيت أن يكون أمن "دولة إسرائيل"، وخصوصاً بلدات الجنوب، في يد أي جهة أُخرى، غير الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك. ولذا، فإن أي تسوية في القطاع لا يمكنها أن ترتكز على قوة سلام تابعة للأمم المتحدة، أو أي قوة عربية، أو إسلامية متعددة الجنسيات. ستكون إسرائيل مستعدة لإبداء مرونة إزاء وجود قوة متعددة الجنسيات، مكونة من جنود دول صديقة لإسرائيل، على غرار الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، إلى جانب احتفاظها لنفسها بالسيطرة الاستخباراتية في قطاع غزة، والقدرة على تنفيذ عمليات الاغتيالات هناك.
  • وثانياً، لا ترغب إسرائيل في أن تكون السلطة الفلسطينية قوة تسيطر، مدنياً وأمنياً، على القطاع. إن نتنياهو، كما أسلفنا، يعارض بشدة بقاء السلطة الفلسطينية بتكوينتها الحالية تحت رئاسة أبو مازن، والتي تربي الأجيال على كراهية إسرائيل، وعلى النشاطات "الإرهابية" ضدها، وتقوم بدفع الرواتب التقاعدية لعائلات "المخربين"، سواء أكانوا أحياء، أم أمواتاً. وفي الموازاة، لا يصرّح نتنياهو بصورة علنية، بأنه يوافق على سيناريو بايدن المتعلق بـ "سلطة فلسطينية مجددة"، لأنه غير معني بمواجهة شريكَيه في الحكومة، الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يعارضان فكرة الدولتين بشدة، سواء أكانت تدير الدولة الفلسطينية سلطة "مُجدَّدة"، أو إن كانت ستدار في إطار النموذج القائم، برئاسة أبو مازن.
  • هذه هي نقاط الخلاف الأساسية بين الإدارة الأميركية وإسرائيل: من أجل الحفاظ على تشكيلة حكومته، فإن نتنياهو ليس مستعداً لأن تقوم السلطة، أو أي جهة فلسطينية أُخرى، بإدارة الضفة الغربية وقطاع غزة معاً، إلى جانب جميع الاعتبارات الأمنية الأُخرى. ودفاعاً عن الرجل، يجب أن نقول إن الأميركيين لم يقوموا حتى الآن بتوضيح كيف سيحرصون بالضبط على قيام السلطة الفلسطينية بتجديد نفسها، والتحول إلى جهة سياسية مسؤولة، ومقبولة، ومعتدلة. يُحتمل أن الأميركيين يفترضون أيضاً أن أيام أبو مازن قد باتت معدودة، أو أنهم سينجحون في إقناعه، أو إقناع مَن سيحل مكانه، بتغيير طبيعة السلطة. لكن لا يبدو، حتى الآن، أن هناك جهة فلسطينية موجودة ذات وزن سياسي ووطني، سواء داخل السلطة أم خارجها، يمكنها أن تتولى زمام الأمور.
  • هناك شرط إضافي يُحسب إلى جانب اثنتين من اللاءات الصادرة عن مجلس الكابينيت الأمني: فالكابينيت لا يرغب في الوصول إلى وضع يفرض عليه رفع الحصار عن قطاع غزة، والسماح للقطاع بإقامة علاقات اقتصادية، وأُخرى مع السلطة، أو الدولة الفلسطينية، كما يطالب أبو مازن.

إسرائيل تصر على مطلبَيها: حرية العمل، ومنطقة حدودية عازلة

  • ما الذي يمكن فعله إذاً؟ وما الذي يمكن أن تتقبله إسرائيل؟ أولاً، تم الاتفاق مع الأميركيين، أنه فور انتهاء الحرب، واستعادة المختطفين، وإنجاز القضاء على قدرات حركة "حماس"، تبدأ مرحلة انتقالية، تقيم فيها إسرائيل حكماً عسكرياً، يعمل بالتوازي مع سلطة موظفين محلية تدير الشؤون المدنية في القطاع. ستكون تلك المرحلة صعبة جداً، ستبدأ بعد شهرين، أو ثلاثة أشهر: سيكون من الضروري الاهتمام بشؤون نحو مليون فلسطيني ليس لديهم مكان يعودون إليه من منطقة اللجوء في جنوبي القطاع، لأن منازلهم في شمالي قطاع غزة مدمرة تماماً. وستكون للأمر إسقاطات على البنى التحتية، والتصريف الصحي، والحالة الصحية، والتوظيف، وتوزيع الغذاء، وهي قضايا يبلغ تمويل حلول لها مليارات الدولارات، وتتطلب وجود سلطة مدنية ناجعة. لكن، وكما أسلفنا، لا توجد خلافات مبدئية بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الحاجة إلى مرحلة انتقالية من هذا النوع، تستمر مدة تتراوح بين بضعة أشهر وسنة.
  • ما الذي يتلو ذلك؟ كما أسلفنا، لا تملك إسرائيل خطة واضحة وشاملة، بل لديها مطلبان أمنيان أساسيان، يتيحان عودة سكان "غلاف غزة" إلى منازلهم بأمان. المطلب الأول، هو حرية العمل الاستخباراتي والعسكري في جميع أرجاء قطاع غزة، من دون علاقة للأمر بماهية الجهة المسؤولة عن إدارة الأمن داخل القطاع (قوة متعددة الجنسيات، بصيغ مختلفة). أما المطلب الثاني: فهو وجود منطقة أمنية عازلة بعرض كيلومتر على الأقل، حول قطاع غزة بأسره، يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ويفصل بين البلدات الإسرائيلية وبين سكان قطاع غزة.
  • خلاصة القول، إن إسرائيل لا تقدم مقترحات بديلة من التصور الأميركي، وهي ترفض، بصورة مبدئية، التصور الداعي إلى إنشاء دولتين لشعبين، كصيغة لإنهاء النزاع. إن كان نتنياهو مستعداً رسمياً للموافقة على المطلبين الأميركيين (سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، والموافقة على حل مستند إلى حل الدولتين)، فسيكون الأمر بمثابة نهاية لمشكلات الشرعية التي تهدد، حالياً، استمرار الجيش الإسرائيلي في القتال، أو على الأقل، تقليص إلحاح المطالب الأميركية على ضرورة إعلان هدن إنسانية.
  • بكلمات أُخرى، يمكن للجيش الإسرائيلي الاعتماد على أن الأميركيين سيواصلون منحه دعماً واسعاً ونافذة مفتوحة من الشرعية، إلى أن يتمكن من استكمال مهمته. لكن نتنياهو، حالياً، غير مستعد للموافقة على المطلبَين الأميركيَين المذكورَين آنفاً، بشأن اليوم الذي يتلو الحرب. ولا يزال من المرتقب أن يتصاعد الخلاف في هذا الشأن.
 

المزيد ضمن العدد